مكة المكرمة.. من حارة النبوة وسوق الليل إلى الطرق الإشعاعية

توسدت مساكنها «مناكب» الجبال من أجل خدمة الحجاج والمعتمرين

عمارات كثيرة أنشئت على مساحات ضيقة قللت من الكفاءة الفنية لشبكة الطرق في مكة المكرمة (تصوير: أحمد حشاد)
TT

من سوق الليل وحارة النبوة، ومكة القديمة، لم تخرج مكة من عباءة الأزقة الضيقة، لا سيما أنها مدينة تحمل إرثا عظيما من الطيبوغرافيا المعقدة التي أحالت جنباتها للتقاعد مع الإعلان رسميا عن عمليات «حقن» إشعاعية في شرايينها.

وقال الدكتور ثامر الحربي، مدير معهد خادم الحرمين الشريفين سابقا في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إنه مع تزايد أعداد المسلمين وكثرة الحجاج والمعتمرين وتداعي كثير من المباني في هذه المنطقة بمرور الزمن، والرغبة الملحة في الاستثمار من دون دراسة واعية ومتأنية، كانت المحاولات من هنا وهناك لسد الحاجة فجاءت على عجل من دون ترو، فظهرت لذلك أعمال في هذه المنطقة لا تتفق مطلقا مع ظروفها، فضلا عن أنها ساهمت في زيادة المشاكل الموجودة، فقد أنشئت عمارات كثيرة على مساحات ضيقة نسبيا من الأرض وبارتفاع كبير من دون توفير مواقف للسيارات، وتبع ذلك انخفاض لمستوى الكفاءة الفنية لشبكة الطرق وسوء حالة مسارات المشاة الرئيسية، مع عدم توافر عامل الأمان مع نقص في الخدمات العامة».

وعلى الجانب الآخر، بحسب الحربي، وجدت مناطق ذات مواقع متميزة وغير مستغلة الاستغلال الأمثل الذي يتناسب مع تميز موقعها، ربما لصغر مساحتها مما يصعب معه استغلالها الاستغلال المناسب إلا بتجميعها، وربما يكون ذلك لعجز المالك عن تقديم الحلول المناسبة لها.

ويضيف الحربي «بجانب ذلك كانت المشكلة الأخرى متمثلة في وجود مناطق متدهورة عمرانيا ومعزولة عن شبكة الطرق وذات نسيج عشوائي لا يقدر ساكنوها بأي حال من الأحوال على تطويرها أو رفع كفاءتها، إما لضعف الموارد المالية لديهم وإما لعدم جدوى التطوير الفردي لمثل هذه القطاعات».

وفوق هذا وذاك يشير الحربي إلى أن كثيرا من الأعمال التي أنشئت في هذه المنطقة «حول الحرم»، وخاصة العمارات السكنية والفنادق، جاءت وفق أهواء مالكيها، فكثيرا ما جاءت في ثوب غريب يمثل نوعا من الشطط بعيدا عن التراث المكي الأصيل، مما سبب ومن دون شك إحداث تلوث بصري للمنطقة برمتها.

ويقول الحربي «النمط العمراني يتميز بتكثيف البناء والارتفاع رأسيا، وذلك لصعوبة البناء على المنحدرات الجبلية وانحصار البناء في الأودية والشعاب بينهما، ولهذا فإن الأفنية الداخلية تكاد تكون مختفية حيث يستعاض عن هذه الأفنية بالفراغات العلوية (الخارجات) ذات الأسوار (الدراوي) العالية المخرمة لتوفير الخصوصية لمستعملي هذه الأماكن في الأعمال المنزلية والنوم ليلا».

وزاد «أظهرت الدراسة الميدانية للمنطقة أن النسيج العمراني للمنطقة منتظم على الشوارع الرئيسية فقط، ولكنه يتسم بالعشوائية غير المنتظمة وغير المرتبطة بضوابط وقوانين التنظيم في القطاعات الجبلية، مما ساهم في إيجاد تجمعات سكنية معزولة عن شبكات الطرق الرئيسية وبالتالي افتقارها إلى الخدمات العامة الضرورية للسكان، كما أظهرت المسوحات الميدانية أن المنطقة تشتمل على مجموعة من المباني الجديدة والقديمة المتهدمة وكذا المؤقتة».

وأضاف كذلك أن شبكة الشوارع في القطاعات الجبلية تأتي عشوائية هي الأخرى وغير منتظمة ولم تتشكل بتخطيط مسبق وإنما اتجهت في مسارات متعرجة حسب طبيعة الأرض وتزاحم المباني، كما أن بعض الطرق المرصوفة الموجودة في القطاعات الجبلية لم يتم تنفيذها على أسس هندسية وفنية سليمة.

وأظهرت المسوحات وجود مناطق متدهورة عمرانيا كثيرة نتيجة لتهدم المباني وتهالكها وانعزالها عن شبكات الطرق، وهي السمة الغالبة في القطاعات الجبلية، ولا تبدو في حالة جيدة إلا المباني الموجودة في الشريط الأمامي المطل على الشوارع الرئيسية المرصوفة حيث تظهر المباني خلفه متهدمة ومتهالكة.

وأفاد الحربي بأن طبوغرافيا المنطقة وكثرة المنحدرات الشديدة والميول الصعبة جدا وبالتالي انعزال كثير من المباني عن شبكة الطرق، كل ذلك صعب من الوصول إلا عن طريق ممرات متعرجة وصعبة أو مجموعات من السلالم.

وقال إن هناك معالجات غريبة ومتباينة لواجهات المباني بعيدة عن التراث المعماري المتميز للمنطقة، مع وجود بعض المحاولات للاقتباس من ملامح التراث المعماري لمكة المكرمة.

وأشار إلى ضعف الكفاءة الفنية لشبكة الطرق الداخلية نظرا للطبيعة الجبلية للكثير من المناطق ووجود الميول والمنحدرات الشديدة في أغلب الأحوال مما ساهم في وجود تعرجات كثيرة وخطرة، كما تنعدم في معظم الأحوال وسائل الأمان بها حيث إنها نفذت على أسس غير سليمة.

واختتم الحربي بالقول: «تبدو مشكلة مواقف السيارات أكثر المشاكل تعقيدا، خاصة في الشوارع الرئيسية، حيث تفتقر جميع المباني الجديدة لمواقف خاصة بها مما يتسبب في إعاقة كاملة لحركة السير، وخاصة أن معظم هذه الشوارع مكتظة بالنشاط التجاري إضافة إلى حركة المشاة التي لا تحظى بعناية تذكر في معظم الشوارع».