إمام الحرم النبوي الأسبق لـ «الشرق الأوسط»: خطباء جوامع يحلقون خارج السرب.. وإطالة الخطب «بلوى»

وكيل وزارة الشؤون الإسلامية: لدينا دورات تدريبية لخطباء الجوامع في كل المناطق منذ سنوات

الشيخ الأخضر: البحث عن المتخصصين في مجال الخطب يعد أمرا من السنة
TT

شن إمام الحرم المدني الأسبق الشيخ إبراهيم الأخضر انتقادات لاذعة لبعض أئمة وخطباء المساجد، حول مستوى تأهيلهم وعدم تخصص الكثير منهم، واصفا المشهد المنبري في ما يخص الأطفال في الخطبة بـ«المخالف للسنة» و«البلوى» التي تجاوزت السعودية إلى خارجها أيضا.

وعلل الشيخ إبراهيم الأخضر إمام المسجد النبوي الأسبق وشيخ المقرئين بالقول «إن الإطالة في خطب الجمعة تعد مشكلة أخرى مخالفة للسنة، وهو ما يعد بلوى عامة، ليس في السعودية فقط وإنما على مستوى الدول الإسلامية بشكل كامل، في ظل عدم التزام الكثيرين من الخطباء بالسنة، لا سيما أن بعض الخطباء يصعدون على المنابر ولا يريدون النزول منها». وأضاف شيخ المقرئين إبراهيم الأخضر أن «لكل مهنة متخصصين من منطلق قاعدة العلم بالتعلم»، لافتا إلى حاجة خطباء الجوامع للتأهيل، إضافة إلى ضرورة البحث عن التخصص ذي القيمة والثمن.

وزاد «إن البحث عن المتخصصين في مجال الخطب يعد أمرا من السنة، حيث إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من رأى الأذان، غير أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال له: (علمه لبلال فإنه أندى منك صوتا)، مما يدل على أن التخصص في الشيء أمر ضروري». وأبان أن وجود خطباء خارج التخصص هو ما تسبب في تحليق الكثير منهم خارج السرب، مبينا في الوقت نفسه أن خطب الجمعة في الوقت الحالي باتت متروكة بشكل ارتجالي، الأمر الذي أدى إلى عدم فاعلية تلك الخطب نتيجة قلة تأهيل خطباء الجوامع.

واعتبر إمام وخطيب الحرمين الشريفين سابقا والخطيب في أحد الجوامع السعودية، مراقبة خطباء الجوامع غير مجدية باعتبارها تخص مراقبة شيء موجود، غير أن المهم هو التأكد من مدى جدوى الأصل، مضيفا «نحن بحاجة إلى مراقبين على مستوى عال لتقييم وتحديد إمكانيات الخطيب وليس التأكد من وجودهم في الجوامع فقط».

إلى ذلك، كشف الدكتور توفيق السديري، وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون المساجد، عن وجود العديد من الدورات التدريبية التي تستهدف خطباء الجوامع في كل مناطق السعودية وتعمل عليها الوزارة منذ عدة سنوات بهدف تأهيل الخطباء والأئمة في ما يتعلق بخطب الجمعة.

وأوضح الدكتور السديري أن هناك معهدا لإعداد الأئمة والخطباء في مقر الوزارة بالرياض، والذي يعنى بتدريب الخطباء والدعاة من خلال عقد دورات تدريبية لهم سواء في مقره أو بمختلف مناطق المملكة. وقال في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة الكثير من الجهود المبذولة في هذا الجانب، من ضمنها تنظيم دورات شهرية وسنوية في مناطق ومحافظات المملكة المختلفة، عدا عن تلك الثابتة التي ينظمها المعهد في مقره بالرياض».

