مكة المكرمة: تحركات «شبه» رسمية للحد من ظاهرة هروب الخادمات

الآسيويات اتخذن من «باب السلام» ملاذا لانطلاقهن نحو دائرة التخلف

TT

تحركت جهات شبه رسمية لإيجاد حل يكفل الحد من ظاهرة هروب الخادمات والعمل بأجور مرتفعة لدى كثير من الأسر داخل مكة المكرمة وخارجها، في وقت اتخذت فيه الإندونيسيات الهاربات «باب السلام»، أحد أعرق أبواب المسجد الحرام، ملاذا لهن ونقطة انطلاقة نحو عملهن ضمن دائرة التخلف.

وإن كانت الرئاسة العامة لشؤون الحرمين على لسان المتحدث الرسمي بها أحمد المنصوري، قد أعلنت لـ«الشرق الأوسط» أنها تصرفات لا دخل لها بها، وليس من مسؤولياتها مراقبة أبواب المسجد الحرام، فقد حذرت الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة من تنامي ظاهرة هروب العمالة من أصحاب العمل، مشيرة إلى أن الإشكالات الظاهرة على السطح بأسواق العمل تتمثل في قضايا التوظيف وتوطين الوظائف وخلق فرص وظيفية ودعم القطاع الخاص ومحاربة التستر، إلا أن هروب العمالة وما يصحبه من إشكالات يأتي على رأس القائمة. من جانبه، قال المقدم محمد الحسين، المتحدث الرسمي للإدارة العامة للجوازات بالعاصمة المقدسة، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن ظاهرة تسرب الخادمات والسائقين في العاصمة المقدسة تتم نظير وجود أشخاص يأتون لمكة المكرمة عن طريق المواسم الدينية.

وأفاد الحسين بأن فرص الهروب بالنسبة للعمالة المخالفة أكبر، لوجود الحرم المكي الشريف، وأنهم يدركون ذلك ولدى إدارته استراتيجية فاعلة للقضاء على هذه العمليات، مؤكدا أنه في مكة المكرمة توجد أرضية خصبة من الأشخاص الذين يقومون بإيواء الهاربين والهاربات، وكذلك تأمين فرص العمل لهم من قبل سماسرة الخادمات، مشيرا إلى أنه يتم تكثيف الجهود في المواسم الدينية، العمرة والحج، وتوزيع المهام المنوطة بذلك بما يتناسب مع طبيعة العاصمة المقدسة.

ودعت غرفة مكة وزارة العمل لأن يكون على رأس أولوياتها معالجة الظاهرة، لما لها من آثار سلبية، مؤكدة أن الوطن والمواطنين بل وحتى المقيمين متضررون من الظاهرة، لكونها تمثل خسائر للمواطن الذي يتكفل بدفع جميع الرسوم الخاصة بالاستقدام ومن ثم يفقدها في لحظة دونما أي إلزام أو تعويض، كما أن المقيم يتضرر لأنه سيعامل في بعض الأحيان بمزيد من التدقيق والحرص وسوء الظن. وقال ماهر جمال، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة الناطق الرسمي باسم المجلس «الوطن هو أكبر المتضررين من الممارسات المخالفة للأنظمة، ولا بد أن يعلم الجميع الوافد والمواطن أن الأنظمة يجب أن تحترم، ولا يصح أن يعالج كل فرد مشاكله من الزوايا التي يراها وبالطرق التي يراها، بل المطلوب اللجوء إلى النظام، حيث إذا تركنا الظاهرة تستفحل فسيصعب حلها وسندخل في إشكالات توطين وإشكالات مزيد من نسب الجريمة وغيرها من القضايا الأخرى».

