د. عادل العيد لـ «الشرق الأوسط»: العالم يتحول إلى القياسات الحيوية.. والسعودية تقود المبادرة إقليميا

خبير التقنية الأحدث شدد على أن أحداث 11 سبتمبر نقطة تحول مهمة في استخدام أميركا لها بشكل واسع لأول مرة في تاريخها

د. عادل العيد
TT

وضعت السعودية اسمها في مقدمة الدول التي تبنت تطبيق تقنية القياسات الحيوية في جميع مرافقها، ضمن سعيها الجاد في تحصين مجتمعاتها بهذه التقنية، وتسخير جميع الإمكانيات لتقوية المجال الأمني والخدمي للسكان والمقيمين، حيث إن استخدام هذه التقنية التي تعد الأحدث في عالم اليوم تعدى توثيق المعلومات الشخصية الأمنية ليشمل أنظمة التجارة والأنظمة الصحية والتأمين والبنوك والتحكم في الدخول إلى الحاسب والإنترنت وغيرها من الأنظمة المدنية الأخرى.

وأبلغ «الشرق الأوسط» الدكتور عادل بن عبد الرحمن العيد، خبير أنظمة القياسات الحيوية، بأن بلاده تعد من أوائل الدول العربية والإسلامية التي تبنت تطبيق تقنية القياسات الحيوية في جميع المرافق على حد سواء. وسخرت جميع الإمكانيات لتقوية مجالات استخدام هذه التقنيات لخدمة المواطن والمقيم، محاولة بذلك نشر هذه التقنية بشكل عام من خلال أنظمة الدولة المختلفة.

وشدد الدكتور العيد على أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 مثلت نقطة تحول هامة في استخدام القياسات الحيوية في التحكم في الدخول المادي الحسي والافتراضي في كثير من دول العالم، موضحا أن هناك تغيرا في معظم دول العالم، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الحكومة الأميركية وافقت على المضي في الانتشار الواسع الجماعي للقياسات الحيوية لأول مرة في تاريخها، حيث سيحمل أكثر من سبعة ملايين موظف بطاقات تعريف للهوية التي تشتمل قياسات حيوية، وذلك في مجال النقل والمواصلات والنقل الجوي والبحري والبري. وبالإضافة إلى ذلك سوف يحمل خمسمائة مليون زائر للولايات المتحدة وثائق عبور الحدود، التي تشتمل على القياسات الحيوية، مضيفا أن مجموعة الدول الثماني مدفوعة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية قد وافقت في يونيو (حزيران) عام 2003 على استخدام مواطنيها وثائق عبور الحدود التي تتضمن القياسات الحيوية، لافتا إلى أنه توجد صعوبات كبيرة في التطبيق، إلا أن الضرورة العاجلة لإنجاز المهمة لا تحتمل تأخيرا طويلا. وجاء نص الحوار مع الخبير الدكتور عادل العيد كما يلي:

* بداية، نريد تعريفا مبسطا عن مفهوم القياسات الحيوية.

- يمكن تعريف القياسات الحيوية على أنها منحى أو اتجاه أو سمة فسيولوجية أو سلوكية موجودة في الإنسان يمكن قياسها، ومن ثم يمكن التعرف عليها لكي تؤكد هوية أحد الأفراد. وعلى الرغم من أننا وبلغة العصر الحديث نقيس رياضيا القياسات الحيوية الآلية، ومن ثم التعرف عليها، لذا نعرفها بأنها ذلك الخاتم الإلهي الذي ميز الله به كل إنسان عن غيره، وهي ليست منحصرة في سمة فسيولوجية وسمة سلوكية، حيث إن لكل إنسان تميزا عن غيره في جميع صفاته الفسيولوجية والسلوكية. لذا أطلقت كلمة «بصمة» على كثير من القياسات الحيوية الفسيولوجية مثل بصمات أصابع اليد والقدم والوجه والعين والصوت والرائحة والأذن، والسلوكية مثل طريقة المشي والضرب على آلة الطباعة والتوقيع. ومع ذلك فإن جميع خواص الإنسان هي بصمات تدل عليه وتدل على أكبر من ذلك ألا وهو التفرد في الخلق، حيث إن كل إنسان متفرد بخواص له وحده، حتى الشعر والمخ لهما بصمة.

