وادي العسلاء.. «الكورنيش الشرقي» لجدة

الانتهاء من مخططات المشروع وفي انتظار اعتماده من الأمانة لتنفيذه

48% من مساحة المشروع مناطق خضراء
TT

كشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر مطلعة في شركة «جدة للتنمية والتطوير العمراني»، انتهاءها من وضع مخططات مشروع تطويري متكامل سيمتد على مساحة تقدر بـ130 مليون متر مربع شرق المحافظة، ويحوي مناطق ترفيهية ورياضية، ومساحات مفتوحة تضم مناطق طبيعية ومراكز تعليمية وصحية ومباني متعددة الاستخدام شاملة المباني السكنية، والتجارية.

ويهدف المشروع الذي أطلقت عليه الشركة مشروع وادي العسلاء، وتنتظر اعتماده من أمانة جدة للبدء بتنفيذه، لموازنة التوجه الكبير لجدة نحو الغرب باتجاه الكورنيش، إذ كان من الضروري إيجاد شريط فراغي يوازي الكورنيش الكائن على الجانب الغربي لخلق نوع من التوازن على جانبي النسيج الحضري للمحافظة، فضلا عن الحاجة إلى استغلال الوارد من محطة معالجة مياه الصرف الصحي التي أنشئت لمعالجة مياه بحيرة الصرف الصحي الواقعة بوادي الحفنة شمال وادي العسلاء.

وتوقعت مصادر «الشرق الأوسط» أن يزور الموقع مليون زائر خلال ثلاث سنوات، مؤكدة أن العدد سيزيد إلى أكثر من ثلاثة ملايين زائر سنويا خلال 20 عاما.

وكشفت شركة «جدة للتنمية والتطوير العمراني» - الذراع الاستثمارية للأمانة - لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل المشروع والتصور المستقبلي لما ستكون عليه المنطقة، التي من المتوقع أن تستقطب نحو 83 ألف نسمة من السكان عبر بناء 45 ألف وحدة سكنية ومرافق صحية وتعليمية ستسهم في توفير 12 ألف فرصة وظيفية.

وقالت إن المشروع يوفر مناطق ترفيهية منوعة تشمل الحدائق والبحيرات، ويقدم نمط حياة بمستوى راق، ويتيح فرصا استثمارية كبيرة في منشآت تعليمية وترفيهية، مشيرة إلى أن تصميمه راعى حاجات سوق العقارات المحلية، وتوفير الفرص للمستثمرين والمطورين، إضافة إلى مراعاة حاجات السكان والزائرين.

وأوضح الدكتور وليد عبد العال، الرئيس التنفيذي لشركة «جدة للتنمية والتطوير العمراني»، أن المشروع يبعد نحو 15 كيلومترا من مركز المدينة، وقسم المشروع إلى مناطق ترفيهية على مساحة 19.5 كيلومتر مربع، تحتل نحو 15 في المائة من المساحة الإجمالية وتضم مدنا ترفيهية، وملاعب غولف، وحدائق مائية إضافة إلى حديقة سفاري.

وسيتضمن المشروع، وفقا للدكتور عبد العال، مراكز تعليمية، وفروعا لجامعات الملك عبد العزيز وعفت وجامعة دار الحكمة والجامعة العربية المفتوحة، كما سيقدم أحدث حرم جامعي في جدة للطلاب، مع مجموعة ثرية من دورات التعليم التي تعزز حصولهم على فرص العمل والدراسة في بيئة جميلة من الحدائق الغنّاء، إضافة إلى حديقة «التكنولوجيا» التي ستحوي مراكز المؤتمرات والاجتماعات ومكتبات؛ علاوة على معامل الأبحاث الحديثة المتصلة بالجامعة والمجتمع، مما سيقدم دعما قويا للاقتصاد المحلي ويعزز أهمية جدة كمركز لـ «التكنولوجيا» الحديثة. ولفت إلى أن الحديقة ستضم مجمعا تكنولوجيا من الطراز العالمي في بيئة فريدة من الغابات الطبيعية، ومشروع إسكان جامعي يسع ثلاثة آلاف طالب، مؤكدا في الوقت ذاته أن المشروع يحمل الكثير من الأهداف الاستراتيجية، من أبرزها: تطوير منطقة المشروع كوجهة تتميز باستخدامات متنوعة من الأنشطة الترفيهية والرياضية، وبيئية وتعليمية وسكنية من شانها تأمين فرص استثمارية محلية، متميزة ومتنوعة، إضافة إلى تلبية الطلب المتنامي في قطاع السياحة، ممثلا في مضمونه جزء لا يتجزأ من مبادرات تطوير المناطق العشوائية. وأكد الرئيس التنفيذي لشركة «جدة للتنمية والتطوير العمراني»، أن المشروع في تصوره المستقبلي سيسهم في توفير 12 ألف فرصة عمل للشباب السعودي، إضافة إلى توفير مشاريع رائدة تقنيا وتتميز بالاستدامة واستخدام الموارد الطبيعية، وتوفير نظم للنقل والمواصلات المتكاملة تدعم المنطقة وتربطها بمحاور المدينة كافة عبر شبكات الطرق ومن خلال أنظمة نقل خاصة.

