«أبحاث الحج والعمرة» يقدم تصميما لإيقاف الدوران العشوائي في جسر الجمرات

يهدف لحماية الحجاج من السقوط على الأرض في أيام «الرجم»

التصميم يهدف إلى إيجاد مسارات جديدة أثناء انتهاء الحاج من رمي الجمرات (تصوير: غازي مهدي)
TT

طرح الدكتور محمد الحبوبي، أستاذ هندسة النظم في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، تصميما جديدا لحل مشكلة السلامة في منطقة الجمرات، يعتمد تلاقي تقاطع السير، ويتضمن إنشاء ممرات أحادية الاتجاه وتحديد منطقة الرمي بمنطقة دائرية نصف قطرها 15 مترا، مؤكدا أنها تجربة أجريت لمعرفة الوقت المستغرق في رمي سبع حصوات وذلك بإنشاء شاخص دائري إسمنتي وقياس الوقت المستغرق على أبعاد متفاوتة.

وأفاد الحبوبي بأنه تم استخدام المحاكاة لمعرفة وقت انتظار الحجاج لدورهم في الرمي، وأجريت المحاكاة لنمط وصول الحجاج حسب رغبتهم ونمط وصول مجدول، فكانت نتائج المحاكاة مشجعة لاعتماد التصميم الجديد.

وقال الحبوبي إن إحدى الشعائر الدينية التي يقوم بها الحجاج في منى هي رمي الجمرات على شاخص، ويمثل ذلك رمزا لرجم الشيطان، ويصل عدد الحجاج إلى مليوني حاج تقريبا يؤدون هذه الشعيرة على أوقات متفاوتة خلال الأيام الثلاثة المعينة للرجم في السنة الهجرية، لكن منطقة الرمي تصبح مزدحمة مما يجعل السقوط على الأرض أحد أهم أخطار السلامة، وإن هذا الخطر، بالإضافة إلى عوامل سلامة أخرى، يستلزم إعادة تصميم منطقة الجمرات.

وأشار أستاذ هندسة النظم، في دراسة خرجت من أروقة معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، إلى أن عدد الحجاج يبلغ سنويا قرابة مليوني حاج يأتون من كل فج عميق لأداء مناسك الحج، وإحدى هذه المناسك هي رمي الجمرات في ثلاثة أماكن (الجمرة الصغرى، الجمرة الوسطى، جمرة العقبة) في منى، ويتم قذف 7 حصوات بحجم البندق تقريبا على شاخص محاط بحوض لتجميع الحصى في كل جمرة، وتجمع هذه الحصوات من مزدلفة، وتقع الجمرات الثلاث على خط مستقيم، والمسافة بين الجمرة الصغرى والوسطى 135 مترا، وبين الوسطى والعقبة 225 مترا، ويرمي الحجاج جمرة العقبة يوم العاشر من ذي الحجة، بينما يرمون الجمرات الثلاث في يوم الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة».

وزاد بالقول «لقد ازداد عدد الحجاج خلال العقدين الماضيين بدرجة ملحوظة، فتم بناء جسر بعرض 80 مترا فوق خط الجمرات لتسهيل عملية الرمي، ومد الشاخص ليخترق الجسر حتى يتمكن الحجاج من الرمي على الجسر ومن تحته أيضا، ويحيط بالشاخص حوض دائري الشكل في الجمرتين الصغرى والوسطى ونصف دائري لجمرة العقبة، ويتراوح قطر الدائرة لهم بين 5 و15 مترا».

وأضاف الحبوبي «يصل الحجاج لمنطقة الجمرات بأعداد متفاوتة خلال ساعات النهار، ويختلف نمط الوصول من يوم لآخر مما يتوجب دراسة الرمي لكل يوم على حدة، ويقترب الحاج من الشاخص حسب حالة الزحام، وعندما يصل إلى مسافة مناسبة للرمي فإنه يبدأ ليصيب الشاخص أو الحوض، لكن الغالبية العظمى يفضلون إصابة الشاخص مع رخصة الرمي بالحوض عند بعض المذاهب، وعند الخطأ في الإصابة فإنهم يعاودون الرمي لإكمال الإصابة 7 مرات عند كل جمرة».

