قطار الحرمين يستحوذ على 70% من وسائل النقل البري والجوي غرب السعودية

السكك الحديدية لـ «الشرق الأوسط» : قطار كل ساعة بين العاصمة المقدسة والمدينة المنورة.. وكل 5 دقائق إلى جدة

سيتنقل القطار بين 5 محطات في جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة ومحطة في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية (تصوير: غازي مهدي وعبد الله آل محسن)
TT

قدر خبراء بقطاع النقل والمواصلات في السعودية استحواذ قطار الحرمين بمنطقة المكرمة على حصة تقدر بنحو 70 في المائة من وسائل النقل البري والجوي غرب البلاد، بين المدن المقدسة لسهولة الحركة وتقليص الوقت وانخفاض أسعار التذاكر مقارنة بأسعار النقل الجوي في السعودية.

المشروع يختصر الوقت والمسافات بين المدينتين المقدستين في السعودية بميزانية 16.7 مليون دولار للكيلو الواحد على مسافة 480 كم، ووصلت الجهات الحكومية والأهلية حاليا إلى مراحل متقدمة فيه، ليخدم كافة أفراد العالم على مدار العام من حجاج ومعتمرين الذي قلص الزمن إلى نحو الساعتين للتنقل بين المقدستين مرورا بمحافظة جدة (غرب السعودية) التي يستهدفها الزوار والسياح من خارج البلاد.

ويرى مسؤولون في قطاع النقل البري والجوي استحواذ قطار الحرمين على نسبة من حصص الوسائل الأخرى في حالة تشغيله وتطبيق الآليات استراتيجية واضحة، والتي تحقق الهدف الرئيسي للقطارات في دول العالم من حيث المواقف في المحطات والالتزام في الوقت والعمل على نحو 5 آلاف موقف ليتسع في أوقات المواسم ووجود أرصفة مناسبة للمشروع الضخم ووضع المضلات، منوهين بضرورة حصول الفرد على التذاكر من عدد من الأماكن علاوة على الموقع الإلكتروني لتسهيل وتنظيم الحجوزات.

من جهته، قال الدكتور فيصل بن صقر، نائب رئيس الطيران المدني لـ«الشرق الأوسط»، إن «قطار الحرمين بلا شك سيأخذ جزءا من حصص وسائل النقل الأخرى، ولكن سوف يكون هناك تنسيق وعمل تكاملي من النقل الجوي والبري حينها، حيث تم وضع محطة للقطار في مطار الملك عبد العزيز ومطار المدينة المنورة، مما يسهل انتقال المسافرين إلى دولهم من خلال المواعيد التي سوف تحدد من قبل مسؤولين قطار الحرمين، إضافة إلى أن أسعار التذاكر سوف تكون في متناول الجميع، مما سيعكس صورة استحواذ القطار على وسائل النقل الأخرى في البلاد».

وأضاف نائب رئيس الطيران المدني أن «قطار الحرمين ليس فقط على المستوى المحلي فقط، إنما يخدم كافة أفراد العالم على مدار العام من حجاج ومعتمرين، الأمر الذي قلص الزمن أكثر من نحو ساعتين للتنقل بين المقدستين مرورا بمحافظة جدة التي يستهدفها الزوار والسياح، مما يعكس أهمية ذلك المشروع الكبير في تاريخ النقل السعودية والكثير من الأمور الاقتصادية والاجتماعية علاوة على خفض الحركة المرورية بين تلك المدن».

في المقابل، أوضح الدكتور عبد العزيز عسيري، استشاري النقل المروري ومدير النقل في شركة «مدرار»، أن «الهدف عادة من إنشاء خطوط السكك الحديدية هو التنوع في أنماط النقل، بمعنى أن تكون هناك وسائل نقل حديثة غير النقل البري كالحافلات والمركبة لتقليل الكثافة المرورية التي تمثل أكثر خطورة في نسب الحوادث، بينما وجد أن القطارات قد حققت نتائج دولية في خفض نسب الحوادث».

وبين عسيري، أن «وسيلة حصل النقل القطاري تعد أفضل من وسائل النقل الجوي، من حيث السرعة في الوقت واختصار المسارات، فعلى سبيل المثال سوف يكون أسرع وقتا في وصول المعتمرين والحجاج إلى الحرم المكي أي (من الباب إلى الباب) بعكس ما هو في وسائل الطيران التي يمر بها المسافر بمراحل كثيرة منذ وصوله إلى المطار وانتظار سيارة الأجرة ومن ثم الوصول إلى نقطة تبعد عن الحرم المكي والكثير من الأمور كما هو ملاحظ في مدينة دبي نرى تزاحما على القطار من العوائل الخليجية، ولهذا سوف تحقق جذبا كبيرا للمسافرين، مما يجعل القطار يخطف كعكة كبيرة من سوق النقل في السعودية».

وأشار ومدير النقل في شركة «مدرار»، إلى أنه «بحسب الإحصاءات فإن الفرد ينفق على مواصلات النقل نحو 30 في المائة من دخله ومن المتوقع أن تنخفض تلك النسبة إلى 15 في المائة حالة تدشين وتشغيل القطارات بشكل عام وقطار الحرمين بشكل خاص في منطقة مكة المكرمة الذي يعد المنافس الكبير للوسائل الأخرى».

