تقاليع المقاهي في السعودية.. أفكار بنكهة «الابتكار»

أحدها «صديق للبيئة».. وآخر يهتم بـ«الفن التشكيلي».. وبعضها يصنع الحلويات الغربية بـ«التمر»

جانب من أحد المقاهي الجديدة في مدينة الرياض، والتي ركزت على الترويج للقراءة بين زبائنها وتوفير جو ثقافي لهم («الشرق الأوسط»)
TT

لم يعد وجود السعوديين داخل المقاهي محصورا على احتساء المشروبات وتناول قطع الكعك فقط، بل تجاوز ذلك، بعد أن اشتدت حلبة التنافس بين المقاهي الجديدة على استقطاب زبائنها بطرق مبتكرة، بحيث أصبح الوجود في المقهى أشبه بـ«فسحة» ثقافية في أحيان كثيرة، في ظل ظهور بعض «التقاليع» الجديدة التي قدمت صناعة المقاهي بصورة مبتكرة، من ذلك إنشاء أول مقهى «صديق للبيئة» وتحويل آخر إلى «معرض فني» ومقهى في آن واحد، إلى جانب إنشاء مقهى مخصص للصم يتبادل فيه العاملون والزبائن التخاطب بلغة الإشارة، وغيرها من الأفكار غير التقليدية.

وترصد «الشرق الأوسط» اليوم هذه الموجة الجديدة التي بدأت تغير من مفهوم صناعة المقاهي في السعودية، ومن ذلك مشروع أول مقهى صديق للبيئة، والذي افتتح في الرياض قبل أشهر، حيث يوضح نايف الزريق، وهو مدير المقهى، تفاصيل الفكرة بالقول «لا توجد جهة في السعودية تحدد ما إذا كانت هذه المنشأة صديقة للبيئة أم لا، لكن نحن نحاول أن نكون أصدقاء للبيئة»، وعن المعايير التي بناء عليها تم وصف المقهى بصديق للبيئة، يقول «نحن طبقنا مبادئ لا تطبق بأي مقهى آخر، من ذلك أن الإضاءة الداخلية للمقهى صديقة للبيئة، وجميع المنتجات المستخدمة داخل المقهى من أكواب وعلب هي كذلك صديقة للبيئة وقابلة لإعادة التدوير».

ويتابع الزريق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن أرضية المقهى أيضا صديقة للبيئة وتم اختيارها من مصنع ألماني لديه شهادتان في صداقة البيئة، بالإضافة إلى أن الموقع الإلكتروني للمقهى تم اختيار استضافته من شركة تعتمد بنسبة 100 في المائة على طاقتها الكهربائية من الرياح، وجميعها أمور يؤكد الزريق على أنها فريدة من نوعها على مستوى المقاهي في السعودية.

ليس ذلك كل شيء، حيث يتابع الزريق حديثه ليوضح أن المقهى الذي يديره ويستثمر فيه مع 4 شباب سعوديين، ركز على «الترويج لثقافة القراءة»، من خلال وضع الكتب وإقامة العديد من الأنشطة الثقافية داخل المقهى، وهي فكرة يعترف الزريق بأنه تم أخذها من مقهى موجود خارج السعودية، وتم تطويرها لتشتمل على معايير غير تقليدية تتضمن مفهوم صداقة البيئة.

وفي مدينة الخبر، تأتي تجربة مقهى التي تمثل هي الأخرى حالة فريدة من نوعها، حيث زاوج المكان بين كونه مقهى عائليا واهتمامه بالفن التشكيلي بصورة مكثفة، وربما ذلك عائد إلى أن صاحبة المقهى هي في بالأساس فنانة تشكيلية، حاولت أن تقدم شغفها بالفن على هيئة مشروع استثماري يستقطب المتذوقين وهواة الفن التشكيلي في المنطقة الشرقية، من خلال عمل قاعة عرض دائمة تضم رسومات مجموعة منتقاة من الفنانين والفنانات.

عن دافع هذه الفكرة، تتحدث لـ«الشرق الأوسط»، الفنانة التشكيلية آمال الهاشم، صاحبة مقهى، موضحة أنها قررت إنشاء مقهى يهتم بالفن التشكيلي اعتمادا على قاعدة أن «أكثرية الناس يحرصون على الذهاب إلى المقاهي مع أصحابهم، لكنهم نادرا ما يقررون الذهاب لرؤية اللوح الفنية في أحد المعارض التشكيلية!»، وهو ما ترجعه إلى استسهال الذهاب إلى المقاهي واستصعاب الذهاب للمعارض، مضيفة «من هنا جاءتني الفكرة».

وتؤكد الهاشم أن غيرتها على الفن التشكيلي جعلتها تحرص على توصيل هذا الفن لزبائن المقهى والعمل على رفع مستوى الذائقة الفنية لدى العامة، وعن مدى استحسان الفكرة، تقول «وضعت كتاب للزوار في المقهى، لتدوين تعليقاتهم، ووجدت أن نحو 97 في المائة يشيدون بالفكرة»، مشيرة إلى مقهاها دخل اليوم عامه الرابع، وما زالت تجربته تنضج يوما بعد آخر.

وربما أكثر ما يلفت نظر زائر هذا المقهى هو تبنيه لأعمال الفنانين المبتدئين من خلال إقامة المعارض الشخصية الأولى لهم على فترات مختلفة، وهنا تؤكد الهاشم أن ذلك جاء من أهداف المقهى المعني بدعم الفن التشكيلي، وأضافت قائلة «لدينا الآن خطة لعمل معارض لطلبة وطالبات المدارس، بحيث ننظم المعارض لهم داخل المقهى، كي نمدهم بالحافز والتشجيع»، وحول تزايد مساحة الأفكار المبتكرة في المقاهي السعودية، تختصر الهاشم ذلك بقولها «مفهوم صناعة المقاهي بحاجة للتطوير بشكل دائم».