وأفاد بأن بعض الحجاج يفضلون الرمي من مسافة قريبة للشاخص ليتأكدوا من الإصابة مما يجعل كثافة الناس حول الشاخص كبيرة، لذلك يفضل جزء منهم وبالأخص كبار السن الرمي من مسافة أطول لتفادي الزحام، مشددا على أن منطقة الجمرات شهدت عدة حوادث أدت إلى وفاة عدد من الحجاج بسبب التدافع، ويبقى السبب الرئيسي لهذه الحوادث غير معروف جيدا، لكن من الواضح أن أحد الأسباب الرئيسية هو سير الحجاج العشوائي في تلك المنطقة المزدحمة، معللا ذلك بأن الحجاج المنتهين من الرمي يتركون الموقع، أو بالأحرى يدافعون الناس للخروج، بينما يدافع آخرون قادمون لأداء المناسك، فيلتحم الداخل مع الخارج ليولدوا حركة سير غير سليمة يحتمل فيها الوقوع أو ضيق تنفس أو غير ذلك من أخطار السلامة. كما يوجد مصدر خطر آخر وهو وصول حجر خطأ على الوجه أو على مؤخرة الرأس، وقد بلغت هذه الحوادث 28 في المائة من عدد الحجاج، أو من الممكن أن يتسبب هذا الخطأ في إصابة العين أو جرح أي موقع آخر بالرأس. وبمنأى عن حالات الخطر فإن شدة الزحام تلزم لمس الرجل غير المحرم للمرأة أو العكس مما يخالف التعاليم الإسلامية.

وقال إن الدراسة قد اعتمدت تصميما جديدا لمنطقة الرمي لتفادي تعارض السير أثناء الرمي وبعده وتقليل احتمال الإصابة بحجر خطأ وتخفيف احتمال لمس أحد الجنسين للآخر، وقد أجريت تجربة لمعرفة علاقة وقت الرمي بالمسافة وتم تطوير نموذج محاكاة باستخدام برنامج «اوسم» لمعرفة صلاحية المخطط، فدلت النتائج على ذلك. وقال الحبوبي «يمكن التحكم في مشكلة تعارض السير وإصابة الحجر بالوجه خطأً بتوجيه سير الحجاج في مسارات متوازية، ويمكن عمل ذلك بنصب حواجز متوازية تمتد من الجمرة الصغرى لجمرة العقبة».

وقال «توجد دائرة كبيرة منقطة تعبر عن منطقة الرمي تحتوي على ثلاثين مسارا، خمسة عشر منها على خط التناظر المار بمركز الدائرة، وإن أقصى مسافة من المحيط للشاخص هي المسافة القصوى المقترحة للرمي وهي 15 مترا، بمعنى أن كل الحجاج داخل الدائرة بإمكانهم الرمي وليس من خارج الدائرة. ويدخل الحجاج من جهة الغرب لرمي الجمرات الثلاث يومي 11 و12 من ذي الحجة، أما في اليوم العاشر فيتم رمي جمرة العقبة وحدها، حيث يكون عرض المسار على نحو يسمح بوقوف الحجاج مقابل الحاجز الأقرب من الشاخص، بينما يكون هناك مجال للمشي خلف هؤلاء الحجاج القادمين للرمي أو الحجاج المنتهين من الرمي. ومن الجدير بالذكر أن هذا التصميم يساعد على إخلاء المنطقة في حالة الذعر بسبب حدث خطر أو من دونه، حيث يعلم الحجاج بإمكانية السير في اتجاه واحد فقط. وبذلك يمكن تلافي التلاحم البشري والذي عادة ما يؤدي إلى إصابات خطيرة ووفاة. كما يمكن التحكم في الدخول لمنطقة الرمي وبذلك يسهل إخلاء منطقة الذعر بسلام».

