دراسة: أنامل السعوديات الصم.. موهبة تنتظر الاستثمار

معرض فني يحتضن إبداع ذوات الإعاقة في «الخبر».. يفتتح هذا الأسبوع

من المعلقات الجدارية التي أنجزتها الفتيات ذوات الإعاقة السمعية المشمولات في الدراسة («الشرق الأوسط»)
TT

في ظل ما تظهره أحدث الإحصاءات بأن الصم يمثلون ما نسبته 4% من مجمل سكان السعودية، بعدد يقدر بـ720 ألف أصم، رصدت أكاديمية سعودية مواهب الفتيات من ذوات الإعاقة السمعية، مطالبة بـ«استثمار» هذه الطاقات، في دراسة أجرتها الباحثة حنان العمودي، تحت عنوان «تنمية القدرات المهارية والابتكارية لذوي الاحتياجات الخاصة من فئة الإعاقة السمعية في أشغال النسيج اليدوي»، وحصلت بموجبها على درجة الدكتوراه مؤخرا من جامعة الملك عبد العزيز بجدة.

عن رحلة البحث عن مواهب الفتيات الصم، تحدثت العمودي لـ«الشرق الأوسط»، قائلة: «بدأت مع الفتيات في أشغال النسيج من مرحلة الصفر، بعد أن عملت دراسة استطلاعية مسبقة»، مؤكدة أنها استغرقت نحو السنة لحين التمكن من تفجير طاقات هذه الفئة، وهو الأمر الذي يدفعها اليوم إلى المطالبة بـ«استثمار هذه المواهب اقتصاديا، والتعريف بأعمالهن عبر معارض من شأنها أن تزيد من ثقتهن بأنفسهن، والمساهمة بتغيير نظرة المجتمع لهذه الفئة»، حسب قولها، مؤكدة أن الفتيات الصم هن بحاجة فقط إلى «جهود مكثفة للوصول للمفاهيم التي لدى السامعين، مثل: الحافز، دافع النجاح، حب التميز».

وتوصي هذه الدراسة بـ«ضرورة التعرف على المعاقين سمعيا قبل المباشرة في تعليمهم، وأهمية الاستفادة من الحاسب الآلي في توجيههم للأعمال التي تجمع بين الإدراك البصري والحاسب الآلي»، إلى جانب «الدعوة لإدراج دورات تدريبية في الأشغال اليدوية والفنية والمهنية المختلفة للمعاقين سمعيا كنشاط في أندية ومراكز الصم»، وتتناول هذه الدراسة فئة الإعاقة السمعية من إناث المرحلة الثانوية بمعهد الأمل بشمال جدة، وركزت على بعض التراكيب النسجية البسيطة (السادة، اللحمة غير الممتدة، الوبرة، اللحمة الزائدة)، في حين اقتصرت الدراسة على إنتاج قطع منسوجة يدويا على نول البرواز. وتضمنت المعلقات الجدارية التي رصدتها الدراسة؛ عرض أعمال مميزة لست طالبات من ذوات الإعاقة السمعية، وهن: وصايف حسين القرني، أمل الصيرفي، سلمى مساعد الحارثي، إيناس مبارك بكير، شذى عبد الرحمن الشمراني، عائشة العصلاني، إيمان صنت المطيري.

وعن أبرز النتائج التي توصلت لها هذه الدراسة، تقول العمودي «تمكنت الفتيات من ذوات الإعاقة السمعية من إنتاج معلقة جدارية متقنة وذات قيم جمالية وابتكارية، وقد أسهمت الدراسة والوحدة التعليمية في تعليم وتعلم بعض أساليب النسيج اليدوي لهذه الفتيات، إلى جانب إكسابهن مهارات فن النسيج اليدوي الذي يجعل منهن فئة منتجة».