* كيف نشأت وتطورت أنظمة القياسات الحيوية؟

- يؤكد الباحثون في دراستهم أن الإنسان عرف البصمات منذ عصور ما قبل التاريخ. فلقد وُجد في جزيرة نوفاسكوتيا جنوب شرقي كندا حجر نُحت عليه شكل يد عليها رسومات توضح أشكال البصمة. كما عثر على كثير من الأواني الفخارية التي تركها البابليون والأشوريون آثار بصمات عليها، كما وجدت بعض البصمات المنقوشة في كهوف جبال البيرينة في إسبانيا، ووجدت بعض النقوش للبصمات في جزيرة كافرنيس التي تقع على الساحل الشمالي لفرنسا. وذكر أيضا في كتب الصينيين أنه كان يتم وضع بصمات الأصابع على العقود التجارية عند إبرامها، كما كان يطلب من الرجل الذي يريد طلاق زوجته أن يضع بصمته على عقد الطلاق بعد ذكر أسباب الطلاق. وهنا يمكن القول إن الصين من أوائل الدول التي استخدمت البصمة، ليس لتحقيق الشخصية ولكن لطقوس دينية. وفي القرن الرابع عشر الميلادي وجد أن الدولة الفارسية تذيل جميع الأوراق الحكومية الرسمية ببصمة المسؤول، وكان ذلك بحضور طبيب.

وقد ثبت تاريخيا أن تقنيات التحقق باستخدام القياسات الحيوية موجودة منذ القدم، وقد نتساءل عما كان يقوم به جدي وجدك في ذلك الوقت. حيث كانوا يتبايعون في ما بينهم ويكتبون العقود ويبصمون عليها وكذلك الحكومات، وما زالت بعض مكاتب الدول تفعل ذلك، إذ يطلب من الناس البصم على الأوراق الحكومية وأوراق ممتلكاتهم، وخصوصا أوراق ملكية الأراضي، وتسمى في المملكة العربية السعودية بـ«الصكوك»، دون التأكد من صحتها، أعني بذلك البصمة. وقد درجت جميع شعوب العالم على بصم وتوثيق أوراقهم الخاصة والعامة دون أن يعرفوا لماذا يبصمون وما هو الأساس في ذلك. ويمكن تتبع مبادئ تاريخ وتطور استخدام القياسات الحيوية من العصور القديمة.

إن مفهوم أجهزة القياس الحيوية والمتوفرة على النطاق الأمني والتجاري للقيام بعمل القياسات الحيوية مثل إثبات وتحقيق الهويات وبشكل آلي قد بدأ في الوجود وبشكل فعال منذ أواخر عام 1960. وقد ساعد تطور الأحداث خلال السبعينات والثمانينات من القرن العشرين مع قفزة كبيرة لصالح هذه القياسات في أواخر الثمانينات، وعند أوائل التسعينات من القرن العشرين قامت مجموعة من مصنعي أجهزة القياسات الحيوية بتقديم الكثير من التقنيات الفنية بما يشمل بصمة الأصابع واليد وفحص بصمة الوجه وشبكية العين، وإثبات الشخصية بالصوت، والتوقيعات. وقد اكتملت تلك القياسات الحيوية السابقة بقياسات فحص الحمض النووي (DNA) وبعض التقنيات الأخرى، مما أدى إلى توفر اختيار تقني فني مثير لاهتمام العاملين الأولين بها. وبالتوازي مع التطور التكنولوجي، فلقد اجتذب المجال قدرا كبيرا من الاستثمار في ما كان يعتبر تقنية على حافة الاختيار والتبني الجماعي عبر نطاق واسع من التطبيقات.

