«جسور».. مهنة منتجة خير من إعانة لا تدوم

تستفيد منه 247 سيدة من أرامل ومطلقات وأيتام و135 أسرة من ذوي الدخل المحدود

جانب من إنتاج مشروع «جسور»
TT

بعد أن كانت أسرتها تتلقى المعونة من الجمعيات الخيرية، تمكنت (العنود) وهي سيدة سعودية تعيش في الأحساء من الانتقال بعائلتها من العوز والحاجة والاعتماد على الإعانة إلى أسرة منتجة، بعد أن تدربت على إنتاج «خل الثوم» وهو منتج غير موجود بالأسواق جرى تدريبها على إنتاجه ضمن مشاريع صغيرة ومنتجة يقودها مشروع «الجسور» التابع لجمعية البرّ في الأحساء.

تبيع «العنود» منتجها من «خل الثوم» بربح صافٍ يمثل الدخل الرئيسي لها ولأسرتها، لكنها تجد فضلا عن ذلك متسعا من الوقت للعمل في أحد مصانع «جسور» لإنتاج البسكويت، حيث يدر عليها دخلا ثابتا.

ويمثل «جسور» حكاية إنسانية وعطاء مستمرا ومشاركة، ويغير من طبيعة أداء الجمعيات الخيرية التي ارتبطت فكرة إنشائها بتقديم الإعانات النقدية والعينية لسد حاجة المعوزين، لكن جمعية البر الخيرية بالأحساء لم تقبل أن تكون نسخة مكررة، فحاولت أن تصنع بصمتها الخاصة في المجال الخيري، بمبادرة رئيس المجلس الإشرافي لمركز جمعية البر بالمبرز ناهض الجبر، الذي استطاع أن يمهد الطريق أمام «جسور» بما يملكه من خبرة طويلة في المجال الخيري مشكلا مجلسه التنفيذي النسائي.

ويمر مشروع «جسور» بثلاث مراحل، يشرحها ناهض الجبر بالقول: «كانت فكرة المرحلة الأولى تتضمن إعداد قاعدة بيانات للمستفيدات تم تصنيفهن بحسب العمر والمستوى الثقافي والمهارات، يليها إقامة برنامج للتعارف بين المستفيدات والمتطوعات والتعريف بطبيعة برنامج (جسور)، أما المرحلة الأخيرة فكانت تعزيز ثقتهن بمنتجاتهن التي تكفلت إدارة (جسور) بعملية تسويقها». وأضاف «على المستفيدات من أيتام وأرامل الإنتاج وعلينا مهمة التسويق».

وبعد نجاح المراحل الثلاث، كانت الانطلاقة الفعلية للمشروع في 1432هـ ليبدأ تحقيق أهدافه التي تأسس لأجلها، وفي ذلك تقول رئيسة المجلس الإشرافي لـ«جسور» ليلى الموسى: «نتطلع من خلال المشروع إلى تحقيق هدفين، الأول مساعدة الأسر المستفيدة من جمعية البر على الخروج من حالة العوز إلى حالة الكفاف، ثم لتشارك في مسيرة البذل والعطاء والتنمية، والثاني خدمة المجتمع وعيننا على الأرملة والمسكين، إذ نقدم خدماتنا المجتمعية من خلالهم».

واهتم «جسور» بتدريب المستفيدات من خلال ورش العمل والجلسات الإرشادية والدورات التدريبية المهنية وبرامج تطوير الذات. وأجملت الموسى الخدمات المقدمة في «اعتماد خطين للإنتاج تتوافق مع ما تملكه المستفيدات من مهارات وما يمكن للمتطوعات تقديمه لخدمة الأيتام».

وقالت ليلى الموسى: «أنشأت (جسور) معملا خاصا لإنتاج البسكويت تعمل به تسع موظفات برواتب تصل إلى 1800 ريال، عدا الزيادات والحوافز، وباع أكثر من 1800 علبة بسكويت حتى الآن، كما تقوم المستفيدات بتعبئة وإنتاج بعض أنواع الزيوت والأغذية بطريقتهن الخاصة، إضافة إلى الصناعات النسيجية كالأغطية والقمصان التي تحمل رسائل ضمنية للفت الانتباه لبعض القضايا الاجتماعية».

وتميز المشروع بإنتاج حقائب تسوق صديقة للبيئة تهدف إلى تشجيع التوفير والتقليل من الاستهلاك، بيع منها أكثر من 800 حقيبة، كانت أغلاها بقيمة ألف ريال ذهبت لصالح «كفالة حاج»، في تفعيل حقيقي لقيم العطاء والمشاركة المجتمعية. وأضافت مستفيدات «جسور» إلى لائحة منتجاتهن الصابون والزيوت العطرية والبخور.

وفتح «جسور» المجال أمام المتطوعات للمشاركة في دعم الأيتام من خلال مشروع «لبيه» التطوعي الذي يختار أجمل رسومات الأطفال الأيتام، ويقوم ببيعها لصالح الأطفال المشاركين، ومشروع رسائل الورد، حيث يتم من خلاله جمع خواطر الأيتام في كتيبات توزع على المكتبات وتباع لصالحهم أيضا.

وقد حملت القائمات على «جسور» مسؤولية تسويق المنتجات عبر المشاركة في المعارض المحلية، بالإضافة إلى السوق البيضاء التي اعتبرتها الموسى أهم نقطة تسويقية، لافتة إلى أن تسمية السوق بالبيضاء «انبثقت من نقاء فكرته، إذ تتجه أرباحه لجيوب الفقراء»، موضحة أن عدد المستفيدات من «جسور» بإنتاجيه المادي والفكري بلغ 247 مستفيدة ما بين أرامل ومطلقات وأيتام، بالإضافة إلى 135 أسرة من ذوي الدخل المحدود.

وانطلاقا من رغبة المشروع في توسيع دائرة المستفيدات، أعلنت الموسى توقيع عقد شراكة مع جمعية «فتاة الأحساء» التنموية، منوهة بنجاح «جسور» في جذب اهتمام كافة الجهات الربحية وغير الربحية لتفتح أبوابها أمام امتداد الجسور في دعوة للمشاركة في دعم الإنتاج وصناعة القيم، كما كشفت عن الخطة التسويقية الطموحة للمشروع والمتمثلة في تزويد أسواق المملكة بتذكارات تراثية أحسائية تحمل توقيع «جسور»، في خطوة تستهدف تقديم تجربة رائدة في مجال العمل الخيري. وقالت الموسى: «ننطلق من مقولة (لا يعيش الإنسان بالخبز وحده) ونكملها بأنه يعيش بالقيم التي يسعى لتحقيقها».