وأفاد بالقول إنه يمكن تصميم عرض المسار بطريقة هندسية تعتمد على عرض جسم الإنسان بحيث يكون عرض المسار كافيا لوقوف شخص مقابل للشاخص وسير آخر في المسار، ويتوقف هذا الأمر على جمع مقاسات لأعضاء جسم الإنسان المتعلقة بهذين البعدين من الجنسيات المختلفة المسلمة من ذكر وأنثى، ومراعاة نسبة كل جنسية أثناء الحج والتي تعتبر دراسة في حد ذاتها، لكن المؤلف جمع بعض هذه المقاسات لعدد من الرجال وقد استخدمت نتائج تلك الدراسة كمثال في هذه الدراسة نظرا لقصرها في العدد والجنسيات والجنس لتحديد عرض المسار الذي بلغ مترا واحدا.

واستطرد الحبوبي بالقول «عند ملاحظة الرمي في التجربة التي أجريت في هذه الدراسة لوحظ أن الرامي يشغل حيزا، فحتى يستطيع الرمي بدقة يجب أن يكون هذا الجانب فارغا من أي أحد أمامه، وحيث إن ذلك متعذر بالنظر إلى زحمة الحجاج في منطقة الرمي فالحل يكمن في جعل المسارات على ارتفاعات متفاوتة بشكل مدرج بحيث يسمح للرامي بقذف الحجر من أعلى مستوى رؤوس الحجاج الأقرب للشاخص، حيث إنه من المعلوم أن رمي الشاخص من قبل الحجاج الواقفين على مستوى واحد وسط الزحام يجعل دقة الرمي والتيقن من الإصابة أمرين صعبين مما يطيل مدة الرمية وبالتالي زيادة الزحام. فالحل المطروح بعمل مدرج سيحل هاتين المشكلتين. وقد قدر المؤلف فرق الارتفاع بين المسارات المتدرجة بطريقة هندسية لها علاقة بأطوال الناس بمقدار 60 سم، وربما يتعذر تحقيق هكذا ارتفاع لسبب ما فنقول إن أي ارتفاع بين المسارين أفضل من لا شيء».

وأشار إلى أن تصميم المدرج يأتي بطريقة مقطعية، وعدد المسارات المقترحة هو 15 مسارا مع الحوض والشاخص، كما يظهر امتداد الشاخص لارتفاع يماثل الواقف على المسار الأبعد وهو رقم 15 ليقرب ذلك مسافة الرمي لكل مسار. ومن الجدير بالذكر أنه بالإضافة إلى زيادة فعالية عملية الرمي جراء عمل المدرج فإن إصابة الرؤوس من الخلف ستقل حيث إن رؤوس الحجاج ليست في مستوى رامي الحجارة.

واختتم بالقول «أما بالنسبة للبعد عن الشاخص فإن المسافة المقترحة هي 15 مترا كحد أقصى كما دلت عليه تجربة الرمي، وعلى ذلك تكون منطقة الرمي دائرية الشكل بنصف قطر قدره 16.5 متر، ويكون الشاخص في مركز الدائرة، ويقترح المؤلف أن يكون الشاخص دائري الشكل بقطر يبلغ مترا واحدا كما هو معمول بالتجربة في هذه الدراسة، ويحاط الشاخص بحوض قطره 3 أمتار لتجميع الحصى ليكون العرض بين جدار الحوض والشاخص بمقدار ثلاث أذرع أو ما يقارب المتر كما نص عليه الفقهاء، ويلي الحوض 15 مسار بعرض متر لكل منها، أما ارتفاع الحواجز بين المسارات فيجب ألا يكون عالية بصورة تحجب رؤية الشاخص ولا قصيرة بحيث تشجع على عبورها، فالمقترح أن يكون ارتفاعها على قدر وسط الإنسان المعتدل الطول أي ما يقارب المتر، وتكون مصنوعة من مادة قوية لتقليص سماكتها قدر الإمكان، مؤكدا أنه يجب التحكم في عدد الحجاج داخل الدائرة ومعرفة هذا العدد لتجنب الزحام داخل منطقة الرمي. وقد قدر المؤلف طاقة كل مسار داخل منطقة الرمي بناء على معدل عرض جسم الإنسان والمساوي 50 سم، بتسعة أشخاص، حيث طاقة المسار القريب من الشاخص هي الأعلى ثم تنقص مع البعد عنه.