وفي بداية كل عام من أعوام التسعينات من القرن العشرين كان هناك شعور بالتفاؤل بأن ذلك العام سيكون عام الدراسات الحيوية، وكانت نهاية كل عام تتميز بالارتباك وتعبيرات الحيرة على وجوه هؤلاء الذين توقعوا وبثقة حدوث تقدم كبير في النمو في صناعة أجهزة القياسات الحيوية، إلا أن هذا وببساطة لم يحدث وبالطريقة التي اقترحتها التوقعات. وبدلا من ذلك رأينا–وبشكل مستمر ولكنه متزايد – نطاقا بسيطا من تبني الإنتاج في مجالات التطبيقات الخاصة بالقياسات الحيوية، وفي الغالب في مجالات التطبيقات العسكرية والسيناريوهات الحكومية والخدمة العامة، وشملت تلك التطبيقات كذلك السجون والمطارات بشكل مبدئي لأغراض التحكم في الدخول، وحتى مع تلك التطبيقات التي فشلت. وتم القيام بسحبها من الأسواق لاحقا، لأنها قدمت فرصة حقيقية للتعلم من التطبيقات غير العملية للتقنية، بالإضافة إلى بعض القضايا والمسائل التي تم إلقاء الضوء عليها كنتيجة لتلك الدراسات الرائدة. وسواء كنا قد تعلمنا كل هذه الدروس أو لم نتعلمها كما يجادل الكثير من المستشارين والممارسين لهذه التقنيات حول ذلك وبالاعتماد على أداء الأجهزة النظرية، فإن القياسات كأساس للحلول تعتمد على التطور. وهؤلاء الذين كانوا قريبين من التقنية وتطبيقاتها المحتملة منذ البداية، وكانوا على علم بأن هناك القليل من ذلك الأمر يضاف إليها أكثر من ذلك، وبالذات حينما نأخذ في الاعتبار التطبيقات التي تتم على نطاق واسع في الإطار العام.

وعلى النقيض من كل الخلفيات التي تم تصورها وعرضها في السابق، فلقد كان هناك الكثير من التعاملات مع هذه القضايا، التي تم رؤيتها كعقبات لتبني الطريقة على نطاق واسع. وهذا يشمل بعض العوامل مثل أفضل الممارسات في الاختبارات والمقاييس والمعايير العالمية عند التعامل مع الوجه البيني للأجهزة. ولا ننسى أن هناك مجموعة من القضايا العالقة، التي يجب أخذها في الاعتبار، ومنها العوامل الإنسانية والبيئية، التي وبشكل عام وثيقة الارتباط بتبني القياسات الحيوية على نطاق واسع. هذا وقد كان من الممكن أن يكون مفهوم العمل بالقياسات الحيوية في تحقيق الهوية الثبوتية قد قطع أشواطا بعيدة، وسلك مناحي أكثر ما لم تقع الأحداث المأساوية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. والتي استحدثت معها إعادة التركيز الأكثر للأضواء على إثبات «الهوية الثبوتية» بشكل عام.

* ما أشهر الأنظمة الآلية للقياسات الحيوية؟

- أنظمة القياسات الحيوية كثيرة جدا، وذلك لأن أي عضو من أعضاء الإنسان أو تصرفاته مميزة عن الآخرين من بني جنسه، ومن أشهر الأنظمة الآلية للقياسات الحيوية وتطبيقها في عدة مجالات «Biology–البيولوجية أو البيومترية» للتحقق من الهوية والتطور الهائل في تطبيقها في كل من القطاعين الحكومي والخاص. وقد أثارت مثل تلك التطورات الكثير من الجدل بسبب الطبيعة الخاصة للقياسات الحيوية وتناسبها مع الهوية الشخصية. فهل نحن نتحرك نحو عالم رقابي أكبر يسبب الأذى والضرر لكل المواطنين والمقيمين والزائرين؟ هل يمكن وضع الثقة في المؤسسات الكبيرة والحكومات في إدارة ومعالجة مثل تلك البيانات الشخصية بطريقة تتسم بالشفافية والكفاءة والسرية؟ هل تمثل تلك التقنيات آليا نعمة أم نقمة في ما يرتبط مع التطبيقات العامة على نطاق واسع؟ وهل هذه التقنيات الآلية الخاصة لا تشوبها شائبة ومنزهة عن الأخطاء، كما يدعي بعض مزوديها ويريدوننا أن نصدق ذلك؟ ويجب علينا أن نأخذ هذه الأسئلة والتخوفات على محمل الجد، ويجب أن تؤخذ في الاعتبار حال الشروع في تطبيقها.

