حقوق الإنسان تدعو إلى أنظمة تجرم المحسوبيات في اختيار المناصب

تقرير الجمعية السنوي يؤكد عجز الأجهزة الحكومية وضعف أدائها

TT

أكد التقرير الثالث عن أحوال حقوق الإنسان في السعودية، الصادر أمس من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، عجز الأجهزة الحكومية وضعف أدائها لمسايرة تطلعات القيادة ورغبتها في ضمان حقوق الأفراد، وتمتعهم بالرفاهية الاجتماعية والاقتصادية، وذكر التقرير أن بعض الأجهزة الحكومية ألحقت أضرارا وانتهاكات لحقوق الإنسان.

وعزا التقرير ضعف الأداء واستمرار التجاوزات بالأجهزة الحكومية إلى ضعف الكفاءة الإدارية للكثير من منسوبيها، بالإضافة إلى ما سمته بـ«التبلد» الإداري، وغياب الحس الحقوقي والإنساني لدى البعض، مشيرا إلى أن ضعف إنتاجية منسوبي الأجهزة الحكومية وحالة اللامبالاة السائدة بين الكثير منهم تعود في مقدمتها إلى عدم اختيار الأكفأ من بين المرشحين للوظائف، والذي يرجع بسبب تفشي المحسوبية والواسطة.

وأكدت الجمعية على ضرورة سن الأنظمة التي تنص على تجريم أي ممارسات تقوم على المحسوبية والتمييز سواء ما يتعلق بالتوظيف أو الترقيات أو الاختيار في المناصب الإدارية، ووضع ضوابط واضحة ومعلنة لاختيار القيادات في الأجهزة الحكومية تبنى على أساس السيرة الذاتية للمرشح، مشددة على خطورة التصنيف القبلي والمناطقي والفكري والطائفي، الذي اعتبرته انتهاكا واضحا لحق الإنسان في المساواة دون تمييز.

وأوضح التقرير أن ما تم تسجيله من انتهاكات بالأجهزة الحكومية منبعه الأساسي «غياب المحاسبة والمراقبة وتفشي الثقافة الإقصائية وغياب العقوبات الرادعة للممارسات المهينة وغياب الأدلة الإرشادية للمكلفين بتنفيذ الأنظمة والقوانين».

ليعرض التقرير في صفحاته سجل عدد من الأجهزة الحكومية بهدف التأكد من مدى وفائها بمتطلبات حقوق الإنسان من خلال ما وردها من شكاوى وتظلمات، بالإضافة إلى الزيارات التفقدية والمقابلات، وما ينشر عبر وسائل الإعلام، وما يصدر من أنظمة وتعليمات.

وسجلت الجمعية انتقادها في إحجام الصحف في بعض الحالات عن نشر مقالات تتناول أداء بعض الأجهزة الحكومية واضطرار أصحابها إلى نشرها على شبكة الإنترنت، ومحاولة بعض المسؤولين حرمان المواطنين من حقهم في النقد من خلال التهديد بالشكوى الكيدية، أو الضغط على بعض المسؤولين في الصحف لمنع نشر المقالات أو التحقيقات ذات الطابع النقدي فيما يتعلق بأجهزتهم أو وزاراتهم، وأورد التقرير شكوى بعض الصحافيين من عدم تفعيل دور هيئة الصحافيين السعوديين في حمايتهم والدفاع عن حرية التعبير والنشر، مقترحا تعديل لائحة الهيئة مما يمكنها من القيام بمهامها على الوجه الأكمل.

واستنكر التقرير التباين الكبير في مستوى الشفافية بين الصحف وهو ما يشير بحسب الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إلى مسؤولية بعض رؤساء التحرير عن الحد من التمتع بحق التعبير من خلال المبالغة في ممارسة الرقابة الداخلية وعدم إجازة نشر بعض الموضوعات.

وطالبت الجمعية في تقريرها بضرورة العمل على تعزيز مبدأ المشاركة الشعبية والحرص على تدوير المناصب الحكومية وضمان وصول المؤهلين إليها، وحماية الحق في التعبير عن الرأي والوصول إلى المعلومة والحد من الإجراءات غير النظامية في تقييد تناول قضايا الشأن العام، وإصدار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي أقره مجلس الشورى.

