نساء في السجن.. الأعراف الاجتماعية والجرم الجنائي

«الإشراف النسائي» لـ «الشرق الأوسط» : ندعو إلى إلغاء شرط موافقة ولي الأمر لتسلم الفتاة من السجون

TT

دعت مسؤولات بوزارة الشؤون الاجتماعية إلى ضرورة إنهاء شرط موافقة ولي الأمر لتسلم المرأة عقب إنهائها محكوميتها من سجن النساء العام، أو دار رعاية الفتيات، وهي الدار التي تقضي فيها الفتاة السعودية دون 30 عاما محكوميتها.

وطالبت لطيفة أبو نيان، مدير عام الإشراف النسائي الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية بالرياض، بأهمية القضاء على مسألة الرفض الأسري للفتيات لمن أنهين عقوبتهن بالسجون أو بدور الرعاية، قائلة: «على الأسرة تحمل مسؤوليتها تجاه بناتها وعدم التساهل في عملية الرفض الأسري في حال انتفاء المسببات التي قد تبقي المرأة بدور الضيافة اضطرارا، كالخوف على سلامتها أو تهديد حياتها».

وأضافت أبو نيان أن تحويل النساء من السجون إلى دار الضيافة عقب انتهاء المحكوميات، حمّل وزارة الشؤون الاجتماعية ودور الضيافة أعباء كبيرة، مشيرة إلى أن دور الوزارة الرئيسي يكمن بمساندة الدار للأسرة بالمراقبة والمتابعة لإعادة حالة الاستقرار الأسري كما كان سابقا. وتتحمل دور الضيافة بالسعودية اضطرارا، لفظ الأب ابنته المذنبة، أو رفض الفتاة لأسرتها، وتضم دار الضيافة بالرياض في الوقت الراهن 18 فتاة تم تحويلهن من دار رعاية الفتيات، و5 حالات من السجن العام. الأمر الذي دعا إلى ضرورة إيجاد ضوابط وقوانين تحد من حالة رفض الآباء والأسر لبناتهن، بدءا بالمطالب الداعية إلى إلغاء شرط موافقة ولي الأمر على تسلم المرأة عقب تنفيذها محكوميتها في حال توفر ضوابط محددة أبرزها مسألة «العمر»، والخروج على مسؤوليتها الشخصية، بحسب مديرة الإشراف النسوي، تدعمها مؤسسات الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية، في خطوة للقضاء على بقاء احتجاز النساء السعوديات بالسجون لأعوام تكتسب فيها المرأة سلوكيات إجرامية تفوق التي دخلت بسببها السجن.

من جانبها، قالت الدكتورة موضي الزهراني، مدير إدارة دار الحماية، إنه إذا كانت للمرأة القدرة على حماية نفسها وتدبر شؤونها، فلا داعي لشرط «ولي الأمر» لتسلم الفتاة، مطالبة بإصدار تعميم من إدارة السجون أنه وبعد دراسة حالة الفتاة وتأهيلها اجتماعيا ونفسيا وأخلاقيا خلال فترة محكوميتها بالسجن، لا بد من إعطائها الحق لتحمل مسؤوليتها الشخصية ومسؤولية أبنائها.

وحاولت «الشرق الأوسط»، من خلال لقائها الخاص مع مسؤولات وزارة الشؤون الاجتماعية من قمة الهرم النسوي؛ ومنهن مديرة الإشراف النسائي الاجتماعي، وحتى مديرات الدور النسائية، ومنهن دار الحماية والضيافة، ودار رعاية الفتيات، تتبع أبرز ملامح العالم النسوي الخفي.

وكانت البداية بدار الحماية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، التي تشرف على إدارتها الدكتورة موضي الزهراني، والتي تستضيف حاليا سعوديتين؛ الأولى لا تتجاوز العشرين عاما مضى على إقامتها بالدار ما يقارب العامين حتى البت بقضية العضل الخاصة بها من قبل القضاء الشرعي، وأخرى ثلاثينية لم تجد من تحتمي في ظله غير هذه الدار جراء العنف والإيذاء الممارس عليها من قبل زوجها. إلا أن اللافت في خبايا دور الحماية أنها وجدت حظها أيضا من طبيبات واستشاريات لجأن إليها أيضا، وهذه المرة ليس كما هو المتوقع علاج المصابات، وإنما لحماية أنفسهن من عنف تمت ممارسته ضدهن لأعوام حتى باتت اللكمات ليست حكرا على امرأة دون أخرى.

وعلى الرغم من الأعداد الرسمية المعلن عنها بشأن قضايا العنف والإيذاء بحق المرأة بالسعودية، فإن لطيفة أبو نيان سعيدة بحالة تنامي الاهتمام المجتمعي بالدور الجاد الذي باتت تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية، ممثلة بدور الحماية والتي أصبحت بحسبها سلاح تهديد قام بردع الكثير من الآباء أو الأزواج ممن يتصيدون إيذاء نسائهم، مشيرة إلى أن التوعية المجتمعية بأهمية دار الحماية بلغ أيضا المحاكم الشرعية بعد أن بات القضاة يستأنسون برأيهم، وطلب تقارير خاصة من قبلهم للمساعدة في البت بقضايا الأحوال الشخصية.