وحول المسارات التي تحدد موضوعات هذه الدورات، أبان وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون المساجد، أنها تتضمن التأهيل المهاراتي المتعلق بمهارات الإلقاء وكيفية الوصول إلى المستمع وتطوير اللغة. وأضاف «تختص تلك الدورات أيضا بمجال العلوم الشرعية وربطها بواقع الناس وحاجة المجتمع، إلى جانب تأصيل الوسطية وتحقيق الأمن الفكري لأفراد المجتمع وتعزيز الانتماء للوطن»، موضحا أن هذه المسارات تعمل عليها الوزارة من خلال معهد الأئمة والخطباء منذ عدة سنوات. وذكر أن هناك معهدا لإعداد الأئمة والخطباء يتبع لجامعة طيبة في المدينة المنورة، وهو عبارة عن معهد إعدادي يعمل على تخريج متخصصين في مجال الخطابة بدرجة الـ«دبلوم»، والذين من الممكن أن تستفيد منهم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بعد تخرجهم.

يأتي ذلك في وقت طالب فيه شيخ المقرئين إبراهيم الأخضر، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بضرورة إنشاء معاهد تأهيل فاعلة للأئمة والخطباء في كل مناطق المملكة، وذلك بهدف تأهيلهم في تأدية أعمالهم بالشكل الصحيح.

وهنا، علق الدكتور توفيق السديري، في سؤال حول توجه الوزارة لإنشاء معاهد تأهيلية للخطباء والأئمة في مختلف مناطق المملكة، قائلا «إن المعهد الموجود بالرياض يقيم الدورات المختلفة بالتعاون مع فروع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في كل المناطق والمحافظات، أو بالتعاون مع الجامعات والكليات والمعاهد السعودية الأخرى والتنسيق معها في المناطق المختلفة».

خلو خطب الجمعة من مناقشة المشكلات الاجتماعية المنتشرة في المجتمع السعودي كان محل دعوات من قبل أفراد المجتمع الذين طالبوا بضرورة تسليط الضوء على تلك المشكلات من خلال منابر الأئمة والخطباء، وذلك بهدف إيجاد حلول منظمة لها وتحقيق الأهداف الحقيقية لتلك الخطب مع ضرورة الابتعاد عن الإطالة فيها.

وفي هذا الشأن، أكد الدكتور محمد الأمين بن خطري، مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في المدينة المنورة، على وجود لجان شرعية تابعة للوزارة مهمتها مراقبة الخطباء في كل الجوامع كل يوم جمعة، مبينا أن تلك اللجان ترفع بتقاريرها إلى إدارة الفرع ومن ثم يتم اتخاذ إجراء اللازم مع المخالفين من هؤلاء الخطباء. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن من أبرز الملاحظات التي ترد في تلك التقارير إطالة الخطباء في خطبهم، وهو ما تعالجه الوزارة بإخضاعهم لدورات تدريبية أو مناصحتهم أو حتى إيقافهم قرابة شهر كعقوبة رادعة».

من جهته، لفت مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في المدينة المنورة إلى أن الوزارة عادة ما توجه خطاباتها إلى خطباء الجوامع، وتؤكد من خلالها على ضرورة معالجتهم للمشاكل المجتمعية في الأحياء التي يخطبون فيها، مؤكدا في الوقت نفسه على عدم وجود أي توجيهات بشأن إيجاد خطب موحدة أو نصية.

وكان الشيخ صالح المغامسي، إمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة، قد أكد خلال حوار سابق مع «الشرق الأوسط» على أن الاعتدال والاختصار في خطبة الجمعة بالحرمين الشريفين مثال يحتذى به، لكنه استدرك قائلا «يوجد في بعض مساجد المملكة أئمة أو خطباء، قضيتهم أنهم يريدون أن يقولوا كل شيء، ومن يريد أن يقول كل شيء لن يقول شيئا، وهذا هو الواقع منهم». وشدد آنذاك على ضرورة تدخل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - وهي تفعل ذلك بحسب قوله - بصورة أكبر، مضيفا «مع أنه بحكم أنني إمام وخطيب أستسقي من هذه الوزارة كثيرا من التعليمات فإن التعليمات والندوات التي تقام بين الحين والآخر كلها تنص نصا صريحا على عدم إطالة الخطبة، ومع ذلك يوجد من يطيل الخطبة».

