الأسر المنتجة.. حرفة في اليد خير من ألف وظيفة

الجهات الحكومية والخاصة تجند قدراتها عبر برامج المسؤولية الاجتماعية لدعمها

دورات للأسر المنتجة تعلمهم التسويق لمنتجاتهم («الشرق الأوسط»)
TT

أجبرتها ظروف الحياة على أن تعمل ساعات متواصلة، في خياطة وتطريز الملابس، حتى تعين زوجها على مصاريف المنزل، والأبناء، وخاصة أن راتبه لا يتجاوز خمسة آلاف ريال ولديها ثلاثة أطفال أكبرهم في التاسعة من عمره، مؤكدة بذلك أن الحياة بين الزوجين عبارة عن شركة يتقاسمان العمل فيها كل وفق قدرته وإمكاناته.

إيمان خالد، ربة منزل سعودية تعمل في تجارة الملابس النسائية منذ أربعة أعوام، قالت خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت أعمل من المنزل بخياطة الملابس النسائية وملابس الأطفال وكنت أبيعها للجيران وبعض الأقارب الذين قدموا الدعم لي منذ البداية وساعدوني على زيادة الدخل حتى أتمكن من مساعدة زوجي في المصاريف».

وبينت إيمان أنها تهوى الخياطة والتفصيل منذ الصغر. وتعلمت ذلك من والدتها التي عملت على تنمية هذه الهواية بداخلها حتى أصبحت متمرسة وناجحة فيها من خلال حياكة ملابس إخوتها الصغار، وقالت «أتمنى من كل فتاة أن تعمل على تنمية هوايتها أو حرفتها وتمارسها، لأن الإنسان لا يعرف ماذا يخبئ له المستقبل».

وحول الكمية التي تحيكها إيمان قالت «أعمل الآن بمساعدة فتاتين على خياطة ملابس الأطفال والنساء من خلال آلة الخياطة الموجودة لدي ولكن كنا نستغرق وقتا طويلا للانتهاء منها فاضطررت إلى شراء آلة أخرى لتساعدنا على صنع كمية أكبر من الطلبات في فترة وجيزة».

وأوضحت أن أسعارها في متناول الجميع حيث يتراوح سعر القطعة بين 65 و100 ريال، متمنية أن تفتح مشغلا صغيرا يساعدها على أن تزيد دخلها بشكل منتظم، حيث سعت إلى ذلك من خلال زيارتها لإحدى الجمعيات التي تدعم الأسر المنتجة.

ولنفس الهدف عملت «أم أحمد» في بيع الحلويات والمعمول من المنزل منذ ما يقارب ثمانية أعوام، حيث اكتشفت أن طريقة صنعها للمعمول والحلويات مميزة ويرغب فيها الجيران فأصبحوا يطلبون منها أن تصنعها لهم عندما يزورونها، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «بعد ذلك تطور الموضوع وأصبح الجيران يطلبون أن أصنع لهم الحلويات في المناسبات مقابل أن يوفروا لي المواد والمكونات».

وأضافت: «اقترحت علي إحدى صديقاتي أن أقوم بصنع الحلويات وأبيعها مقابل أسعار رمزية، تغطي التكلفة على الأقل وبالفعل بدأت بذلك، والحمد لله أصبحت معروفة داخل الحي وفي العائلة والآن أنشأت صفحة على (فيس بوك) أسوق من خلالها لمنتجاتي وأجد إقبالا كثيرا ومردودا يكفيني عن سؤال الناس».

وحول الظروف التي أجبرتها على العمل قالت لـ«الشرق الأوسط»: «توفي زوجي منذ خمس سنوات فأصبحت أنا المعيل الوحيد لبناتي الأربع، جميعهن طالبات في مراحل مختلفة إضافة إلى أنني مضطرة لتوفير إيجار السكن الذي نعيش فيه، لذلك علمت بناتي منذ الصغر أن يساعدنني في تغليف الأطباق على الأقل، خاصة عندما تكون الكمية المطلوبة كبيرة»، مشددة على أنها ستظل تعمل في صنع الحلويات حتى تتمكن من تعليم بناتها الأربع ليحصلن على شهادات عليا ويتمكن من العمل برواتب جيدة، وحتى يصلن إلى أعلى المستويات ولا يتعبن في حياتهن، مؤكدة على أهمية الشهادة هذه الأيام للفتاة.

إلى ذلك، اتجهت مؤخرا الجمعيات الخيرية والغرف التجارية وشركات القطاع الخاص، إلى دعم هذه الأسر المنتجة من باب مسؤوليتها الاجتماعية للمساهمة بشكل واضح بتنمية كوادر الأسر المنتجة من خلال دمج إسهاماتها في الاقتصاد الوطني، خاصة أن ذلك يساعد على محاربة البطالة من خلال تأهيل الأسر وإكسابهم مهارات تمكنهم من إيجاد فرص حقيقية.

وأوضحت الدكتورة عائشة نتو عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة وعضو المجلس العام للتدريب التقني والمهني، وجود دورات تدريبية خاصة للأسر المنتجة، تعلمهم كيفية التسويق لمنتجاتهم، إضافة إلى إقامة شراكات فيما بينهم لتقوية مشاريعهم، لافتة إلى أنهم بذلك يطمحون إلى تحويل نسبة 20 في المائة على الأقل منهن إلى سيدات منتجات جادات، كما دعت أصحاب المراكز التجارية لدعم الأسر المنتجة، وذلك بتخصيص مواقع لعرض منتجاتهم مقابل أجر رمزي تشجيعا لهم.

وبينت نتو خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» عزم الغرفة التجارية الصناعية بجدة إنشاء مركز تجاري خاص لعرض منتجات الأسر المنتجة، بهدف دعمها، ولا سيما أن عدد المنتسبين منهم للغرفة بلغ 510 أسر تقدم منتجات مختلفة. إلا أن رانيا سلامة رئيسة غرفة شابات الأعمال بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، أشارت إلى أن فكرة إنشاء مول يضم المنشآت الصغيرة تحت مظلته قد تكون حلا مؤقتا، لكنها اعتبرتها عملية محبطة لهم، وخاصة أنه ليس جميع المنتجات التابعة لأصحاب المشاريع المتناهية الصغر (الأسر المنتجة) أو المشاريع الصغيرة عبارة عن مواد يمكن بيعها ووضعها داخل مول، لأن منها ما هو عبارة عن خدمة قد تقدم، وليس جميعها أشياء ملموسة يمكن أن تباع.

وحول اسم «مشاريع متناهية الصغر» بينت أن هذا الاسم لا يستخدم بشكل رسمي في الغرف أو وزارة التجارة، فجميعها يطلق عليها مشاريع صغيرة ولكن الفرق بينها أن متناهية الصغر قد يصل عدد موظفيها إلى خمسة أشخاص، ويكون حجمها صغيرا جدا، وجميعهم يعملون من المنزل.

ولفتت إلى أن أغلب الجهات الحكومية تعامل المشاريع «متناهية الصغر» على أنها مخالفة، وخاصة أنها تعمل من داخل المنزل، ويعتبرون أنها لا تعمل بشكل سليم، حيث لا يوجد تراخيص للعمل من المنزل حتى الآن، وقالت «نحاول العمل على الجانب التوعوي بأن تكون المشاريع متناهية الصغر عملا مؤسسيا وليس فرديا عشوائيا».