وكما أن المرأة بحاجة إلى من يحميها من الغير، هي أيضا بحاجة إلى حمايتها من نفسها دون الانزلاق في مهالك قد يستصعب ضبها والسيطرة عليها لاحقا، لتستضيف دار رعاية الفتيات (سجن نسائي لمن دون 30 عاما)، نحو 53 فتاة سعودية تنوع جرمهن ما بين قضايا المخدرات والهروب والاختلاء، والحمل السفاح والسرقة. الجدير بالذكر أن جرائم القتل كانت حاضرة أيضا في وسط نزيلات دار رعاية الفتيات السعوديات، بلغت 7 حالات، بحسب ما أفادت به أمل آل معمر مديرة دار رعاية الفتيات، من بينها 3 قضايا بجريمة قتل الزوج (غير العمد) من قبل فتيات دون 30 عاما، إلى جانب قضية قتل أم بالسكين من قبل شقيقتين دون العشرين عاما، رغبة منهما في غسل «العار».

وعودة إلى دار الضيافة الوجهة الجامعية لكل من نزيلات السجن العام ودار رعاية الفتيات ممن تحكمت فيهن «السلطة الأبوية» وتغلغل وسطهن المفهوم القائل بـ«عار الفتاة حتى الممات»، ليمضين أحكاما أخرى، وإنما هذه المرة «عرفية»، احتكرتهن في شقق تابعة لرقابة وزارة الشؤون الاجتماعية حاولت المشرفات فيها مراعاة جانب التصنيف في التقسيم من حيث طبيعة الجرم والفئة العمرية. وتتحمل دور الضيافة والشقق التي تجمع السجينات المنتهية محكومياتهن والموكل بمراقبتها فقط، من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، انتقادات عدة من نزيلاتها وأوليائهم، كما جرى من قبل ولي أمر إحدى الفتيات الذي فجر إشكالات متعددة بهروبها من الدار، على الرغم من رفضه المسبق تسلمها، عقب إنهائها لمحكوميتها. ولخصت مدير عام الإشراف النسوي أبو نيان حديثها من أن دور الضيافة، التي تضم فتيات من أعمار مختلفة أصغرهن لا تتجاوز 18 عاما من قضايا مختلفة كالمخدرات والهروب أو الاختلاء، وظيفتها الأساسية تكمن في «الضبط الاجتماعي» وليس الضبط «البوليسي»، مضيفة أن للفتاة بالدار الحق بالزيارة والتدريب وممارسة حياتها اليومية بصورة طبيعية.

وبينت نادية باعليا، المختصة النفسية بدار الضيافة، أن هروب الفتاة الوحيدة من الدار سُجّل عقب ذهابها للدراسة، مؤكدة أن دار الضيافة ليست سجنا آخر، وإنما هي لـ«تأهيلهن بالاعتماد على الذات»، من خلال ما تقدمه الدار من دورات منتهية بالتوظيف، وكسوة يخترنها الفتيات بأنفسهن برفقة إحدى الاختصاصيات، بالإضافة إلى برامج ترفيهية داخلية، مع إتاحة كل الأجهزة التكنولوجيا المتطورة من شاشات بلازما، وحواسيب شخصية، وهواتف جوالة «آي فون».

وعلى غرار الدور النسائية سواء أكانت للضيافة أو للحماية أو دور رعاية، كان هناك دور فرضه الواجب الإنساني، وهو تربية أطفال زجوا بعالم لم يكن لهم فيه أي دور باختياره، لتضم دار «الرعاية المؤقتة» 40 طفلا من أبناء السجينات، خصصت لهن الوزارة يوم الثلاثاء من كل أسبوع كفرصة لزيارة أمهاتهن بالسجن. كما أن للأطفال ممن نتجوا عن علاقات غير شرعية نصيب آخر من الدور كـ«دار الحضانة» و «دار التربية للأطفال اللقطاء»، إلا أن حظهم منها هذه المرة أبدي، إلى حين إيجاد من تتبناهم من الأسر الكريمة. وعلى الرغم من وجود مثل هذه الدور، فإن هناك من الأمهات من تنفذ عقوبة «التغريب» جراء العلاقة غير الشرعية، تصر على البقاء عند رفضها التنازل عن طفلها أو طفلتها بعد ولادته، مصرة بالتمسك به على الرغم من مساومتها ما بين العودة إلى كنف الأسرة وحيدة أو البقاء إلى الأبد في دور الضيافة.

إلا أنه، وبحسب لطيفة أبو نيان مدير عام الإشراف النسائي الاجتماعي، فإن أغلب الأطفال المولدين من أمهات معروفات وبقوا معهن عادوا كحالات تعنيف وإيذاء من الأم أو الأسرة، لينحصر مصير الطفل تارة أخرى في إحدى الدور، ولكن هذه المرة بدور لـ«الحماية» الاجتماعية.