ولفت إلى أن قضية الجمع بين أسلوب الترغيب والترهيب في الخطب يقوم الدين عليها من منطلق قوله تبارك وتعالى «يدعون ربهم خوفا وطمعا»، غير أنه قد يلجأ الإنسان للترهيب، إن غلب ذيوع الأمر الذي يراد الترهيب منه، وهذا هو منهج القرآن. واستشهد على ذلك بقوله الله عز وجل «يا أيها المدثر.. قم فأنذر»، حيث إنه تعالى «لم يذكر البشارة، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث بشيرا ونذيرا، لكن الموقف بمخاطبة كفار قريش كان إلى النذارة أولى، ثم الموفق من يجمع إلى هذا شيئا من الترغيب، ثم في بعض أحواله لا بد أن يجعل الترغيب غالبا والترهيب شيئا يمزج به تلك الخطبة». وشدد على ضرورة عدم الإطالة أو مخاطبة الناس خطابا مباشرا خلال الخطب، وتابع «أنا لا أرى ضرورة لإشغال العامة وملء المساجد بالقضايا التي تذهب هيبة المنبر، فلا علاقة لخطبة الجمعة بما يعرف بأسبوع المرور أو أسبوع الشجرة أو ما يشبه هذه الفعاليات والأنشطة التي تقام، فللمنبر هيبته، والجمعة شعيرة، ولا يصح أن تخلط بأحاديث الناس والمجالس العامة».

وأوضح في رد على من يقول من المفكرين أو المثقفين أو من بعض العلماء إنه ينبغي أن يكون الإسلام شاملا وما إلى ذلك، بقوله «هناك فرق بين أن يكون الإسلام شاملا وأن تذهب هيبة المنبر، ويتحدث الخطيب للناس عن قضايا سبق لهم أن سمعوها في برامج تلفازية وإذاعية متكررة، وأضحت هيبة المنبر وكأنها برنامج تلفازي».

الجدير بالذكر أن الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، كان قد دعا الأئمة والخطباء إلى تجنب النقد اللاذع في خطب الجمعة، والابتعاد عن العبارات الجارحة والمبالغة والتشهير بذكر أخطاء أناس بأعينهم، مطالبا بأن تكون الخطب نصائح موجهة اقتداء بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

وبحسب معلومات تم نشرها في صحف أخرى، جاء ذلك في كتابه «نصيحة للخطباء» الذي يعد الإصدار الرابع عشر ضمن سلسلة الكتب العلمية التي أصدرتها الإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد. وحذر آل الشيخ الخطباء من ذكر أسماء معينة، أو أشخاص معينين، مشيرا إلى أن الطريقة المثلى في تقويم السلوك وتهذيب الأخلاق تكمن في إيضاح الحق لا التصريح، فالخطيب يعالج القضايا علاجا شرعيا على منهاج الكتاب والسنة، مؤكدا أن الخطيب ليس سبابا، ولا شتاما، ولا مشهرا، ولا شامتا، ولا صاحب أقوال بذيئة، وينبغي ألا يرغب الخطيب في التفاف الغوغاء حوله لكونه - كما يزعمون - شجاعا وصريحا. وأوضح أن الشجاعة مطلوبة، وكذلك الصراحة، غير أن الشجاعة الحقة هي أن يقول الحق الواضح ويدلل عليه، وأن يكون هدفه إصلاح الأخطاء لا التشهير بها، وتقليل الأخطاء لا تكثيرها.

خطب الجمعة أيضا كانت محور اهتمام من قبل كتاب الأعمدة السعوديين في بعض الصحف المحلية، إذ أفاد عبد الله فدعق، أحد الفقهاء والمفكرين الإسلاميين والكاتب بإحدى الصحف السعودية، بأن الأصل في خطبة الجمعة مراعاتها لظروف المكان والزمان، وحال الجمهور المستهدف ومآله. وأضاف «للأسف نجد أن بعض هذه الخطب قد شطت كثيرا عن هذا الإطار، فأصبح من المناسب حقا التفكير في موضوع (توحيد خطبة الجمعة)، بحيث لا يكون ثمة مجال لاجتهادات الذين يعتلون منابر مساجد المسلمين، ويؤمون فيها المؤمنين، من دون وعي أو إدراك، وهو ما أوقع المجتمعات المسلمة في مشكلات ظاهرة مع الفهم الصائب والممارسة الحقة للشرع والدين»، مشيرا إلى وجود متطلبات أساسية لإنجاح مثل هذا الموضوع الذي وصفه بـ«الحيوي» والمهم.

