الورد.. من مزارع الطائف إلى العشاق في أوروبا

تنتج 700 مليون زهرة سنويا

الورد الطائفي تجاوز المحلية لينافس في الكثير من الأسواق العالمية («الشرق الأوسط»)
TT

من مزارعها التي يتراوح ارتفاعها بين 1700 إلى 2300 متر، تدفع مدينة الورد (الطائف) سنويا نحو 700 مليون زهرة إلى العالم من حولها، وتطلق الطائف مهرجانها السنوي للورد نهاية أبريل (نيسان) الحالي، وهي التي اشتهرت منذ القدم بإنتاج الورد المتفرد. ويؤكد مختصون أن الورد المنتج في محافظة الطائف ليس له مثيل في منطقة الشرق الأوسط، كونه أكثر رائحة وعطرا من الورود المشابهة.

واشتهرت الطائف بتصنيع مادة عطر الورد ومنتجات أخرى مبتكرة كمنظفات وعطور وتجميل، ويعود إنتاج الورد الطائفي وصناعته إلى أكثر من 500 عام، وتوجد في الطائف مئات المزارع موزعة في أنحاء متفرقة من المحافظة، حيث يزرع في مناطق باردة، منها الهدا والشفا والغديرين ووادي محرم، وتشهد الطائف منذ سبع سنوات مهرجانا خاصا للورد، وسنتناول هذه المعلومات وأكثر في تقرير موسع عن منتج الورد الطائفي الذي تحول من منتج محلي إلى منتج دولي تسويقيا وشهرة.

فهد بن عبد العزيز بن معمر محافظ الطائف، ورئيس مجلس التنمية السياحية، قال لـ«الشرق الأوسط»: «حرصنا منذ عدة سنوات على إبراز الورد الطائف بالصورة التي يستحقها»، وأضاف أن هناك متابعات حثيثة من مجلس التنمية السياحية بالمحافظة للرقي بهذا المنتج والوصول به إلى العالمية، وبيّن أن الطائف تقيم مهرجانا سنويا للورد منذ عدة سنوات، حيث سيشهد مهرجان هذا العام وضع حجر الأساس لإنشاء أكبر مزرعة ومصنع للورد الطائفي.

من جهته أكد طارق محمود خان، المدير التنفيذي المكلف لهيئة السياحة والآثار بالطائف، أن منتج الورد الطائفي يحظى بالاهتمام الكبير من قبل الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، وكذلك من الأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة، ويجد المنتج متابعة مستمرة من قبل محافظ الطائف.

وأشار إلى أن هيئة السياحة تنظم رحلات سياحية منتظمة لمصانع ومزارع الورد، وتجذب هذه الرحلات الزوار من خارج المحافظة ومعظمهم أجانب من القنصليات الدبلوماسية للسفارات، حيث يتم اطلاعهم على عملية الزراعة والقطف، وكذلك تقطير الورد ومشتقاته من ماء ورد والعروس والكادي والمنظفات ومواد التجميل التي يستخدم فيها الورد بشكل رئيسي.

وقال المدير التنفيذي لهيئة السياحة بالطائف إن الاستعدادات جارية هذه الأيام لمهرجان الورد، الذي سيقام نهاية شهر أبريل الحالي، في حديقة الملك فيصل شمال المحافظة، مبينا أن تنظيم المهرجان أوكل هذا العام لشركة متخصصة في التنظيم ستضيف إليه رونقا خاص، وآملا منها إنجاحه بالشكل المناسب والمطلوب.

وأوضحت إيمان آل حمود، المدير التنفيذي للشركة المنظمة لمهرجان هذا العام، أنه تم التركيز على مزارعي ومنتجي الورد لأنهم هم أساس المهرجان، ولا بد من العناية بهم، وقالت أيضا إنه تم إشراكهم في التحضير للمهرجان والتجهيز وأخذ آرائهم ومقترحاتهم، حيث سيشارك 25 عارضا من مصانع الورد المعروفة بالمحافظة، ويكون للمزارعين مفاجأة خاصة من المنظمين تعلن يوم الافتتاح.

وتضيف آل حمود أنه تم تخصيص فعاليات للشباب في مكان منفصل عن الأسر بنفس حديقة الملك فيصل، كما أن من الفعاليات تدريب الشباب والفتيات على تركيب العطور من الورد وتنسيق الزهور، وتقام فعاليات ثقافية وتوعوية عن طريق جامعة الطائف والنادي الأدبي الثقافي. وتشير منظمة مهرجان الورد الطائفي إيمان آل حمود إلى أن كل يوم من أيام المهرجان العشرة ستكون هناك فعاليات مصاحبة جديدة تضيف البهجة والمتعة إلى الزوار وأهالي الطائف.

وقال محمد سعيد الدجوي، مستثمر أجنبي في ورد الطائف ومشرف فني على معامل «حامل المسك» للورد، إن الطائف جاذبة للاستثمار بالذات في المجال الزراعي وبالخصوص في الورد لكثرة تنوعات الطبيعة فيها، مضيفا أن من الضواحي التي تنتج الورد الطائفي المميز منطقة الشفا والهدا ووادي محرم والغديرين وبلاد طويرق ووسط المحافظة، حيث ينتج من هذه المناطق التي ترتفع عن سطح البحر ما بين 1700 متر – 2300 متر قرابة 700 مليون زهرة ورد في السنة.