وزاد «سوف يسهم قطار الحرمين في استقطاب نحو 70 في المائة من حجم عوائد استثمارات وسائل النقل الأخرى، خاصة في وقت المواسم في الحج والعمرة، علاوة على استقطابه أكثر من 35 في المائة في الأوقات الغير موسمية، بل قد تزيد مع ربط المحطات بين المدن والمحافظات التي يمر بها القطار، خاصة أن المطار يستقبل نحو 80 مليونا، وبالتالي فإن السائح يجد أمامه محطة تختصر البحث عن سيارة أجرة ونحوها وهذه عوامل محفزة للفرد». واستطرد عسيري «يجب أن تكون هناك خطط استراتيجية وهذا المتوقع من حيث توفير المواقف للمسافرين عبر القطارات بما لا يقل عن 5 آلاف موقف وبرسوم رمزية وإنشاء أرصفة ومظلات وتوفير حافلات في المحطات لتسهيل تنقل المسافرين والمعتمرين، إضافة إلى ضرورة أن يحصل الزائر والمقيم على التذاكر من أي مكان ومن خلال الموقع الإلكتروني لتسهيل عملية الحجوزات لديهم».

من جهته، قال خالد بن عبد الله الحقيل، مدير عام شركة النقل الجماعي في السعودية لـ«الشرق الأوسط»: «من الضروري تطوير وسائل النقل بشكل عام في السعودية فهي بحاجة إلى كافة تلك الوسائل سواء مشاريع القطارات أو سيارات الأجرة أو الحافلات لتحقيق الاحتياجات اليومية للأفراد».

وأضاف الحقيل «لا شك أن قطار الحرمين سيستحوذ على حصة وشريحة كبيرة من اليوم إلى الغد من وسائل النقل الأخرى ومن النقل الجماعي أيضا، مرهونة بالاحتياجات والأسعار وعمليات التنظيم، ولكن ستكون هناك عمليات تكاملية فيما بينهما، فالقطار سيولد حصصا أخرى من خلال منشآته كالمحطات التي تحتاج لوسائل نقل أخرى من حافلات ومركبات صغيرة، إضافة إلى خدمة فئة كبيرة حينها بالانخراط للعمل فيه».

وحول حجم الاستثمارات في وسائل النقل قال الحقيل «في الواقع لا توجد هناك أرقام معلنة لحجم الاستثمار في هذا القطاع، بينما في الدول الأخرى تظهر هناك إحصاءات وأرقام حول قطاع النقل».

وأضاف «المعتمرون والحجاج لا يزال عددهم في تصاعد، وتتزامن معهم أعداد الحافلات سنويا مع تلك الزيادة، فلن يكن من المشروع إلى أن يقلل من تلك الحافلات ليسهل وييسر الحركة المرورية ويستقطب أعداد كبيرة للتنقل بين المشاعر المقدسة، مرورا بمحافظة جدة التي ستحظى بحراك خلال تدشين محطات القطار بها وتسريع عجلة تحركهم من وإلى المطار في وقت قياسي مغاير تماما عما هي عليه الحافلات».

من جانبه، قال الدكتور محمد بن عبد العزيز بن معمر، وكيل الوزارة المساعد للدراسات والمعلومات في وزارة النقل والمواصلات: «يعكس ذلك المشروع الكبير في تاريخ وزارة النقل السعودية الكثير من الأمور الاقتصادية والاجتماعية، علاوة على خفض الحركة المرورية بين تلك المدن، وسيكون منافسا قويا لنظيره النقل الجوي وسيحقق نجاحا في استقطاب الركاب المسافرين والحجاج بين المدينة المنورة ومكة المكرمة مما سيجعل هناك نسبة من عملاء النقل الجوي ووسائل النقل البري تتجه إلى عالم جديد من حيث الأداء وتوفير الوقت والجهد».

ويتفق مجموعة من الأفراد في السعودية على أن العوامل التي أعلن عنها مؤخرا في مشروع القطار ستجعل الجميع ودون تردد في التنقل عبر قطار الحرمين لكونه يختصر المسافات بشكل لا يسمح بالمقارنة بوسائل النقل الأخرى فشركة النقل الجماعي وشركات والحافلات الأخرى وسيارات الأجرة أيضا لن يكون لها مكان في ظل وجود هذه الإمكانات العالمية التي وضعتها الدولة في مشروع ضخم». بدوره، أوضح المهندس عبد العزيز الحقيل، رئيس عام المؤسسة العامة للخطوط الحديدية لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشروع أحد أكبر مشاريع توسعة شبكة السكك الحديدية في السعودية (475 كم)، وهو مهيأ ومصمم لاستيعاب أكثر من ثلاثين مليون راكب سنويا ما بين مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة مجهزة بأنظمة إشارات واتصالات حديثة بأحدث التقنيات المستعملة في القطارات العالمية، إضافة إلى التجهيزات التي تجمع بين الضرورة والترفيه والمتعة العالية».