وأضاف أن المشروع يعطي مساحات مفتوحة تمتد على 62.4 كيلومتر مربع، أي إن نحو 48 في المائة من المساحة الكاملة ستشكل مناطق طبيعية من أراض رطبة، وحديقة تكنولوجية، وغابات طبيعية، واستاد رياضي، ونادي فروسية وقاعات للأنشطة الخارجية. وقال: «سيتم تخصيص 21 في المائة من مساحة المشروع كمرافق عامة، بينما ستخصص 22 كيلومترا أخرى لمجاورات سكنية ومبان متعددة الاستخدام»، موضحا أن المجاورات السكنية ستتألف من 134 مجاورة ستطرح للقطاع الخاص بمعدل 17 هكتارا للمجاورة الواحدة على مساحة 22 كيلومترا مربعا، بينما سيتم تحديد عشرة مواقع أخرى لمراكز الأحياء مع توفير المرافق العامة الكافية ضمن حدود المجاورات السكنية سواء من مساجد أو مدارس.

واعتبر أن المشروع سيتيح توفير مجمعات سكنية تتناسب مع شرائح المجتمع كافة، إذ سيتم تخصيص 36 في المائة من الوحدات السكنية للذين تتراوح رواتبهم بين خمسة و12 ألف ريال، بينما سيتم تخصيص 34 في المائة منها لمن تتراوح دخولهم بين 12 ألف و16 ألف ريال، وفي حين ستبنى بقية المساحة لمن تتجاوز دخولهم الشهرية ذلك، لافتا إلى أن المرافق العامة التي خصصت ضمن الموقع ستكون للاستخدام من دون نقل ملكيتها، شرط تنفيذها ضمن وقت زمني محدد.

وبحسب التصميم، فإن البناء سيحمل نمط جدة التاريخية، إذ جاء تصميم وسط المشروع ليطل على بحيرات الماء العذب من قمم الجبال، أما الشوارع المطلة على القنوات وشلالات الماء فتزخر بالمقاهي والمطاعم ومراكز التسوق، وذات تصميم فريد يسهل الوصول إليها؛ بينما يراعي تصميم الحدائق والمتنزهات إتاحة الفرصة للاسترخاء والترفيه العائلي.

وعن البنية التحتية للموقع، خصوصا أنه يقع في شرق جدة القريبة من مجاري الأودية والسيول، قال الرئيس التنفيذي لشركة «جدة للتنمية والتطوير العمراني»: «المشروع صمم وفق منظومة متكاملة لمعالجة السيول والأمطار، بما يتماشى مع الاستراتيجية العامة للسيول لحماية جدة، وجار التنسيق مع الاستشاري لاعتماد هذه المنظومة، وجرى تخصيص 400 مليون ريال لتكلفة منظومة معالجة السيول والأمطار».

واستطرد الرئيس التنفيذي: «سيتم تصميم مجاري الأودية بأعلى المواصفات العالمية لحماية المشروع، لتكون ضمن منظومة التحكم في سيول أمطار مدينة جدة، بما يضمن الاستدامة في توفير بنية تحتية واختيار الكفاءات في البناء وأجود المواد، مع مراعاة التقليل من إنتاج المخلفات والنفايات، لتوفر كل هذه العوامل حياة رغيدة ومتميزة وتحقق انسجاما وتناغما اجتماعيا».

