زراعة الأعضاء.. المشكلة تكمن في «الانتظار»

17 ألفا على القوائم

TT

«شاهدت الموت يقترب مني يوما بعد يوم، إلا أن عناية الله انتشلتني منه وأعادتني إلى الحياة مرة أخرى».. بهذه الكلمات العميقة روت الشابة رهف قصة صراع طويل امتد منذ بداية طفولة هذه الشابة التي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها وحتى وقت قريب مع مرض الفشل الكلوي.

ورهف هي واحدة من بين آلاف السعوديين الذين يعانون من أمراض خطيرة ومزمنة، علاجها الوحيد هو زراعة عضو جديد، قادر على منحهم الحياة التي يسحبها المرض منهم شيئا فشيئا، بانتظار معجزة، ضمن قائمة طويلة لا ينجح في الوصول إليها سوى البعض منهم، في مجتمع لا تزال فيه ثقافة التبرع بالأعضاء أمرا غريبا وغير مألوف.

تقول رهف التي أصيبت بالفشل الكلوي في سن الثامنة إنها ظلت تعاني من المرض الذي حرمها من أن تعيش طفولتها ومراهقتها كأي فتاة أخرى، بدلا من أن تشفى.

كانت الزيارات الكثيرة للمستشفى تعني أنها أصبحت أكثر ضعفا وكليتها أكثر فشلا في إعانتها على الحياة مما سبق، فظلت تنتظر متبرعا يجود بكلية تعطيها الحياة التي تنتظرها، والتي لم تنجح يوما في أن تمارسها بشكل طبيعي. إلا أن هذا المتبرع ضل طريقه ربما، وربما لم يحصل على توعية كافية تحفزه لقطع الميل الأخير، وإنقاذ حياتها.

وبعد أن بلغت رهف سن السادسة عشرة ساءت حالتها كثيرا، ولم ينقذها سوى قرار أفراد عائلتها بالسفر إلى الخارج لزراعة كلية جديدة. وإذا كانت رهف قد وفقت في ذلك، واستعادت حياتها كما تقول، فإن آخرين ممن تجمعهم بها المعاناة ذاتها ربما لم تتوفر لهم الفرصة لذلك قط.

لكن الدكتور عبد الله العتيبي رئيس لجنة الشؤون الصحية والبيئية بمجلس الشورى السعودي، الذي بيّن لـ«الشرق الأوسط» أن مشكلة زراعة الأعضاء في السعودية لا تتمثل في نقص الثقافة والوعي حيال تلك العمليات وحسب، أكد أن هناك فجوة بين عدد المرضى المحتاجين وعدد الزراعات المطلوبة، مرجعا ذلك وبشكل رئيسي إلى الزيادة السكانية، وعدم الكشف المبكر، لافتا إلى أن المركز السعودي لزراعة الأعضاء حاليا أصبح مرجعا لدول مجلس التعاون الخليجية لزراعة الأعضاء ويستقبل الكثير من الحالات من كل دولها.

في هذا الصدد كشف أن مجلس الشورى يدرس تنظيما خاصا لمركز زراعة الأعضاء، آخذا في الاعتبار تزايد الطلب على زراعة الأعضاء، والتكاليف الباهظة لها في خارج المملكة، لافتا إلى أن أبرز ملامح هذا التنظيم الذي يقع في عشر مواد هو منح المركز الشخصية الاعتبارية العامة، والاستقلال المالي والإداري، وأن يرتبط تنظيميا بمجلس الخدمات الصحية، عوضا عن وزارة الصحة.

ويستند الدكتور العتيبي في حديثه إلى الإحصاءات الصادرة من المركز السعودي لزراعة الأعضاء بأن حجم الإنفاق السنوي لوزارة الصحة على زراعة الأعضاء قد بلغ 2.2 بليون ريال سعودي و1.6 بليون ريال على علاج أمراض الكلى والغسيل الكلوي، كما أن هناك نحو 500 ألف مريض يحاجه إلى زراعة الكلى و300 مريض بحاجة إلى زراعة القلب سنويا.

