رياح الترقب تهب على معرض الرياض للكتاب وسط إرهاصات الجدال الثقافي

أحداث «الجنادرية» وملتقى المثقفين تلقي بظلالها.. وثقافة الحزم صرخة في وجه التجاوزات العشوائية

معرض الرياض الدولي للكتاب منتج ثقافي سعودي يشهد سنويا مليون زائر (تصوير: أحمد فتحي)
TT

في مخاض ثقافي تترقب الأوساط الثقافية والاجتماعية السعودية ما تسفر عنه أيام معرض الرياض الدولي للكتاب من جدال بين تيارات متنوعة ومتداخلة في ما بينها ضمن النسيج الاجتماعي المحلي، حيث لم تخل الدورات السابقة للمعرض من ظهور أحداث للصدام الفكري بين أطياف المجتمع الثقافي السعودي، وفي ظل ما شهدته مناسبات ثقافية أقيمت مؤخرا من تعال للأصوات المنادية بالإيقاف والمحاسبة لما يعتبر تجاوزات للعرف الاجتماعي الديني، كما هو الحال في مهرجان الجنادرية وملتقى المثقفين السعوديين، ووسط حشد عبر وسائل الاتصال الاجتماعية على شبكة الإنترنت، لما يعتبره البعض تكرارا لتلك التجاوزات التي ينتظر ظهورها في دورة معرض الكتاب الحالي.

تشهد العاصمة السعودية مساء اليوم (الثلاثاء) تظاهرة ثقافية كبرى بانطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب بمشاركة 600 دار نشر من مختلف دول العالم يعرضون أكثر من 200 ألف عنوان تتناول مختلف العلوم البشرية، إضافة إلى 17 ندوة ومحاضرة متنوعة، وسط تأكيدات رسمية بغياب المخاوف التي صاحبت المعارض السابقة بقيام متشددين بمنع توزيع بعض الكتب بالقوة واستخدام الطامس والمشارط ونزع بعض الصفحات من الكتب المعروضة، وتحويل ممرات المعرض وأجنحته إلى ما يشبه حلبات المصارعة ما بين العاملين في دور النشر ومقتني الكتب.. في وقت ظهرت فيه تأكيدات بتراجع الإقبال على النشر الورقي في ظل ثورة الاتصالات والتوجه إلى الكتاب الرقمي من دون حاجة إلى فسح من الرقيب أو الحضور الشخصي لنقاط البيع ومعارض الكتب لشراء واقتناء الكتاب.

وجاء معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يستمر 10 أيام ويعد منتجا ثقافيا حقق حضورا لافتا بزيارة أكثر من مليون شخص له سنويا بعد أيام من انتهاء فعاليات مهرجان الجنادرية الـ27، الذي شهد حضورا كبيرا تجاوز سبعة الملايين، وهو ما لم تحققه المهرجانات السابقة طوال انطلاقة المهرجان منذ أكثر من ربع قرن.

ورغم ما صاحب مهرجان هذا العام من أحداث تتمثل في دعوة أطلقها عالم ديني شهير حذر فيها من زيارة النساء لقرية الجنادرية استنادا إلى فهم خاطئ عما يدور في الجنادرية من فعاليات لا علاقة لها بمخالفات شرعية، إضافة إلى قيام عشرات من المحتسبين المتشددين بالاحتجاج على ما يجري في الجنادرية من فعاليات ومحاولتهم الدخول إلى المهرجان بهدف المناصحة، وهو ما اضطر الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني السعودي رئيس اللجنة العليا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، إلى التأكيد على أن السعودية لن تسمح بوجود أي شيء مخل في البلاد، وهي التي نشأت منذ تأسيسها على الشريعة الإسلامية، مشددا بالقول «إننا لا نقبل بأي تجاوزات، وأمن الوطن أمر لا نقبل المساس أو التلاعب به، وهو بالنسبة لنا خط أحمر لن نقبل بتجاوزه، ولن نقبل بإثارة الفتنة، ولن نسمح بوجودها في بلادنا التي نشأت منذ تأسيسها على الشريعة الإسلامية، ولن نقبل بأن يحدث في الجنادرية أي شيء مخل، مع إيماننا بوجود أخطاء بأي عمل» - فإن أحداث الجنادرية وما صاحبها لم تكن الحالة الوحيدة في ذلك الصدام الثقافي والصراع الاجتماعي، فليس ببعيد عن معرض الكتاب الجدال المثار خلال فعاليات ملتقى المثقفين السعوديين الأخير، والذي احتضنته العاصمة السعودية الرياض، حيث شهد جدالا بين مثقفين وإعلاميين حول تجاوزات سلوكية بين المشاركين والمشاركات به.

جميع تلك العواصف المثيرة للجدال في وجه معرض الكتاب، تجعل عوامل الصدام تزحف بثقلها نحو أروقة المعرض، منذرة بأن حتمية المواجهة مسألة وقت، لما يتم تداركها بإجراءات حازمة بوجه المتجاوزين، وذلك ما تؤكده وزارة الثقافة والإعلام بتخصيصها عددا من قنوات التواصل للتعرف على الاعتراضات والملاحظات من قبل الزوار والمهتمين بالشأن الثقافي والاجتماعي.