وأضاف «يتضمن المشروع إنشاء عدد من محطات الركاب في كل من وسط جدة ومطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة ومحطة أخرى بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، وبحسب الدراسات المتخصصة فإن أعداد الحجاج والمعتمرين سوف تتضاعف خلال الـ25 سنة المقبلة، وهو ما يؤكد أهمية الدور المستقبلي لقطار الحرمين كوسيلة نقل سريعة وآمنة وفعالة ومهمة لمواجهة عدد من التحديات من أبرزها تخفيف حدة الاختناقات المرورية في مواسم الحج والعمرة، ويحيي الآمال بتوسع نشاط النقل بالقطار على هذا المسار والاستحواذ على مساحة واسعة في سوق النقل أثناء هذه المواسم نظرا لما يتمتع به القطار من تجهيزات تجمع بين الضرورة والترفيه والراحة ووسائل السلامة الأمان والسرعة الذي يوفرها، ناهيك عن تقليل التلوث الناتج عن عوادم السيارات».

وحول آليات الصيانة في حالة أي خلل فني قال الحقيل «جميع الأمور أخذت في الحسبان وسيتم أخذ الاحتياطات اللازمة في مثل هذه الظروف وهناك بالفعل دراسة خاصة بتوفير خطط بديلة على وجه السرعة لتجنب أي عطل مفاجئ، سواء أكان فنيا أم غيره مثل ما هو معمول به في الدول الأوروبية المتقدمة في استعمال القطارات بكثافة، إضافة إلى صيانة وتشغيل المشروع لتوفير الطاقة الإضافية لمجابهة نمو الطلب طيلة فترة عقد التشغيل، وسيكون للمشروع دور حيوي في عمليات نقل الحجاج والمعتمرين بين المدينتين المقدستين، وخاصة في مجال التخفيف من الاختناقات المرورية، إضافة إلى بناء ورش لصيانة القطارات والعربات ومعاهد للتدريب».

وزاد «كما تعلمون فإن المؤسسة انتهت مؤخرا من ترسية جميع منافسات المشروع وجار العمل في تنفيذها وفقا للخطة المعتمدة، وكان آخرها توقيع عقد المرحلة الثانية التي تعنى باستكمال البنى العلوية وتشمل توريد وتركيب القضبان الحديدية وأنظمة الإشارات والاتصالات ونظام كهربة الخطوط وتوريد 35 قطارا سريعا مزودة بكل وسائل الترفيه ومستويات السلامة العالية طبقا للمواصفات الدولية المعمول بها، كما تشمل تشغيل وصيانة المشروع خلال مدة العقد البالغة 12 عاما».

واستطرد «إن مدة تنفيذ عقد هذه المرحلة تصل إلى 42 شهرا تبدأ بعد تسلم المواقع، وهو ما يؤكد استعداد المشروع لتلبية احتياجات التشغيل وبما يمكن من تسيير قطارات في أوقات الذروة في حدود قطار كل ساعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وقطار كل خمس دقائق ما بين جدة ومكة المكرمة وبالعكس».

وحول السعر المتوقع للتذاكر والدرجات الخدمية للمسافر، قال رئيس عام المؤسسة العامة للخطوط الحديدية «بالتأكيد ستكون هناك درجات وفئات يختارها المسافر، حيث سيتوفر بالقطار درجتان أولى وثانية، ولكل منهما مميزاتها، أما بالنسبة للأسعار فسيتم تقديرها وفق آلية الأسعار المعمول بها في وسائط النقل الأخرى وسيتم أخذ كل شيء في الاعتبار قبل تشغيل المشروع».

يذكر أن مشروع قطار الحرمين هو مشروع خط سكة حديدية كهربائي بسرعة تصل 300 كم في الساعة يربط بين منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة مرورا بمحافظة جدة بطول 480 كم، و5 محطات ركاب، منها محطة في مكة المكرمة، ومحطتان في مدينة جدة في كل من مطار الملك عبد العزيز الدولي ووسط المدينة، والمحطة الرابعة ستكون في المدينة المنورة، إضافة إلى محطة خامسة في رابغ بطاقة استيعابية للقطار تتكون من 35 قطارا، وأكثر من 300 عربة، وأن نسبة الكوادر الوطنية التي ستشغل الوظائف الموفرة عن طريق المشروع ستصل إلى نسبة 70 في المائة.

الجدير بالذكر أن اللجنة المشكلة من وزارة النقل وأمانات المدن بمشاركة إدارة المرور من وضع دراسة ميدانية بعد هدم العقارات الواقعة على مسار القطار لتحويل سير المركبات بطريقة انسيابية لتفادي الزحام الناجم عند بدء الإزالات ويقارب عدد العقارات المنزوعة لصالح المشروع نحو 1086 عقارا في المنطقة الواقعة بين محطة قطار الحرمين السريع في مكة المكرمة، مرورا بمحطة القطار في محافظة جدة وحتى محطة القطارات في رابغ لإزالتها لصالح مشروع قطار الحرمين السريع.