ولكن أقول هنا ليست التقنية وحدها التي يجب أن نحذر منها، ولكن كذلك الطريقة التي تطبق بها تلك التقنية. لذلك فإنه لكي يتم تصميم وتنفيذ أي تطبيق بطريقة سليمة يجب فهم كل المسائل والقضايا المتعلقة به. وللحديث عن أهمية هذه التقنيات وانتشار استخدامها في معظم دول العالم نستعرض بعض المعلومات من التقرير السنوي الذي يصدر عن المنظمة العالمية للأنظمة الحيوية (IBG)، فقد جاء في التقرير الذي صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008 أن المنظمة العالمية تتوقع أن ترتفع قيمة أنظمة القياسات الحيوية البيومترية في السوق العالمية خلال الفترة ما بين (2009–2014) من ثلاثة مليارات دولار واثنين وأربعين مليونا إلى تسع مليارات وسبعة وثلاثين مليون دولار. أي أن النمو في هذا المجال في خلال السنوات الخمس يزيد عن الضعف. ويقول التقرير إن هذا النمو تقوده كل من القطاعات الأمنية الحكومية، متمثلا في بطاقة الهوية وأنظمة الحدود ودخول الأماكن الأمنية والسجون، وكذلك القطاع الخاص الذي يطبق تلك الأنظمة في دخول الموظفين وانصرافهم من المنشآت وضبط المستودعات والبنوك والمستشفيات في صرف الأدوية والدخول إلى الأماكن الحساسة وغيرها. ويأتي في مقدمة تلك الأنظمة نظام بصمات الأصابع بواقع 45.9 في المائة، وتليها بصمة الوجه بواقع 18.59 في المائة، وبعدها بصمة العين بواقع 8.3 في المائة، التي يتوقع أن تنمو مبيعاتها إلى خمسة ملايين عام 2012. كما يذكر التقرير أنه تم وضع بعض الأنظمة الحيوية التي تعمل بشكل أنظمة متعددة السمات مثل أنظمة بصمة الإصبع مع أنظمة بصمة الوجه في إصدار بطاقات الهوية.

ويذكر التقرير أيضا أن أكبر المستفيدين من هذه الأنظمة هي الدول الآسيوية ودول أميركا الشمالية. وقبل الحديث عن أشهر تلك الأنظمة الآلية والأكثر شيوعا واستخداما في العالم وتطور ها واستخداماتها والأساليب العلمية المتبعة في التعرف عليها، لا بد من تناول العوامل التي تؤثر على انتشارها وتساهم في زيادة أهميتها، والمتمثلة في: قدم وانتشار النظام حيث يعطي النظام الموثوقية العالمية، لذا نجد أن نظام بصمات الأصابع أشهر تلك الأنظمة ومطبق في معظم دول العالم. ويعود استخدام النظام إلى مائة عام، إضافة إلى أهمية النظام وتعدد استخداماته، حيث تكمن أهمية النظام في استخداماته. وكلما زادت استخداماته في مجال الحياة اليومية زاد انتشاره وتبنيه من الدول والشركات، وأكبر دليل على ذلك انتشار نظام بصمة الأصابع، كما أن اكتمال البحوث في النظام واعتماد تطبيقاته. وذلك حسب المعايير العالمية والقوانين الموضوعة لاجتياز جميع الاختبارات المصممة لتلك التقنية، بالإضافة إلى أن سهولة استخدام النظام وكفاءته تعطي المستخدم الثقة، وبالتالي تزيد الرغبة في التعامل مع النظام مما ينتج عنه زيادة في الانتشار، وكل العوامل السابقة تساعد وبشكل كبير على بناء مستقبل لهذه التقنية، وبالتأكيد سوف تتطور التقنية وسيكون الاستخدام لها أمرا محتما.