ويرى أن من الآثار السلبية لهروب العمالة الاستخفاف بمخالفتها للأنظمة، وهو الأمر الذي يتبعه خلق أسواق غير نظامية في كل الجوانب كالتهريب أثناء السفر والانتقال، والمساعدة في غسل الأموال لتهريب أموالهم عبرها، واللجوء إلى علاجات وعمليات طبية غير صحية مما يتسبب في انتشار أوبئة وأمراض بينما يسهل علاجها بالطرق الصحية النظيفة، فضلا عن هدر مدخرات المواطنين ورجال الأعمال، وتأخير تنفيذ المشاريع والالتزامات على المتعهدين والمقاولين، والتشجيع على التستر.

وطالب بضرورة تغريم الهارب بنفس راتبه لصالح صاحب العمل عن عدد الأيام التي هرب فيها، وعدم السماح له بالسفر إلا بعد الحصول على إخلاء طرف من صاحب العمل، فضلا عن منعه إصدار تصاريح ووثائق سفر من سفارة بلاده قبل إتمام العقوبات وتصفية الحقوق.

وأضاف «ينبغي إلزام العامل الهارب بدفع 50 ريالا لخزينة الدولة عن كل يوم هروب، وذلك لأن هناك تكاليف مترتبة على هروبه، مع التأشير على بياناته بعدم الدخول للعمل لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات». ولفت إلى ضرورة وجود إجراءات تعميمية بحيث يوقف الهارب بأي منفذ وفي أي لحظة، كما يجب تطوير أنظمة الحاسب للتسجيل والتوثيق، ليتم التفتيش عن المستندات الثبوتية عبر أجهزة ذكية محمولة، وذلك بعمل مسح للباركود على إقامة الوافد فتعطي إشارة توضح حالته والملاحظات الموجودة عليه.

وشدد على أهمية تمييز التعامل مع الدول التي يحترم رعاياها الأنظمة في السعودية في ما يخص الاستقدام منها والعكس بالعكس، الأمر الذي من شأنه أن يشكل ضغطا من داخل الدول نفسها، ولا سيما أن إيقاف أو تضييق الاستقدام من هذه الدول أو رفع تكلفة الاستقدام منها سيؤثر على اقتصاداتها، ومن ذلك الاستفادة من تجارب قياس التخلف من الدول في ما يخص الحج والعمرة والذي تمت السيطرة عليه بشكل كبير ثم تركت ثغرة التخلف عبر الهروب من صاحب العمل. واستطرد بالقول «من وجهة نظري ومن وجهة نظر كثير من رجال الأعمال، نحن بحاجة إلى ترتيب الأولويات، صحيح أن لدينا مشكلة السعودة وتوطين العمالة، والتستر، لكن السعودة مثلا تم البدء ببعض المعالجات لها وستأخذ وقتا حتى نصل إلى الهدف، غير أن المهم أن هناك خطوات باتجاه تفعيل ومعالجة هذه القضية، ومن ذلك برامج (نطاقات) وبرامج التدريب و(حافز) وغيرها، أما قضية التستر ففي بعض الأحيان يصعب كشفها وقد تتشابه مع عمليات توظيف فعلية، لذا فإن من القضايا الأكثر إلحاحا قضية هروب العمالة فهي إحدى أهم القضايا ذات الأولوية التي تحتاج إلى معالجة». وأشار جمال إلى أن أي دولة يهمها أن تسير ضمن حدود القانون، وكذلك يهمها أن يحترم كل مواطن أو وافد الأنظمة والقوانين دون تعنت، حيث إن ترك البعض يخالف الأنظمة دونما عقاب رادع سيحول معظم من يحترم النظام إلى مخالف له.

وتابع «تعوّد وتطبيع سلوك الأفراد على مخالفة النظام من شأنه أن يحول المجتمع كله إلى مخالف للنظام، وهذا له سلبيات لا يمكن حصرها، كما أنه عندما يعتاد المجتمع على مخالفة النظام تنمو وتترعرع الفئات المتطفلة على تطبيق النظام فتطبقه على من تريد ولا تطبقه على من يقدم لها شيئا، وإذا انتشرت فئة المتطفلين هؤلاء يتحول ويكثر الفساد في المجتمع، وهو آفة تدمر كل شيء حولها».