وعن مجلس الشورى ودوره التشريعي والرقابي أكد التقرير على ضعف الدور الرقابي لمجلس الشورى والعائد إلى محدودية الصلاحيات المخولة له بموجب نظامه، وكذلك إلى آلية تشكيل المجلس المتمثلة في تعيين الأعضاء مما يحد من دورهم الرقابي والمساحة التي يستطيعون التحرك فيها، مفسرا محدودية الدور الرقابي بعدم أخذ عدد من الأجهزة الحكومية بملاحظاته وتوصياته المسجلة على تقاريرها السنوية مما يدعو المجلس إلى إعادة التأكيد على الملاحظات أو التوصيات التي تمت مناقشتها من قبل. وحول مرفق القضاء انتقد التقرير فيما يتعلق بمرفق القضاء السلطة الواسعة للقضاة في الأحكام التعزيرية، مما قد يترتب عليه عدم تساوي العقوبات بين المتهمين في الجريمة الواحدة، داعيا إلى ضرورة تدوين العقوبات التعزيرية لمساعدة القضاة في تحقيق العدالة والحد من التجاوزات، وأضاف التقرير استنكاره لطول مدة التقاضي المنظورة أمام المحاكم، راصدا بشكل خاص تضرر النساء بسبب التأخر في نظر القضايا الأسرية مثل الطلاق والحضانة والنفقة والرؤية والزيارة، إلى جانب رصد استمرار معاناة المرأة من تقييد حقها في التقاضي؛ حيث تواجه بعض الصعوبات في سبيل إقامتها للدعوى وخاصة عندما يكون الخصم ولي أمرها أو أحد أقاربها، وقد لا تمكن من حضور الجلسات القضائية إلا بحضور محرم، مما يضر بحقها في التقاضي وحفظ حقوقها الأخرى.

ودعت جمعية حقوق الإنسان وزارة العمل إلى ضرورة تشكيل لجنة عليا من الجهات المعنية بالتوظيف ووزارات التخطيط والمالية لخلق فرص عمل وزيادة عدد الوظائف المتاحة للمواطنين في القطاعين الخاص والحكومي، مشيرة في تقريرها إلى أن أحد أسباب تحفظ مؤسسات القطاع الخاص على توظيف السعوديين يأتي في مقدمتها انخفاض أجور العمالة الوافدة، وسهولة تهرب أرباب العمل ومديري المنشآت من الالتزامات التعاقدية مع العمالة الوافدة في بعض الحالات بسبب (نظام) الكفالة وما يترتب عليه من الآثار السلبية.

وحذر التقرير من تضاعف مشكلة البطالة بين النساء بسبب محدودية مجالات العمل المتاحة أمامهن وعدم وجود سياسة دقيقة وحازمة لتوظيفهن، رغم توجيهات القيادة المستمرة لزيادة فرص العمل للنساء، حيث بقيت نسبة التحاقهن بالعمل محدودة، منحصرة في قطاعي التعليم والصحة.

وطالب التقرير وزارة العمل بإعادة النظر في (نظام) الكفالة وذلك من خلال تفعيل القرارات الصادرة بهذا الشأن والبحث الجاد عن بدائل أكثر فاعلية تحد من استغلال العمالة الوافدة وحرمان المواطنين من الفرص الوظيفية، نظرا لمخالفتها بحسب التقرير لنظام الاتجار بالأشخاص الصادر مؤخرا في السعودية.

وعن وزارة التربية والتعليم كشف التقرير عن قصور في أوجه متعددة في مجال التربية والتعليم كان أبرزها في التكدس الشديد بمدارس بعض المناطق، لقلة عددها، وسوء المباني المستأجرة للمدارس، والتي أكدت على عدم صلاحيتها للعملية التعليمية، وعدم توافر الوسائل التعليمية، في المناطق النائية، وقلة عدد المعلمين والمعلمات واستمرار وقوع حوادث مأساوية للمعلمات في المناطق النائية مع عدم تأمين وسائل نقل مناسبة، ورصد شكاوى تتعلق بممارسة العنف اللفظي والجسدي ضد الطلاب وخاصة في المرحلة الابتدائية.

ورصد التقرير تجاوزات على وزارة الخدمة المدنية من خلال ما يصل إليها من شكاوى من قبل موظفي القطاع بشكل عام عبر ما يصل من شكاوى من موظفين في أجهزة حكومية مختلفة، برزت في استغلال السلطة من قبل بعض المسؤولين لمعاقبة المرؤوسين دون الالتزام بضوابط واضحة أو اتباع للإجراءات المنظمة للتأديب الإداري، وغياب المعالجة الجادة والحاسمة للفساد الإداري والمتمثل في المحسوبية التي تحرم المؤهلين من فرص وظيفية وكذلك حجب المعلومات عن فرص وظيفية في الكثير من الأجهزة الحكومية بهدف استغلالها لأغراض المحسوبية والعلاقات الشخصية، وعدم تحقيق العدالة بين الموظفين سواء من حيث الترقيات أو الانتداب.