«الشريف» في مواجهة «الفساد»

يقود حربا ضروسا على أخطر قضايا البلاد

محمد عبد الله الشريف
TT

لقد قدر لكل المسؤولين الأوائل الذين يتبوأون كراسي قيادة المؤسسات المختلفة في الدولة أن يمنهجوا ثم ينفذوا مهام مؤسساتهم تلك، إلا محمد بن عبد الله الشريف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الذي جلس على كرسي أنجبته الظروف.

ومنذ أول يوم تم إعلان اسم «الشريف» في مكافحة «الفساد» أدرك أنه في مواجهة صعبة لخصها في أول تصريح صحافي حيث دعا الله فيه أن يعينه ويدله على طريق الصواب والنجاح، داعيا الجميع إلى مساندته في هذه الحرب الضروس على هذا الداء الخطر.

ومنذ ذلك الحين.. وتحديدا في أول يوم صدر فيه قرار تعيين الشريف في هذا المنصب دخل دون إرادة منه تحت الأنظار وأصبح من القلة الذين إن تحركوا كانوا تحت النظر، وإن سكنوا بحثت عنهم الأنظار.

هيئة الشريف الوليدة التي تخوض حربا لا تخوضها الضرائر، وهي المسماة هيئة مكافحة الفساد، أبصرت النور قبل بضعة أشهر، بينما ينتظر الناس منها عملا ينفض غبار سنوات طويلة، محاربة ما شكلت من أجله من محسوبيات ورشى وسرقات ومشاريع وهمية وتعطيل لطاقات البلاد وتقاعس في تنفيذ القرارات.

لكن الشريف وعلى صعوبة ما يجد فإنه يدعم مرة بعد مرة من قِبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كان آخرها الاثنين الماضي حينما وجه صراحة في جلسة مجلس الوزراء بأهمية تنفيذ جميع المشاريع على الوجه الأكمل وفق ما صدرت به الأوامر وما اعتمد لها من موازنات لتحقيق المأمول منها في تحسين مستوى الخدمات ورفع كفاءتها لخير الوطن والمواطن.

محمد بن عبد الله الشريف المولود بمحافظة الحريق وسط السعودية وجمع الآداب بجامعة الملك سعود مع الإدارة بجنوب كاليفورنيا في شهادتي الماجستير والبكالوريوس، لا يفضل الحديث عما لم تنجزه هيئته بعد، حتى لا يقع في فساد من شكل ما، إذا ما وقف الإنجاز - لا سمح الله - أثناء تنفيذه، وحتى لا يغيب طحين تسمع الناس جعجعته.

ورغم حداثة التجربة فإن المراقبين يعولون على الخبرة التي يملكها الربان، ليس فقط لطول المدة التي قضاها في العمل الحكومي، بل أيضا لكثرة البحار التي مر بها ربانا أو راكبا.

منذ ثلاثة عقود وفي عام 1972 للميلاد تولى الشريف أول مناصبه القيادية في الدولة عندما أصبح مديرا عاما للتفتيش بديوان المراقبة العامة وحتى 1973، ثم سرعان ما أصبح بعد ذلك بعام مديرا عاما لديوان المراقبة العامة حتى عام 1977، ثم مساعدا بالديوان حتى مطلع الثمانينات الميلادية. وعمله في تلك الجهة الرقابية ليس بعيدا عن الطبيعة التي عليها الشريف اليوم بعد ثلاثين عاما.

ثم قضى في وزارة المالية والاقتصاد الوطني سنوات عدة حتى عام 1992، في منصب وكيل الوزارة للشؤون المالية والحسابات. وعمله في تلك الوزارة له صلة أولى ومباشرة بالحسابات والأموال.

يواجه الشريف اليوم خشية الكثير من المواطنين من أن تنحصر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتضيع جهودها بين التحقيق والتحقق، مستعجلين ظهور أي نتائج مهما كان شكلها ولونها، فقط لتريحهم برسالة فعالية الهيئة.

لكن الشريف نفسه يبادلهم الخشية بالخشية، إذ استجدى، وفي فترة مبكرة من عمله الجديد، تعاون أولئك المواطنين بالتنسيق والعمل لصالح الهدف المشترك، بالكشف عن مواطن الفساد، وتوريط الفاسدين، في جميع دوائر المملكة العربية السعودية.

وفي مطلع التسعينات تحول محمد عبد الله الشريف من العملين التنفيذي والرقابي في وزارة المالية، إلى العمل الاستشاري بمجلس الشورى فور بعثته من مرقده التي نص عليها نظام جديد أصدره عام 1992 الملك الراحل فهد بن عبد العزيز.

وبقي الشريف تحت قبة الشورى حتى عام 2005، وعلى اعتبار أن الهيئة ترتبط إداريا بالملك مباشرة وهو مرجعها الرئيسي مثلما هو الحال مع هيئة السوق المالية أو مؤسسة النقد العربي السعودي، فإن هذا المنصب هو هرم السلطة الرقابية في الدولة، وتناط بها الرقابة على جميع القطاعات الحكومية، بالإضافة إلى مهام متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، حتى لا تتأخر أي جهة حكومية في تنفيذ الأوامر الملكية والتعليمات بشكل عام.

وحتى في الجانب العلمي، فإن لمحمد بن عبد الله الشريف حضورا.. إذ قام رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتأليف «الرقابة المالية في السعودية»، و«حسابات الحكومة في السعودية»، و«قطوف الأدب في أخبار ومآثر العرب».

رغم دوره في الحد من الحوادث المرورية، فإنه أشار في مقالة له إلى تذمر الناس من نظام «ساهر»، وكتب كثيرا عن البطالة منتقدا من يطرح فكرة أن السعوديين غير مؤهلين لسوق العمل، مركزا في ذلك على النساء.

وبينما يتحدث الكثير في مجالسهم ومنتدياتهم عن أن العقبات أمام مشاريع الدولة هي تنفيذية في المجمل، ينبه الشريف إلى أن العيوب تخطيطية في الأصل يعقبها تنفيذ سيئ تهدر معه الكثير من الأموال.