وكانت شركة «المياه الوطنية» سلمت الشهر الماضي أمانة محافظة جدة الأرض الخاصة بمشروع بحيرة الصرف الصحي في وادي العسلاء جنوب شرقي مدينة جدة، بعد اكتمال أعمال التجفيف ومعالجة الحمأة فيها بطريقة آمنة وسليمة.

وشكلت لجنة مشتركة من أمانة محافظة جدة وشركة «المياه الوطنية» للوقوف على أرض البحيرة في فترة سابقة؛ للتأكد من جاهزية الأرض وانتهاء أعمال المعالجة لقاع البحيرة بشكل آمن، بعد تحليل الشركة عينات من تربة البحيرة في مختبرات محايدة للتحقق من سلامتها وجاهزيتها للتسليم وإصدار شهادة من هيئة الأرصاد وحماية البيئة تؤكد سلامتها من أي ظواهر بيئية.

ويعد مشروع وادي العسلاء جزءا من مشروع تطوير شرق جدة الذي سيتكون، بحسب شركة «جدة لتنمية والتطوير العمراني»، من محاور عدة، أهمها: المحور التجاري الذي سيحتوي على مراكز تجارية، ومحال كبرى لمبيعات المصانع بالتجزئة، وقطاع السيارات وخدماتها، وقطاع البناء والتشييد، ومركز للمعارض.

بينما سيحتوي المحور الصناعي على المنطقة الصناعية، التي ستضم الصناعات الثقيلة والخفيفة ومواقع تجميع النفايات الصناعية ومعالجتها ومعاهد صناعية وتدريب مهني، في حين سيتكون المحور اللوجيستي من ميناء جاف ومجمع خدمات لوجيستية ومطاعم وفنادق، وسيضم المحور السكني مجمعات سكنية تتناسب مع شرائح المجتمع كافة.

وبالعودة للمرافق التي سيتضمنها مشروع وادي العسلاء، فستشمل المتنزه الوطني الذي تبلغ مساحته 20 مليون متر مربع، ويقع في منطقة وادي المري أقصى شمال وادي العسلاء، وتحيط به مجموعة من الجبال متوسطة الارتفاع، ويبلغ أقصى عرض فيه 1500 متر، وأدنى عرض 300 متر، وتم إعداد مخططه العام بالتعاون مع قسم عمارة البيئة بكلية تصاميم البيئة بجامعة الملك عبد العزيز.

ويهدف المتنزه وفقا للقائمين على المشروع، إلى توفير مرفق ترفيهي - تثقيفي متعدد الاستخدامات، يخدم الفئات الاجتماعية والعمرية المختلفة بمحافظة جدة، إضافة إلى إزالة الحواجز القائمة بين المجتمع وبيئته المحلية، إذ تغلب على المشروع ملامح وشخصية الطبيعة المحلية الصحراوية.

وخطط الموقع ليكون متحفا نباتيا للنباتات الصحراوية والنباتات الجفافية، وسيحتوي على منطقة للتخييم ومتحف للصخور، وآخر للنخيل وهو واد تزرع فيه مختلف أنواع النخيل ينتهي بسوق شعبية صغيرة لبيع منتجاته المختلفة، وخصوصا ما يعتبر منها في مرحلة الاندثار.

أما المرفق الثاني في المشروع، فهو مشروع متنزه سفاري جدة في واديي المحرق وهشيم، وجرى تخطيطه على مساحة قدرها خمسة وثلاثون مليون متر مربع ويتميز الموقع بوقوعه وسط مجموعة من الجبال قليلة الارتفاع إلا أنها تسهم في تكوين جيوب فراغية تفصل بين مناطق خططت لتكون بيئات طبيعية متباينة لاحتواء مجموعات حيوانية مختلفة وإتاحة فرص تصميمية إبداعية باستخدام فروقات الارتفاع.

ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء متحف طبيعي لعالم الحيوان، له مغاز تعليمية بحثية وتثقيفية مجتمعية وترفيهية، تستهدف جميع الفئات العمرية المختلفة بمحافظة جدة وعلى مستوى المملكة والخليج أيضا، وتم إعداد المخطط العام للمشروع بالتعاون مع قسم عمارة البيئة بكلية تصاميم البيئة بجامعة الملك عبد العزيز.

ويتكون المشروع من مناطق العرض الطبيعي للحيوانات آكلة العشب والمفترسة وخيمة الطيور وحديقة الفراشات وحديقة الزواحف وحديقة الكائنات المائية والحديقة الجراسية وحديقة الحيوانات التي تمثلت في شخصيات كرتونية عالمية ونادي الصيد، ومجموعة من البحيرات تخترقها مجموعة من القوارب الخاصة بالمرتادين الذين يرغبون في زيارة السفاري من خلال البحيرات.

كما يوجد قطار السفاري ومنطاد وتليفريك لنقل الزوار عبر وسائل مختلفة وممتعة لرؤية العروض المختلفة والمواقع المختلفة للحيوانات. كما يوجد بالمشروع فندقان، أحدهما خمس والآخر أربع نجوم، في موقعين مختلفين من السفاري، ومجموعة من المطاعم وملاعب الأطفال النوعية والذكية.

وتقع الغابة الشرقية بوادي المذابح بوادي العسلاء وعلى مساحة إجمالية قدرها 12 مليون متر مربع، صممت الغابة على مرحلتين، المرحلة الأولى بمساحة مليوني متر مربع وهي في مرحلة التنفيذ، بينما يتم حاليا تخطيط المرحلة الثانية بالمنطقة الجنوبية والغربية للغابة الحالية. وخططت الغابة بشكل يحقق مجموعة من المعايير التخطيطية تعمل على تحقيق بيئة مناخية جيدة، من ناحية التهوية والتظليل والتحكم في انتشار الحرائق داخل الغابة، وتمكين علاقات بصرية ناجحة من الناحية الجمالية، وتحقيق معايير لها علاقة بالنواحي الأمنية.

أما من الناحية البيئية، فقد تم إيجاد تطابق بين معطيات البيئة الطبيعية ونوعية التربة ومنسوب المياه الجوفية واتجاه ميول سفوح الجبال مع زاوية الشمس مع ما يتم اختياره من نوعيات شجرية تقترح لكل منطقة.

كما تم استغلال قمم الجبال الواقعة ضمن حيز الغابة كمواقع لأنشطة ومرافق ترفيهية بحيث تشرف من الأعلى على البساط الأخضر الذي ستوفره الغابة.

أما سفوح الجبال فخصصت لاحتواء مناطق سكنية ترفيهية على الجزء الذي يمثل الثلث السفلي من سفوح الجبال وكذلك على جانبي مجاري المياه الموجودة على الجبال، بحيث تكون مجاري المياه الجبلية مناطق خضراء تربط الجبل بصريا بالوادي، كما يحتوي المشروع على مجموعة من المطاعم والكافيتريات وتليفريك يصل بين مواقف السيارات على أرض الوادي وقمم الجبال حيث المرافق الترفيهية.

وتقع قرية المزارعين بوادي الحفنة في الجزء الوسطي من وادي العسلاء وتبلغ مساحتها 45 مليون متر مربع، وجاءت فكرة إنشائها لاحتواء مجموعة من المشاتل كانت قد أنشئت خلف سد بحيرة الصرف الصحي وتستخدم حاليا المياه المتسربة من السد في أعمال الري، لتصبح ضمن منظومة فراغية متكاملة تخدمها مجموعة من الطرق وممرات المشاة وسوق مركزية للمزارع ومناطق ترفيهية ومنطقة سكنية للمزارعين على سفوح الجبال المحيطة لتطل على المزارع.

كما سيتم من خلال هذا المشروع تحسين مستوى نقاوة المياه المستخدمة في الري من خلال المعالجة الطبيعية للمياه، مما سيؤدي إلى إنشاء بنية تحتية مناسبة لتطوير زراعات إنتاجية غير غذائية وذات مردود اقتصادي جيد، إضافة إلى سمة حضرية جديدة لمحافظة جدة كونها تعمل على تشييد قطاع زراعي منظم يخدم الناحية الاقتصادية والسياحية والبيئية.