وأوضح أن فكرة «الخطبة الموحدة» قد تلقى شيئا من الرفض في أول الأمر، لأسباب كثيرة، من أهمها التشكيك في نوايا المطالبين بها - وهو أمر متوقع بحسب قوله - غير أنه نبه إلى أن الخطبة الموحدة المطلوبة ليست مطلوبة لذاتها. واستطرد في القول «المقصود هو فحوى موضوع الخطبة ذاتها، حتى نضمن بأمر الله تعالى نهضة موحدة، وتنمية شاملة للناس جميعا، حيث إن مقومات نجاح الممارسة العملية لتوحيد خطبة الجمعة جعلت من موضوع توحيد الخطبة مثالا قد يحتذى، بسبب اعتمادها على رصد حاجات الناس، وحسن الاستفادة والمراعاة للمناسبات الدينية والدنيوية بشقيها المحلي أو العالمي، وذلك وفق معايير كثيرة، أهمها توجيه المستمعين إلى حسن التعايش مع بعضهم بعضا، ومع من يخالطونهم من غير المسلمين».

بينما طالب علي مكي، الكاتب في إحدى الصحف المحلية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمبادرة إلى وضع خطة بما يجعلها قريبة من الواقع الاجتماعي للبلد، وذلك من خلال إلزام الخطباء في كل منطقة ومدينة وقرية بطرق الموضوعات التي تهم الناس في هذه الأماكن، مضيفا «ولتخاطب الوزارات المعنية كوزارة الداخلية والأمن العام وغيرهما بهدف مدها بالمعلومات والإحصائيات والأرقام للظواهر السيئة أو السلبية التي تحيط بالمجتمع السعودي، ثم توجيه خطباء الجمعة أو إعداد خطب في هذا الخصوص توجه للجميع في كل مناطق المملكة لمناقشة هذه القضايا وتوعية الناس حيالها».

يشار إلى أن وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون المساجد كان قد أكد في تصريحات سابقة أن الوزارة حثّت الأئمة والخطباء على اتباع السنة النبوية ومراعاة أحوال الناس، مشددا على أن هذه الأمور من فقه الإمام. وأضاف «دائما ما تؤكد الوزارة على هذه الأمور وتتابع الحالات المخالفة التي ترد حولها الشكاوى، إلى جانب اهتمامها بالملاحظات التي تتلقاها من فروع الوزارة في مناطق المملكة، مع تشديدها خلال لقاءاتها مع الأئمة والتعميمات التي تبعث بها إليهم على ضرورة اتباع السنة كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه». ودعا الأئمة والخطباء إلى اتباع السنة النبوية في خطبهم ومراعاة أحوال الناس وعدم إرهاقهم بطول الخطبة والامتثال للهدي النبوي رحمة بالمسلمين.

في حين أرجع الدكتور عزام الشويعر، رئيس لجنة إعادة تقييم الأئمة والخطباء في فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالرياض، إطالة الخطباء للخطب إلى قلة الفقه. وقال «من يفعل ذلك لا يفقه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن السنة في خطب الجمعة قصر الخطبة وإطالة الصلاة»، مشيرا إلى أن خطب النبي محمد صلى الله عليه وسلم كانت قصيرة وموجزة وبليغة مع أن الناس في عهده كانوا حديثي عهد في الإسلام وبحاجة إلى فهم الأمور الشرعية.

وأفاد رئيس لجنة إعادة تقييم الأئمة والخطباء في فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالرياض بأن الدراسات النفسية والاجتماعية أثبتت أن إطالة الخطبة تفقدها أهميتها في ظل إصابة المصلين بالسرحان وعدم التركيز. وتابع أن «أسباب إطالة خطب الجمعة من خلال الحالات التي تم ضبطها في الجوامع كانت تتركز معظمها في جهل الخطيب بالفقه، إلا أن الوزارة تقوم بلفت نظر الخطيب ومن ثم توجيهه أن قصر الخطبة هو السنة وليس إطالتها»، مؤكدا أن كثيرا منهم يحب الخير فيبدأ في الاقتناع.