«الوهابية» تسبح في جداول معرض الرياض للكتاب بقارب عربي متجاوزة أزماتها ومتسائلة عن مستقبلها

العسكر يمسك بتلابيبها من أميركا ويعرض قصتها الإنجليزية أمام الآلاف في السعودية

المترجم عبد الله العسكر
TT

فيما يعد سياحة فكرية وتاريخية ماتعة، أخذ باحث ومؤرخ سعودي القارئ العربي من وسط نجد في السعودية وأعاده إليها بعد أن طاف في ربوع الجزيرة العربية وخارجها، محققا سياحة علمية تجمع بين الفكر الديني والمذهبي وبين العمل السياسي في مفتتح العصور الحديثة للجزيرة العربية، حيث استمتع زوار معرض الكتاب الدولي المقام حاليا في العاصمة السعودية بقصة الدعوى الوهابية التي تم عرضها من خلال كتاب ماتع ألفه بالإنجليزية الأكاديمي والمؤرخ الأميركي الدكتور ديفيد كمنز، ونقله إلى اللغة العربية الدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر، المؤرخ والكاتب والمؤلف عضو مجلس الشورى السعودي، وصدر عن دار «جداول» ضمن أكثر من 100 إصدار جديد للدار في معرض الرياض للكتاب، منها 22 كتابا مترجما من عدة لغات إنجليزية وفرنسية وتركية وفارسية، تنوعت مجالاتها ما بين الفكر والفلسفة والسياسة والتاريخ والمذكرات والروايات والقصص والشعر.

وربط كتاب ديفيد كمنز «الدعوة الوهابية والمملكة العربية السعودية» الذي صدر بالإنجليزية عام 2006، وترجمه إلى العربية هذا العام الدكتور عبد الله العسكر، آلاف المعلومات التاريخية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في منظومة فكرية وبناء راسخ، وعرض إرهاصات مفتتح القرن الثامن عشر الميلادي وما تلاها من أحداث على مدار قرنين من الزمن. ولفت الكتاب باستعماله مصادر منطقة نجد التاريخية، حيث ظهرت الوهابية في تفسير بعض مفاصل التاريخ العثماني ذات الصلة بالتاريخ السعودي والدعوة السلفية، وقام المؤلف كمنز بفحص موضوعي للنقاشات الحادة بين الدعوة السلفية وخصومها، واستطاع بمهنية أن يفصل بين الحجج الكثيرة.

وحاول المؤلف أن يجيب عن أسئلة تخص الدعوة. وقد وصل إلى نتيجة قد لا تعجب الكثير من السياسيين والمؤرخين الغربيين وبعض العرب وهي أن الوهابية ما هي إلا حركة إصلاح ديني. ومع أنه يفضل استعمال صفة وهابية للدلالة على الحركة، وهو يرى أن هذه الصفة لا تغض من سمعة الحركة السلفية ولا تنتقص منها. فالوهابيون مسلمون صادقون، وخلافهم مع بعض طوائف المسلمين لا تشبه بأي حال من الأحوال الخلافات بين طائفتي البروتستانت والكاثوليك خلال عصر الإصلاح الديني في أوروبا، ورد المؤلف دعوات ظهرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) تربط بين الوهابية و«القاعدة». بل إنه بين بشيء من التفصيل عور بعض الحركات في آسيا التي تدعي صلة قرابة بالحركة السلفية أو يدعي آخرون هذه الصلة.

وذكر المترجم الدكتور العسكر أن المؤلف واجه تحديات فكرية تمكن من التغلب عليها في أكثر الأحيان. وكان عليه أن يغوص في الفكر الديني السائد في القرن الثامن عشر ليرى كيف يصنف الحركة الوهابية. قال: إن طبيعة النقاش حول الحركة تتصف بالسكون ظاهريا، وهو لم يكن يعرف عندما بدأ مشروع البحث عن الحركة الوهابية، أن كانت الحركة قد قطعت شوطا في ميدان التطور، ولا يعرف أن كانت أصلا قابلة للتطور أو كيف تطورت. وبالتالي هو وصل إلى حقيقة تاريخية يعرفها المؤرخون، ولا مفر منها وهي كما قال: إن جزءا من تحدي المؤرخ هو أن يحل لغز المنطق وديناميكية الأفكار والعلاقة البعيدة عن زمانه ومكانه. والسؤال هو: هل استطاع المؤلف أن يحل لغز المنطق المتعلق بالحركة ليحيل المترجم هذا السؤال بحثا عن إجاباته في مبثوث صفحات الكتاب التي تزيد على 222 صفحة تناولت فصولا ستة غطت عناوين: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، والتمسك بثبات ضد عبادة الأوثان، عبد العزيز بن سعود وترويض الحماس الوهابي، الوهابية في الدولة الحديثة، الدعوة الوهابية والإحياء الإسلامي، تحديات الهيمنة الوهابية، كما تضمن الكتاب مقدمة وخاتمة ملحق ببعض أسماء أسرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وملحقا ثانيا يتضمن أهم التواريخ والوقائع في الحقبة الزمنية موضوع البحث، وملحقا ثالثا يحتوي على معاني بعض المصطلحات والكلمات التي يكثر ورودها في النص.

واعتبر المؤلف ديفيد كمنز أن «المذهب الوهابي» تجاوز الأزمات، طارحا السؤال الذي لا يمكن للتاريخ أن يجيب عنه وهو ماذا سيكون مستقبل الوهابية؟، وقرر المؤلف اعتمادا على توقعات العلماء السياسيين وخبراء السياسة أن آل سعود سيستمرون في الحكم لفترة طويلة من الوقت، لافتا بهذا الصدد إلى أن الدولة السعودية تجاوزت أزمات كثيرة في تاريخها الطويل، ويواصلون السيطرة ببراعة على منظومة هائلة من الموارد، مشددا بالقول إن تنبؤات زوال آل سعود الوشيك تخطئ الهدف.