جدير بالذكر أن هذه الدراسة تم عرضها في المؤتمر العلمي الثالث لطلاب وطالبات التعليم العالي، الذي أقيم مطلع شهر مايو (أيار) الجاري، شرق السعودية، وضم جمعا غفيرا من المشاركات البحثية المميزة لطلاب وطالبات من مختلف مدن البلاد، وتتحدث العمودي عن مشاركاتها البحثية عبر هذه الدراسة، بالقول «كانت تجربة رائعة، ورغم أني شاركت في المؤتمر الثاني الذي أقيم العام الماضي، فإن لكل مؤتمر ميزة وطابعا يختلف فيه عن الآخر».

من جهة أخرى، وفي إطار دعم مواهب الفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة، ينظم فريق «الشرقية تويت آب» التطوعي معرضا تشكيليا للفتيات ذوي الإعاقة، تحت عنوان «رغم الإعاقة.. إبداعاتنا بلا حدود»، ويقام المعرض برعاية الأميرة ريم بنت فيصل بن سعود بن عبد العزيز، في حين تأتي هيئة حقوق الإنسان بصفتها الراعي الرسمي للمعرض الذي يحتوي على لوحات بأيدي الفنانات الموهوبات من ذوات الإعاقة.

ومن المنتظر أن يتم افتتاح المعرض يوم الثلاثاء المقبل بمدينة الخبر، وهو يضم نحو 50 لوحة تشكيلية، في حين يقام على هامش المعرض عدة أركان مساندة ترفيهية وفنية مثل «ركن الرسم على الوجه، أصدقاء الأطفال ذوي الإعاقة، تحليل رسوم الأطفال، ركن لرسم الكاريكاتير، ركن ألعاب تعليمية خاص بجمعية المعاقين بالمنطقة الشرقية»، بالإضافة إلى ركن خاص بمشروع نقل المعاقين جمعية (حركية)، وركن لهيئة حقوق الإنسان.

وفي بيان صحافي تسلمته «الشرق الأوسط»، تتحدث هيلدا إسماعيل، وهي مؤسسة الفريق التطوعي والمشرفة العامة في جمعية المعاقين بالمنطقة الشرقية، عن هذا المعرض، بالقول «إن كانت اللوحات تتحدث عن نفسها فهي أكبر دليل على أن لا شيء يمكن أن يعيق الإنسان سوى إرادته». أما رئيسة الفريق التطوعي منال العوفي، فتقول «اللوحات عبارة عن موضوعات مختلفة وخامات مختلفة لا يوحدها سوى الإرادة». ووصفت المشرفة الفنية على التأهيل المهني للإناث إيمان العقل؛ الأعمال بالقول «طالبات وحدة التأهيل المهني (إناث) التابعة لجمعية المعاقين بالمنطقة الشرقية؛ كان لهن دور فعال وممتع ومليء بالتحدي بالقدر الذي تسمح به قدراتهن التي قد تكون بسيطة أو بسيطة جدا أحيانا». في حين قالت المشرفة الفنية على أطفال وحدة التأهيل أمل الغنيم «الأركان الموجودة في المعرض والخاصة بالأطفال من ذوي الإعاقة كان هدفها استخدام الألوان وأدوات الرسم كنوع من الطرق العلاجية غير مباشرة».

من جهته، تناول الناقد السعودي محمد العباس هذا المعرض بالقول «الأعمال تتسم بجرأة كبيرة، تبديها الفنانات في طرح ذواتهن من الوجهة الموضوعية، كما تعكس بشكل مفرح طموحهن الإبداعي، ومستوى أدائهن الرائع. ومن الوجهة الفنية يبدو أن اللوحات مستمدة من المعاناة الداخلية وليس من المتخيل، وهو أمر تحتمه طبيعة هذا النوع من الإبداع الخاص بذوي الإعاقة، حيث يبدو المكون الروحي والمادي للفنانات هو المصدر والإلهام الذي يتولد منه الموضوع، وهو المضخة التي تهيمن على أجواء ومناخات اللوحات، وكأن كل فنانة تسرد جانبا من أوجاعها وأحلامها وخيباتها وانتصاراتها في قالب بصري مبهج ومؤانس، ومثير للتساؤلات والتأويلات».