وتتصدر منطقتا الشفا والهدا هذا الرقم، بحيث ينتج من الشفا 350 مليون زهرة ومن الهدا 200 مليون زهرة، وتأتي بعدها المرتفعات الأخرى، وبيّن الدجوي أن سعر الألف زهرة لهذا العام تراوح من 65 ريالا إلى 70ريالا، وجميع هذه الكميات يذهب لمصانع الورد الموجودة في المحافظة والبالغ عددها 240 مصنعا ومعملا، وكل مصنع يستوعب على قدر طاقته الإنتاجية، فمنها الكبيرة وبعضها أقل، حيث ينتج من تلك المصانع 159,500 إلى 61000 تولة ورد طائفي، ويتراوح سعر التولة من 1600 ريال إلى 2000 ريال، بمجموع كلي يقارب 125 مليون ريال سنويا، ويشير الدجوي إلى أن هذا الإنتاج بخلاف ما تنتج المصانع والمعامل من ماء الورد والعروس المركز وماء الورد الطائفي والمعطرات والمواد التجميلية المبتكرة من الورد.

وأشاد المستثمر في ورد الطائف محمد الدجوي بأن الدعم المقدم من محافظة الطائف والجهات الأخرى ذات العلاقة من هيئة سياحة وتجارة وغيرها دعم زراعة الورد وصناعته حتى أصبح بهذا الشكل المميز والعالمي، مشيرا إلى أن هناك مستثمرين في فرنسا ولبنان وعدد من الدول الأخرى أصبحوا يطلبون الورد الطائفي لتسويقه عالميا، وهذه نقلة كبيرة في مجال الورد من النطاق المحلي إلى الدولي.

وأوضح عبد الله النمري، متخصص كيميائي وصاحب مصانع «طائفي»، أن الخطط المنظمة منذ عدة سنوات لجعل منتج الورد الطائفي منتجا عالميا بدأت تأخذ طابع الواقعية والتنفيذ، حيث أقيم مركز متخصص لأبحاث الورد الطائفي وزراعته، يشارك فيه متخصصون من تركيا وكوستاريكا وفرنسا وبلغاريا وعمان، وسيطرح هذا المركز أول أعماله في مهرجان الورد الذي سينطلق بعد أقل من أسبوعين.

وأشار إلى أن أولى ثمرات مركز الأبحاث ستكون عبارة عن مضاعفة الإنتاج 350 في المائة مع تخفيض الاستهلاك المائي بنسبة 90 في المائة، وكذلك سيطلق المركز تجربة استخدام الضباب في ري الورد، والرضاعة المائية عند نقص المياه، وأضاف النمري أن المصنع دعم العام الفائت الأسر المنتجة وتم تدريب السيدات على تقطير الورد واستخراج الكثير من المنتجات الخاصة بالأسرة والمنزل من الورد، منها اللوشنات والمعطرات ومواد التجميل والنظافة، والآن كذلك إكسسوارات بخشب شجرة الورد، فكل شيء خاص بهذه الشجرة يصلح للاستخدام.

وأضاف أن سيدات تلك الأسر أصبحن يمارسن أعمالهن الخاصة من منتجات الورد ويعتمدن على أنفسهن في كل شيء، وأطلقن مبادرة لإنتاج مصنع متخصص سمّينه «زرع»، خيري وتطوعي يذهب إنتاجه للحرم المكي الشريف من دهن ورد ومن ماء ورد، حيث سينتج في مرحلته الأولى قرابة طن من ماء الورد و250 غراما من دهن الورد، ويهدف هذا المشروع الخيري من السيدات اللاتي تم دعمهن في السابق لصناعة الورد كمبادرة خيرية غير ربحية، إلى الوصول في الإنتاج إلى 20 طن ماء ورد و5000 غرام دهن ورد.

وقال المزارع محمد الحارثي الذي نقل تجربة زراعة الورد الطائفي من جبال الهدا والشفا إلى جبال ميسان بالحارث، إنه لقرب الطبيعة الجغرافية لمنطقة الطائف وتشابهها تم نقل التجربة لميسان، وقد اتضح نجاحها بعد موسم القطاف، حيث أنتجت المزرعة بشكل مشابه جدا للهدا والشفا، ووصف الحارثي طريقة استخراج ماء الورد، بقوله: «تتم بوضع الورد في قدور مخصصة لذلك لكل قدر حسب طاقته الاستيعابية، ثم يوضع الماء بالكمية المناسبة لعدد الورد، ويتم إقفال القدور بإحكام وتشعل عليه النار من تحته، ثم يبدأ الورد في الغليان ويصعد البخار محملا بالعطر، ويمر البخار عبر أنبوب (قناة) محاطة بالماء البارد فيتكيف البخار وينزل على هيئة قطرات من الماء داخل قارورة تسمى (قارورة التلقية)، وهي عبارة عن زجاجة ذات عنق تسع 20 لترا تقريبا».

ويستطرد الحارثي: «تستمر عملية التقطير حتى تمتلئ القارورة ويطفو الدهن على وجه ماء الورد لأنه أخف وزنا من الماء، بعد ذلك يسحب دهن الورد ويوضع في قوارير خاصة، وتسمى هذه الطريقة بطريقة التكثيف والتقطير، وتتراوح مدتها ما بين 10 - 14ساعة يوميا».