وكشف الدكتور فيصل شاهين مدير عام المركز السعودي لزراعة الأعضاء لـ«الشرق الأوسط» أن عدد المرضى الذين هم بحاجة إلى زراعة كلية في المملكة يقدر بنحو 12.000 مريض، موزعين على وحدات الغسيل الكلوي، وعدد الجاهزين للزراعة الموضوعين على قوائم الانتظار في المركز السعودي لزراعة الأعضاء ووفقا لمجموع قوائم مراكز الزراعة يقدر بنحو 3000 مريض، ويوجد نحو 2000 مريض حاليا هم قيد الدراسة والتجهيز الطبي لوضعهم على قوائم الانتظار، ومن مجمل المرضى الجاهزين تتم زراعة الكلى لنحو 550 مريضا سنويا.

ويضيف أن عدد المرضى الذين لديهم قصور كبدي انتهائي وبحاجة إلى زراعة كبد يقدر بنحو 1500 مريض، وعدد الجاهزين للزراعة وعلى قوائم الانتظار نحو 400 مريض، وتتم الزراعة سنويا لنحو 50 - 120 مريضا، كما أن عدد المرضى الذين لديهم قصور قلبي انتهائي وبحاجة إلى زراعة قلب كامل يقدر بنحو 100 مريض، منهم أكثر من 40 مريضا على قوائم الانتظار، وتتم الزراعة سنويا لنحو 25 مريضا، مع العلم أن مرضى القلب لا يستطيعون الانتظار طويلا، أما من هم بحاجة إلى زراعة دسامات فقوائم الانتظار غير طويلة ويسرع إنجاز الجراحة لهم.

ويلفت الدكتور شاهين إلى أن الجهود ما زالت مستمرة للارتقاء بالوضع الحالي، حيث إن لديهم مشروعا تطويريا كفيلا بأن يحقق مزيدا من التقدم، وهم حاليا من ضمن الخمسين بلدا الأكثر نشاطا لممارسة التبرع بالأعضاء وزراعتها (المرتبة الـ44 عالميا)، وذلك بأن ترتفع معدلات التبرع بالأعضاء من 5 متبرعين لكل مليون نسمة إلى 15 متبرعا لكل مليون نسمة، لتصبح ضمن أفضل 25 بلدا.

وأضاف: «من ضمن هذه المشاريع المستقبلية افتتاح مكاتب إقليمية للمركز السعودي لزراعة الأعضاء في المنطقة الغربية جدة ومن ثم يليها مدينة مكة المكرمة ومن ثم المدينة المنورة ومن ثم المنطقة الجنوبية، وتأتي أهمية هذه المكاتب في تخصيص كوادر صحية وتمريضية وفنية وإدارية لمتابعة أداء المستشفيات والاستفادة المثلى من التبرع بالأعضاء بعد الوفاة». وبصفته مدير عام مركز زراعة الأعضاء يؤكد أن هناك تزايدا في نسبة المتبرعين، حيث تضاعفت في السنوات العشر الأخيرة، مرجعا ذلك إلى ارتفاع الوعي بين أفراد المجتمع، مؤكدا أن تثقيف المجتمع بأهمية التبرع بالأعضاء من شأنه تحقيق نتائج تؤهله للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، لافتا إلى أن إحصائيات المركز التي بينت أنه تم الحصول على نسبة مضاعفة من الموافقات على التبرع من مجموع الحالات التي تمت فيها مقابلة أهل المتوفى دماغيا، وكانت سابقا تعادل 20%، أما حاليا في السنوات الخمس الأخيرة فازدادت حتى 37% من مجموع الحالات.

وبالعودة إلى الدكتور العتيبي الذي بيّن أبرز مهام مركز زراعة الأعضاء المزمع إقامته، وبحسب ما حددها التنظيم في إحدى مواده، قال الدكتور عبد الله إنه سيكون من مهامه «تسجيل ومتابعة مرضى الفشل العضوي، والمرضى المزروع لهم، وزارعي الأعضاء، ووضع الإجراءات اللازمة لذلك، واستقبال بلاغات حالات الوفاة الدماغية للأشخاص في وحدات العناية المركزة ومتابعتها، وتنسيق استئصال الأعضاء بعد الحصول على الموافقات اللازمة وإيصالها إلى مراكز الزراعة في مختلف المنشآت الصحية بالمملكة، واقتراح وتطوير الإجراءات اللازمة لزراعة الأعضاء من المتبرعين الأحياء وفقا للضوابط الشرعية، لإقرارها من مجلس الخدمات الصحية».