إلى ذلك، أكد وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية المشرف العام على معرض الرياض الدولي للكتاب، الدكتور ناصر الحجيلان، أن معرض الرياض الدولي للكتاب، في تطور مستمر من دورة إلى أخرى حرصا من الوزارة على أن تظهر هذه المناسبة بما يعكس الصورة الثقافية والحضارية للمملكة عالميا، في هذه المناسبة التي وصلت إلى المستوى الدولي بتميز، لما حققه المعرض من نجاحات متواصلة في دوراته الماضية، الأمر الذي جعل نسبة حضور دور النشر السعودية تقف عند معدل ما نسبته 40 في المائة من مجمل دور النشر المشاركة في المعرض، بوصفه معرضا دوليا للكتاب، مشددا على أن هناك تعاونا مع الهيئة وغيرها من الجهات التي تشترك في مهمة هدفها يتمثل في نجاح هذه المناسبة الوطنية، وأن أعضاء الهيئة العاملين في المعرض سيكون لهم بطاقات تميزهم بأنهم ممن يعملون ضمن الجهات العاملة بالمعرض، مؤكدا على أن الوزارة ستضع رقما لجوال خاص بفعاليات المعرض لاستقبال البلاغات عليه في شكل رسائل، إلى جانب الموقع الإلكتروني الذي سيخصص للبلاغات عن أي ملاحظة، مشيرا إلى أن الملاحظات غالبا ما تشكل آراء لا تتجاوز أن تكون فردية وينظر أصحابها من خلال زاوية فردية، موضحا أن منصات التوقيع لهذا العام وضعت كما تسمح به الحاجة إلى المكان، من خلال أن عدد الموقعين الرجال يفوقون عدد الموقعات من جانب، ولما تمليه مسألة التنظيم من جانب آخر في الأماكن التي تم اختيارها للتوقيع للجنسين.

وأشار الحجيلان إلى أن الجديد في معرض هذا العام هو وجود المعرض الافتراضي الذي يمكن الباحثين عبر الإنترنت من التجول الافتراضي في مختلف دور النشر المشاركة والبحث عن الكتب من خلال الموقع الذي سيتم تدشينه يوم الافتتاح (اليوم)، حيث تم تنفيذه خدمة للباحثين عن عناوين محددة تهمهم، إضافة إلى استضافة قرابة 400 طالب من مختلف مناطق المملكة بمن فيهم المتفوقون لحضور المعرض من قبيل تشجيع هذه الشريحة المهمة على القراءة واقتناء الكتاب، إلى جانب توفير خدمة رسائل الجوال «اسألني» لإرشاد زوار المعرض من خلال التعاون مع شركة «الاتصالات السعودية»، إضافة إلى وضع بوابة خاصة لـ«النشر الإلكتروني»، إلى جانب ما سيقدم من ورش قرائية، والمكتبة المتنقلة لمكتبة الملك عبد العزيز العامة، موضحا أن المعرض في هذه الدورة يكرم سبعة من الآثاريين في مشهدنا الوطني وهم الدكتور عبد العزيز الراشد، والدكتور عبد الرحمن الأنصاري، والدكتور علي الغبان، والدكتور أحمد الزيلعي، والأستاذ عبد الله المصري، والدكتور عبد العزيز العزي، والأستاذ سعيد السعيد.

كما أشار الحجيلان إلى أن الزيارات للمعرض ستكون للجميع يوميا، عطفا على دراسة الدورات الماضية التي أعطت مؤشرات باتخاذها القرار، والتي يأتي في مقدمتها زيادة الحضور، إلى جانب القوة الشرائية في الأيام التي كانت للجميع، مشيرا إلى أن مسألة ضبط الأسعار ستنجح إدارة المعرض في ضبطها لهذا العام بما معدله 30 في المائة نتيجة لاستخدام التقنية الحديثة في تسجيل إصدارات الدور إلكترونيا، والتي سترتفع من دورة إلى أخرى خلال الدورات المقبلة التي سيصل معها ضبط أسعار الكتب إلى ما نسبته 100 في المائة.

واختار معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام السويد ضيف شرف للمعرض، وهو ما دفع الملحق الثقافي السويدي بار سكمبرج إلى تثمين دعوة المملكة للسويد بأن تكون ضيف الشرف للمعرض في هذه الدورة، مؤكدا على ما تضيفه هذه الدعوة من العلاقات الوطيدة بين البلدين الصديقين على جميع المستويات، والتي منها المستوى الثقافي، من خلال مشاركة السويد ضيف شرف سيقدم المزيد للزوار من التعريف بالسويد وبالعديد من الجوانب الثقافية من خلال عدة فعاليات ثقافية ومنبرية، والتي ستركز على الكتاب السويدي، وأشهر المؤلفين، وثقافة الطفل في السويد، إضافة إلى التعريف بأهم الجوائز السويدية الثقافية في هذا المجال.

وكان وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجه، قد أعلن قبل أيام عن أسماء الفائزين بجائزة وزارة الثقافة والإعلام للكتاب، حيث سيمنح كل مؤلف 100 ألف ريال، وكل دار نشر 100 ألف ريال بمجموع جوائز قدرها مليونا ريال. وتتناول الفعاليات الثقافية لمعرض الرياض الدولي للكتاب محاضرات وندوات تغطي مواضيع: التعليم والبحث والإبداع، ومثلث التطور الاستراتيجي، ونحو لغة مشتركة للتغيير، وهل يمكن للكلمات أن تزيل الجدران، والسويد (الأدب والمكتبات ونشر القراءة) من «نوبل» إلى جائزة «ليندجرين» التذكارية لأدب الأطفال، والابتعاث آمال وتطلعات، وشبكات التواصل الاجتماعي وصناعة الرأي العام، وفضائيات الأطفال، وأفلام الشباب المجتمع المدني والحكم الرشيد، وشهادات في كتابة القصة، ومستقبل النشر الورقي، وثقافة الحقوق، واللغات العالمية المهددة بالانقراض، ومستقبل الخطاب العربي والإسلامي في ظل المتغيرات الدولية، وفهم الإسلام، إضافة إلى أمسية شعرية، وندوة عن النص بين لغتين، وأخرى عن الرواية والتغيير.