وهناك أنظمة أخرى للبصمات لا تنطبق عليها هذه العوامل على الرغم من الاهتمام بها بصورة أو بأخرى، بدءا بالأوساط العلمية ومراكز الأبحاث. وسنبدأ بأول بصمة عرفها التاريخ، بصمة الأصابع، حيث وضع المختصون المقاييس لتدل على تميز ذلك الفرد عن بقية البشر. وكان ذلك خلال المائة سنة الماضية، وقد ساهمت الوكالات المعنية بتطبيق القانون في تطويره وتطبيقه، نذكر منها على سبيل المثال مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI) والشرطة الدولية، الإنتربول (Interpol).

ولقد أعطت المقاييس الحيوية أو ما يسمى الخواص البيولوجية (Biometric)، التي من أشهرها بصمة الإصبع، وبصمة الوجه، وبصمة العين، والبصمة الوراثية أو ما يسمى الحمض النووي (DNA)، أبعادا جديدة لعملية تحديد الهوية الشخصية. فقد مكنت المختصين من استخدام الوسائل الحديثة والتقنيات الآلية المتطورة من أجل تقديم درجة عالية من الدقة والأمان والشفافية في مسألة التحقق من الشخصية. وهذا لم يكن متاحا في السابق، عندما كانت الوسائل المستخدمة هي فقط الإمكانيات البشرية واليدوية، وباستخدام المعلومات الوصفية مثل «الاسم–العنوان–الطول–العلامة الفارقة–معاينة الصورة الشخصية»، التي غالبا ما يصاحبها الكثير من الأخطاء البشرية المعتادة. ومع تطور العلم تم استخدام الحاسب الآلي واستخدم الرقم المميز أو ما يسمى «PIN»، ولكن تمت اختراقات أمنية، وتزامنا مع تطور أنظمة الحاسب الآلي، لذلك تم البحث عن وسائل أكثر أمانا للمعلومات المخزنة في قواعد البيانات المركزية، ووجد العالم ضالته في تطوير أنظمة القياسات الحيوية المعتمدة على العنصر البشري لإنهاء هذه الاختراقات الأمنية، وتقديم خدمة أفضل على المستوى الأمني للدولة والشخص.

ومع ذلك فإن القياسات الحيوية الآلية لا تحقق الدقة المطلوبة أو الغرض المرجو منها إذا لم يصاحبها تطور في التقنية المستخدمة، وتأهيل للكوادر البشرية العاملة تأهيلا يتناسب وأهمية الخدمة التي تقدمها مثل هذه الأنظمة الحيوية الآلية.

وهنا يرى بعض المهتمين أن هذه التقنية ما زالت في مراحلها الأولى، وأن القياسات الحيوية ما زالت تمثل تكنولوجيا حديثة، ولن يتم الاستفادة منها بصورة كبيرة في القريب العاجل. ولكن حقيقة الأمر غير ذلك، فهناك نسبة كبيرة من نظم القياسات الحيوية الآلية تم استخدامها في أنحاء متفرقة من العالم في العقود المنصرمة، وقد استمرت هذه التقنية في تقدم مضطرد، وصاحبها انتعاش في مجالات أخرى مثل الاتصالات ومعالجات الحاسوب، وخصوصا في هذا العقد الذي انفرد بأحداث وحروب كبيرة. كما صاحبها تطور في المجتمع، وهذه العوامل مجتمعة أدت إلى خلق فرص جديدة للتكامل بين القياسات الحيوية والعمليات الأخرى من أجل المصلحة العامة، تتمثل في إعطاء موثوقية عالية في مختلف مجالات استخدام مثل هذه التقنيات. لذا رأت حكومات الدول المتقدمة والحريصة على الأمن، ومنها حكومة خادم الحرمين الشريفين، استخدام تقنية الخواص البيولوجية بعد الدراسات والتجارب التي أثبتت جودة ميزة هذه الأنظمة الآلية، والتي يمكن بواسطتها تمييز بصمة الأصابع أو بصمة الوجه أو بصمة العين ومضاهاتها وحفظها في البطاقات الذكية لتحديد هوية حامل البطاقة. وتخدم أنظمة القياسات الحيوية القطاعات الأمنية والخدمية والمدنية ذات العلاقة مثل الشرطة والأدلة الجنائية والأحوال المدنية والجوازات ومكافحة المخدرات وحرس الحدود وإدارات الترحيل وغيرها من القطاعات ذات العلاقة. ويتم حفظ بصمات المستخدمين أيا كان نوعها في قواعد معلومات آلية، وربطها بالمعلومات الشخصية الخاصة بالمواطن والمقيم والقادم عبر المنافذ وأرباب السوابق والمبعدين من البلاد وتوثيق دخول وخروج المسافرين. وقد سعى كثير من الدول في استخدام البطاقات الذكية لتخزين المعلومات والبصمات لغرض التحقق من الهوية أو التعرف على الهوية، وستكون الوثيقة الرقمية التي تمكن حاملها من استخدامات كثيرة، ومنها شبكة الإنترنت للاستفادة من الخدمات الإلكترونية التي تقدمها القطاعات الحكومية والخاصة.