ومقهى الصم، ومقره في مدينة الرياض، يعتمد العاملون فيه على التخاطب بلغة الإشارة مع زبائن المقهى الذين يمثل غالبيتهم فئة الصم، وعن منبع الفكرة تحدث عادل الملحم، وهو صاحب المقهى، موضحا أن خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة ظلت فكرة تداعبه لفترة طويلة، حتى اقترح عليه أحد زملائه من معهد الأمل للصم تحويل مقهاه إلى مقهى متخصص لخدمة ورعاية فئة الصم، مضيفا أن هذا المقهى هو الأول من نوعه على مستوى دول الخليج العربي، والثاني عربيا بعد مشروع آخر مشابه في جمهورية مصر.

وأضاف الملحم خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه عمل على تصميم قائمة خاصة للمأكولات تقدم للزبائن بلغة الإشارة الوصفية، بالإضافة إلى تزويد المقهى بمنزلق للكراسي المتحركة، مفيدا بأن اللوحة الخارجية للمقهى هي أيضا مكتوبة بلغة الإشارة، فيما أوضح أنه يسعى لجعل هذا المقهى بمثابة المنتدى الثقافي الذي يلتقي فيه جميع فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة الصم، وأن يتضمن مجموعة من النشاطات، كالمحاضرات والاجتماعات.

وفي ذات المحور، تبدو المقاهي المهتمة بالقراءة هي الأكثر انتشارا مؤخرا في السعودية، أو ما يعرف بـ«المقاهي الثقافية»، والتي تضم بين جدرانها كتبا متنوعة، ومن ذلك سلسلة مقاهٍ في المنطقة الشرقية ومدينة جدة، وهنا يعود المستثمر نايف الزريق للقول «هناك تساؤل كثيرا ما يُطرح: متى يمكن أن يُسمى هذا المقهى مقهى ثقافيا، هل عندما يكون (كوفي شوب) ومعه بعض الكتب المعروضة، أم عندما يكون مقهى يضم أنشطة ثقافية؟»، مضيفا «نحن اخترنا أن نكون من النوع الثاني».

وعن الأفكار الاستثمارية المبتكرة للمقاهي السعودية، يقول الزريق «التوجه لهذا النمط من المقاهي ناتج عن فقر الأماكن اللي يرتادها الشباب، وأذكر هنا أن أحد مرتادي المقهى قال لي إنه كان يضيع وقته في الاستراحات الشبابية، وبعد افتتاح المقهى أصبح يأتي لقراءة الكتب والاستفادة»، ويضيف «من ناحية الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع فلا أستطيع الحكم عليها، لأن تجربتي لم تكمل السنة بعد، لكني متأكد أن المجتمع السعودي بحاجة لمثل هذه المشاريع».

ومع اشتعال المنافسة بين المقاهي السعودية، لجأ كثير منها إلى ابتكار أساليب أخرى لاستقطاب المستهلكين، ليس فقط في نشر ثقافة القراءة أو تعزيز الاهتمام بالفنون وخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، بل تجاوز ذلك إلى ابتكار مشروبات جديدة، واختراع أسماء تسويقية لها تدفع المستهلك لتجربتها واكتشاف طعمها، وهو خط انتهجته عدة مقاهٍ في الآونة الأخيرة، لفئات المشروبات الثلاث «الساخنة، الباردة، المثلجة»، ويكثر ذلك خاصة في المقاهي المحلية، التي تحاول أن تجد لها حصة سوقية جيدة أمام اكتساح العلامات التجارية العالمية، بينما عكست بعض المقاهي الصورة، في عودتها للطابع التراثي من خلال تقديم الأرائك المطرزة بنقوش قماش «السدو» الشعبي، وإعداد القهوة العربية لزبائنها، في ظل توفير الموسيقى الغربية والمشروبات العالمية، في محاولة لدمج الطابع المعاصر مع الآخر التراثي، ومن ذلك تجربة أحد المقاهي الشهيرة في المنطقة الشرقية، التي استثمرت التمر السعودي في إعداد أصناف مبتكرة من الحلويات الغربية، مثل «تشيزكيك التمر» و«مافن التمر» و«كب كيك التمر».

ورغم حداثة هذه الأفكار وكسرها للطابع المألوف للمقاهي السعودية، فإنها لم تكن الأولى من نوعها، فيبدو أن لكل مرحلة أفكارها التسويقية الخاصة، من ذلك المرحلة التي رافقت بداية ظهور الإنترنت في السعودية، قبل أكثر من 10 سنوات، حيث كان وجود شبكة الإنترنت وأجهزة الكومبيوتر هو الجاذب الأكبر لزبائن المقاهي، تلتها مرحلة توفير شبكة «الواي فاي» للراغبين بتصفح الإنترنت عبر هواتفهم وأجهزتهم المحمولة، حتى أصبحت اليوم معظم المقاهي السعودية مقاهي «ذكية»، بالنظر لاعتمادها على توفير طرق الاتصال المطورة لجذب زبائنها.

يأتي ذلك في حين تفيد أحدث التقارير الاقتصادية بأن حجم سوق المقاهي السعودية يبلغ نحو 15 مليار ريال (4 مليارات دولار) في العام الواحد، وأن صافي الربح يصل إلى نحو 60 في المائة من العائد الكلي، كما أن يومي الخميس والجمعة يعتبران أفضل أيام الأسبوع بالنسبة لعائدات هذه المقاهي لكونهما يوافقان إجازة نهاية الأسبوع في السعودية.