سجينة «بريمان».. «مسؤولة مكتبة» من خلف القضبان

ترفض زيارة والدتها لها وتبدأ يومها بمفردة «صباحكن أبيض»

TT

قضاء يوم كامل داخل مكتبة مليئة بالكتب والروايات، هو كل ما كانت تحلم به منى، إحدى نزيلات القسم النسائي التابع لسجن بريمان بجدة منذ صغرها، غير أنها لم تكن تعلم بأنه سيتحقق بعد أن وصلت إلى سن الـ30 عاما لكن بين القضبان، لتصبح مسؤولة عن مكتبة السجن النسائي، لما تتمتع به من ثقافة ومؤهل دراسي لم يقل عن درجة الماجستير.

حلمها الذي كان يراودها منذ الصغر تحقق لها داخل السجن، حيث كانت تحلم دوما بأن تنساها والدتها داخل مكتبة لتقرأ أكبر قدر ممكن من الكتب، غير أنها أصبحت تقضي معظم وقتها في مكتبة المدرسة الموجودة بالسجن النسائي بعد أن أوكلت إليها مسؤوليتها بالكامل من حيث استعارة النزيلات للكتب ورصد متطلباتهن.

وتقول منى لـ«الشرق الأوسط»: «تمكنت من التكيف مع المكان الذي يحويني، وذلك بشكل لم يجعلني أفقد تفاؤلي مطلقا حتى بعد أن قضيت نحو 8 أشهر داخل السجن، فضلا عن توقف النطق بالحكم علي ليجعلني أجهل وقت خروجي بعد أن تسببت إحدى صديقاتي في إيصالي إلى هنا»، إلا أنها لم تفصح عن قضيتها بشكل صريح ما عدا اكتفاءها بالتحذير من منح الثقة الزائدة للصديقات.

وتضيف: «التحقت بدورة الطباعة والصباغة بالألوان داخل السجن بعد أن لمست التعامل الراقي والمرن من قبل المدربة المسؤولة عن تلك الدورة، ولا سيما أنني أبحث عن الابتسامة والكلمة الطيبة في وقت افتقرت فيه إلى مثل هذه الأشياء»، موضحة أنها كانت تأمل الالتحاق بدورة للحاسب الآلي الذي يعد ميلها الأول.

وتفيد بأن معظم النزيلات في السجن يملن إلى القصص الملونة المزودة بالصور، وذلك وفقا لطلبهن مثل هذه الأنواع من الكتب، لافتة إلى أنه تم التنسيق مع مديرة السجن النسائي ومخاطبة مكتبات مختلفة لتوفير تلك القصص والروايات.

ورغم كل شيء حولها، فإنها اعتادت كل يوم أن تكرر عبارة واحدة باتت عادة على ألسنة النزيلات الأخريات، وهي «صباحكن أبيض»، إذ تقولها بابتسامة لم تفارق ملامح وجهها طيلة فترة حديثها.

وعلى عكس الباقيات، فإن منى ترفض تماما زيارة والدتها لها داخل السجن رغم أنها لم تتخل عنها، إلا أنها بررت ذلك قائلة: «لا أريد أن تتألم والدتي، في كل مرة تدير لي ظهرها بانتهاء الزيارة المقررة لي».

حياة مختلفة بكافة المقاييس يجدها الزائر أمامه بمجرد أن تطأ قدماه بوابة السجن، ليرى مجموعة من النزيلات المقيدّات المطلوبات من جهات مختلفة كالمحاكم وهيئة التحقيق والادعاء العام وغيرها، يخرجن خارج السجون ليشعرن بحرية مقيدة تزيد من رغبتهن في انتهاء مدة أحكامهن والتمتع بخطوات خالية من السلاسل والأغلال.

أول ما يتعلمنه هؤلاء النزيلات داخل السجن، هو الانضباط في مواعيد النوم والاستيقاظ، وذلك بحسب ما أوضحته فوزية عباس مديرة السجن النسائي في بريمان بجدة، إذ يبدأن يومهن منذ أذان الفجر كي يؤدين الصلاة ويعملن على ترتيب حجراتهن والاستعداد لتناول وجبة الإفطار في الساعة السادسة والنصف صباحا.

وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا يسمح للنزيلات بالسهر إلى ما بعد الساعة الـ12 ليلا سوى يومي الأربعاء والخميس لتمتد ساعات سهرهن حتى الثانية فجرا، وفي نفس الوقت لا يجبرن على النوم وإنما يتم إطفاء أجهزة التلفاز ودعوتهن للمكوث في أسرتهن مع منعهن من إزعاج الأخريات». بعد تناولهن لوجبة الإفطار، تبدأ كل نزيلة بالاستعداد لما هو مطلوب منها، فهناك من يجب عليها الخروج إلى المحكمة أو جهات أخرى، في حين يبدأ اليوم الدراسي لدى الأخريات، والعملي بالنسبة لمن هي ملتحقة بالدورات الحرفية كي تعمل داخل الورش التدريبية المتاحة لها من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية والنصف ظهرا.

وفور عودة المطلوبات من خارج السجن مجددا إلى عنابرهن، تأتي وجبة الغداء ليترك لهن المجال بعدها إلى أخذ ما يسمى بـ«القيلولة» حتى وقت العصر، ومن ثم الاستعداد لحلقات الدعوة والإرشاد المسائية وتنشيط تحفيظ القرآن الكريم الذي تمت دراسته في الفترة الصباحية، وذلك عن طريق «محفّظات» من النزيلات في كل عنبر يتم منحهن مكافآت من قبل إدارة السجون نفسها نظير ما يقمن به مع قريناتهن الأخريات.

وهنا، علّقت فوزية عباس قائلة: «يتم صرف رواتب تصل إلى 150 ريالا شهريا لكل نزيلة، إلى جانب صرف المبلغ نفسه لأطفالهن حتى يكملوا العامين ومن ثم يتم تحويلهم إلى دور الرعاية الاجتماعية مع ترتيب زيارات لأمهاتهم بعد ذلك».

وذكرت أن برنامج الدورات التدريبية الذي منحها خطا جديدا، بدأ تطبيقه داخل السجن منذ نحو عامين، يعمل على تغيير تفكير النزيلات وتوجيهه نحو الإيجابية، ولا سيما أن النظام لم يعد يحاسب النزيلة أو النزيل على السابقة الأولى، الأمر الذي خلق لديهن حماسا للخروج من السجن وإكمال بقية حياتهن بشكل صحيح في العالم الخارجي