* ما أبرز استخدامات نظام القياسات الحيوية؟

- إن استخدامات أنظمة القياسات الحيوية كثيرة جدا، فمنذ منتصف عام 1970 تم استخدام نظام البصمات الآلي آفس (AFIS)، أي منذ 40 عاما. وكان ذلك في مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية (FBI) لمعالجة الملايين من بطاقات البصمات المخزنة في الملفات المحفوظة يدويا. وكان ذلك الاستخدام الأول، حيث تم استخراج النتائج وضمها إلى السجل الجنائي للشخص، ومنها توالت الاستخدامات التي تطورت مع تطور التقنية، ومن أهمها في الشؤون الأمنية: أنظمة الأدلة الجنائية، أنظمة السجون، أنظمة جوازات السفر، أنظمة مراكز الترحيل (الجوازات)، أنظمة الرقابة والسيطرة على الحدود، أنظمة الأحوال المدنية، أنظمة الضمان الاجتماعي، أنظمة الانتخابات والتصويت، أنظمة مراقبة الحدود والمطارات. وفي مجال تطبيقات القياسات الحيوية على الأنظمة المدنية والخدمات العامة تمت الاستفادة منها في مجالات: أنظمة التجارة، أنظمة مراقبة الدوام، أنظمة الصحة، أنظمة البنوك، أنظمة التأمين، أنظمة المنح والتخصيص، أنظمة التحكم في الدخول إلى الحاسب والإنترنت، أنظمة التعليم.

* هل لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 دور في التحول الهام في استخدام القياسات الحيوية وتبني الكثير من الدول ومنها السعودية تطبيق هذه التقنية؟

- تعد المملكة من أوائل الدول العربية والإسلامية التي تبنت تطبيق تقنية القياسات الحيوية في جميع المرافق الأمنية منها والاجتماعية على حد سواء. وسخرت جميع الإمكانيات لتقوية المجال الأمني والخدمي للمواطن والمقيم، محاولة بذلك نشر هذه التقنية بشكل عام من خلال أنظمة الدولة المختلفة التي تختص بتسجيل المواطنين وإصدار الوثائق اللازمة لهم وللتعرف والتحقق من شخصيتهم.

وقد مثلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 نقطة تحول هامة في استخدام القياسات الحيوية في التحكم في الدخول المادي الحسي والافتراضي في دول كثيرة من دول العالم. فإن هناك تغيرا في معظم دول العالم، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الحكومة الأميركية وافقت على المضي في الانتشار الواسع الجماعي للقياسات الحيوية لأول مرة في تاريخها، حيث سيحمل أكثر من سبعة ملايين موظف بطاقات تعريف للهوية، التي تشتمل قياسات حيوية، وذلك في مجال النقل والمواصلات والنقل الجوي والبحري والبري. وبالإضافة إلى ذلك سوف يحمل خمسمائة مليون زائر للولايات المتحدة وثائق عبور الحدود، التي تشتمل على القياسات الحيوية.

وعلاوة على ذلك فإن مجموعة الدول الثماني أو ما يعرف بمجموعة الـ8، مدفوعة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، قد وافقت في يونيو عام 2003 على استخدام مواطنيها وثائق عبور الحدود التي تتضمن القياسات الحيوية، مع العلم بأنه توجد صعوبات كبيرة في التطبيق، إلا أن الضرورة العاجلة لإنجاز المهمة لا تحتمل تأخيرا طويلا.