وعلى صعيد تفاعلي آخر كان موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» أطلق أداة اجتماعية إنسانية جديدة تحمل اسم «Organ Donor» ضمن مبادرة الموقع الإنسانية التي تهدف إلى تشجيع 900 مليون مستخدم لمساعدة المرضى في جميع أرجاء العالم وإنقاذ حياتهم عن طريق التبرع بالأعضاء، وفي تصريحات إعلامية منشورة لمؤسس الموقع ومديره التنفيذي لمح إلى أن «هذه الأداة البسيطة قد تكون قادرة على نشر الوعي بأهمية مساعدة الآخرين وإنقاذ حياة الذين ينتظرون عمليات زراعة أعضاء»، مشيرا في ذات التصريحات إلى أن نحو 18 شخصا يلقون حتفهم كل يوم بسبب نقص عدد متبرعي الأعضاء.

وعن كيفية تسجيل الشخص نفسه للتبرع بعضو، يشرح الموقع أن على المستخدم الذهاب أولا إلى الجدول الزمني الخاص به «تايم لاين» ثم النقر على أيقونة «Life Event، ثم اختيار «Health and Wellnes» ثم اختيار الأداة الجديدة المضافة «متبرع عضو - Organ Donor»، بالإضافة إلى إمكانية المشاركة بمعلومات عن أسباب اتخاذ الشخص قرار التسجيل متضمنا صورا وشريط فيديو.

ومن منطلق ضرورة توسيع نطاق الوعي بأهمية بالتبرع بالأعضاء، وإيمانا منهم بأهمية مثل هذه المبادرات، كانت مجموعة من المشاهير قد أعلنوا تبرعهم بأعضائهم، وعلى سبيل المثال الأمير سلمان بن عبد العزيز، والأمير سطام بن عبد العزيز، والأمير سيف الإسلام بن سعود، ومن مشاهير لاعبي كرة القدم اللاعب ماجد عبد الله بنادي النصر سابقا، وسعد الحارثي، وعبد الرحمن القحطاني، ولاعبا نادي الهلال سابقا سامي الجابر ومحمد الدعيع، ولاعب نادي الأهلي تيسير الجاسم، وبطل الراليات يزيد الراجحي، وكذلك فنيا كان الفنان ناصر القصبي، وفايز المالكي، وخالد سامي.

ويضطلع المركز السعودي لزراعة الأعضاء بالكثير من المهام على مستوى المملكة، حيث يقوم بالتنسيق بين الخدمات المقدمة لمرضى القصور العضوي النهائي من قبل القطاعات الصحية المختلفة، والإشراف على برامج زراعة الأعضاء ومتابعة تنفيذ الإجراءات الواردة، فضلا عن التنسيق والمتابعة لجميع حالات موت الدماغ المشخصة في مختلف مستشفيات المملكة لاستئصال الأعضاء من المتوفين دماغيا.

ويعد المركز المواصفات الخاصة بإنشاء مراكز زراعة الأعضاء في المناطق الصحية المختلفة بالمملكة وتقييمها باستمرار، إلى جانب إعداده البحوث والدراسات في مجال الأمراض المؤدية إلى قصور الأعضاء النهائي، وإصدار النشرات العلمية المختلفة وتبادل المعلومات مع المراكز العالمية لمد جسور الصلات بينهما وبين المركز في مجال زراعة الأعضاء.

وحول الجهود التي يبذلها المركز في رفع الوعي بضرورة التبرع بالأعضاء فإنه يقوم بكثير من الخطط الإعلامية من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ويعتمد على نشر الوعي من خلال الاعتماد على رسائل الجوالات وزيارة المدارس، والجامعات، وعبر لوحات الطرق.

جدير بالذكر أن زراعة الأعضاء في المملكة كانت قد بدأت بقرار من هيئة كبار العلماء رقم 99 وتاريخ 6 / 11 / 1402هـ، الذي نص على «جواز نقل أعضاء من إنسان إلى آخر سواء كان حيا أو ميتا»، ومن ثم مبادرة الأمير سلمان بن عبد العزيز بإنشاء مركز يعنى بالتنسيق ومباشرة زراعة الأعضاء والتبرع عام 1404هـ.