* قدمت بحثا باللغة العربية غير مسبوق في مجال أنظمة القياسات الحيوية في ظل ندرة الكتب العربية التي تتناول هذا المجال، هل من إيضاح لما رصدته في هذا البحث؟

- العالم يتغير بسرعة، وشهد العقد الماضي فقط إدخال بعض الأفكار على تقنيات القياسات الحيوية وصارت تستخدم في مجالات مختلفة غير الأمنية، بل إن سوق الأنظمة الحيوية صارت ذات قيمة كبيرة جدا، حيث ستبلغ عام 2014م نحو 9 مليارات دولار، وذلك حسب التقرير الصادر من المنظمة العالمية لأبحاث الأنظمة الحيوية، أي أن النمو في هذا المجال خلال السنوات الخمس يزيد عن الضعف، لذا كان لزاما علينا أن نحرص على مواكبة الركب في الأمور الاقتصادية أيضا، كما شهد هذا العلم بعض الاتجاهات الاجتماعية الأخرى. وبخصوص البحث الذي أنجزته في هذا المجال وقدمته في كتاب عنونته بـ«أنظمة القياسات الحيوية، من الطموحات إلى التطبيقات العملية»، عرضت فيه أشهر القياسات الحيوية والطموحات التي تنظر إليها المجتمعات وإلى التطبيقات العملية التي تؤدي إلى نجاح تلك الأنظمة في المحافظة على المكتسبات الوطنية وتطبيق أرقى النظم الأمنية، وعرضت في ثناياه أهم الجوانب النظرية والتطبيقية التي عمت كثيرا من التطبيقات المختلفة في الحياة اليومية. وقد ركز الكتاب بشكل كبير على ما هو مطلوب لتصميم وتنفيذ وتطبيق أنظمة القياسات الحيوية، مع ذكر عوامل التقنية والعوامل البشرية التي ترتبط بهذا الجانب، وكل ما ذكر في ثناياه من واقع تجارب عملية خضت تطبيقاتها.

وأرى أن أهمية الكتاب تكمن في رصده للتطور السريع والمذهل في تطبيقات أشهر تقنيات القياسات الحيوية الآلية في العالم وكيفية العمل بها وكيفية تطورها، حتى أصبحت تعمل تحت نظام وقاعدة بيانات مشتركة تضم تلك القياسات مجتمعة، كما يمكن تحقيق هوية فرد ما بها جميعا أو بتقنية واحدة، مما أعطى هذه الأنظمة قوة وموثوقية.

وقد استخدمتها الدول التي تنشد التطور الأمني، والتي بذلت الكثير من المال والجهد في بناء تلك الأنظمة الأمنية المتقدمة. ومن ناحية تطبيق الأنظمة الحيوية تعتبر المملكة العربية السعودية من الدول الرائدة في تبني هذه الأنظمة، إضافة إلى رصد التغيرات المجتمعية والسياسية التي استحدثت كنتيجة للتطور في تقنية القياسات الحيوية، والتركيز على العوامل الفنية والتقنية والتطبيق والاستخدامات المؤثرة على تطوير التقنية وفق تطبيق معايير وقوانين دولية، ولعل ندرة الكتب العربية في هذا المجال وخلوّ المكتبات العربية من كتب عربية ترصد هذا العلم الذي له تأثيرات إيجابية على توثيق المعلومات الشخصية والأمنية للمجتمعات. والمتوافر على قلته لا يعطي الموضوع ما يستحقه من أهمية، وهو ما جعلني أطرق هذا الموضوع، خصوصا وأن هذه التقنيات متجددة الاستخدام، حيث إنها أنشئت لأجل مكاتب الأدلة الجنائية، وللقبض على المجرمين. والآن أصبحت تستخدم في التعرف على الشخصية، وغيرها من الاستخدامات كالانتخابات والمطارات والمصارف والدوائر المالية الأخرى، وفي أنظمة الحضور والانصراف ودخول المنشآت وفي الجامعات، وكذلك تستخدم في الأسواق والمطاعم وفي أمور أخرى.