نال بيت الشيبي شرف حمل مفتاح الكعبة، وهم سدنة بيت الله الحرام قبل الإسلام وبعده، ونظرا لطول مدة سدانتهم، فإنه لا يوجد حصر دقيق لعدد الذين حملوا المفتاح منهم، حيث إن منهم من كان كبير السدنة بحسب العمر، ومنهم من أخذ السدانة بالنيابة نظرا لحالة كبير السدنة الصحية.
وتعطى السدانة للكبير كابرا عن كابر، وليست هناك مدة محددة لبقاء السادن في السدانة، فهو سادن حتى وفاته، مع الأخذ في الاعتبار أن له الحق في توكيل من ينوب عنه عند العجز أو المرض أو غير ذلك عندما يقتضي الأمر التوكيل.
ونيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تشرف الأمير خالد الفيصل بغسل الكعبة أمس.
وتتم عملية غسل الكعبة المشرفة مرتين سنويا؛ الأولى في 15 محرم، والثانية في 1 شعبان.
وأوضح لـ«الشرق الأوسط» عبد القادر الشيبي كبير سدنة الكعبة المشرفة أن الإعداد لغسل الكعبة يتم قبل شهر على الأقل من الموعد المحدد لهذا الإجراء المتعارف عليه، فيما تتم كسوة قبلة المسلمين بثوب جديد في التاسع من ذي الحجة سنويا.
وبين أن الكسوة الداخلية للكعبة تأخذ حاليا اللون الأخضر، وتسمى «الكسوة الخضراء»، بعد أن كان لونها أحمر حتى بداية عهد الملك فيصل بن عبد العزيز، يرحمه الله، الذي تغير في عهده لون الكسوة الداخلية إلى اللون الأخضر حتى الآن.
وبحسب كبير السدنة، كان القماش المصري الأبيض هو الكسوة الخارجية للكعبة المشرفة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم تمت كسوتها بالحرير الأبيض والديباج الأحمر في عهد الدولة العباسية، وبعد ذلك تمت كسوتها باللون الأسود الذي لم يتم تغييره حتى الآن.
وأفاد بأن أكبر عملية صيانة للكعبة المشرفة تم تنفيذها عام 1417هـ، وهي العملية التي أعيد فيها بناء الكعبة، وذلك بعدما لوحظ وجود تصدعات داخلها نتيجة لآثار السيول والأمطار.
وأبان الشيبي أن باب الكعبة مصنوع من أجود أنواع الأخشاب، الذي تم استيراده من تايلاند، وهو من شجرة واحدة يبلغ عمرها 200 سنة، شديدة الصلابة، ومغطى من الخارج بطبقة من الذهب الخالص يبلغ وزنها 280 كيلوغراما، أما القفل فهو مصنوع من الحديد المطلي بالنحاس، فيما المفتاح مصنوع من الحديد.
كبير سدنة الكعبة المشرفة يكشف لـ«الشرق الأوسط» في حوار مفصل معلومات عن البيت العتيق الذي يستقبله 1.2 مليار مسلم من مختلف أرجاء المعمورة خمس مرات كل يوم.. فإلى تفاصيل الحوار:
* «سدنة الكعبة».. ماذا تعني هذه الكلمة؟ وما المقصود بكبير السدنة؟
- كلمة «سادن» في اللغة العربية معناها: «الخادم». فسدنة الكعبة: هم الذين يقومون بخدمتها، والإشراف عليها، وعلى فتحها وتنظيم الدخول لها، وكسوتها وكل ما تحتاج إليه الكعبة المشرفة من خدمات. وكان قديما يطلق على عائلتنا «الحجبي» وهي كلمة مرادفة للسدنة أي، حاجب البيت الحرام وحارسه.
* كيف نال آل الشيبي شرف حمل مفتاح الكعبة؟
- كانت السدانة في بنو عبد الدار بن قصي بن كلاب، حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حينها عثمان بن طلحة هو السادن، وفي يوم فتح مكة في 20 رمضان من السنة الثامنة للهجرة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة وفتح الكعبة وكسر ما بداخلها من أصنام وغسلها، ومن هنا سن غسل الكعبة، ثم صلى فيها، ونزلت عليه الآية «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها» (سورة: النساء)، وهي الآية الوحيدة التي نزلت في جوف الكعبة ثم خرج من الكعبة ونادى عثمان بن طلحة وأعاد إليه المفتاح.
وقال عليه الصلاة والسلام لعثمان بن طلحة: «خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا يأخذها منكم إلا ظالم». وفي رواية: «خذوها تالدة خالدة ولا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف». ومنذ ذلك الحين إلى قيام الساعة والسدانة في بني شيبة.
* هل تغير شيء في مهنة السادن من الماضي إلى الوقت الحالي؟
- كان السادن سابقا يستطيع فتح الكعبة بشكل شبه يومي نظرا لعدم وجود ازدحام كما هي الحال في أيامنا هذه. أما عن صلاحياته، فكما هي لم يتغير منها شيء.
* كيف يتم اختيار السادن الجديد؟ وهل هناك مدة محددة تحكم بقاءه سادنا؟
- لا يتم اختيار السادن، بل تعطى السدانة ويسلم المفتاح للكبير كابرا عن كابر، وليست هناك فترة لبقائه في السدانة، فهو سادن حتى وفاته، أو توكيل من ينوب عنه في حالة العجز أو المرض لا سمح الله.
* كيف كان شعورك عند تلقيك خبر أن السدانة قد آلت إليك؟
- تلقيت نبأ وفاة عمي الشيخ عبد العزيز الشيبي، يرحمه الله، ببالغ الحزن والأسى؛ إذ إنه كان، يرحمه الله، والد ومحب للجميع، وبعدها آل شرف حمل المفتاح من بعده لي، ولا يخفى على أحد عظم الشرف الذي أحمله وحجم السعادة بحمل مفتاح بيت الله الحرام.
* الكعبة المشرفة مرت بمراحل هدم وبناء على مر التاريخ، هل تغير القفل الخاص بمفتاحها؟
- نعم، تم تغيير القفل الخاص بالكعبة عدة مرات على مر العصور، كما تم تغيير الباب نفسه عدة مرات كذلك، وكان آخر باب وضع في تاريخ 22 ذو القعدة 1399هـ في عهد الملك خالد بن عبد العزيز؛ يرحمه الله.
* ما مواصفات باب الكعبة ومفتاحه؟
- باب الكعبة مصنوع من أجود أنواع الخشب، الذي تم استيراده من تايلاند، وهو من شجرة واحدة يبلغ عمرها 200 سنة، شديدة الصلابة، ومغطى من الخارج بطبقة من الذهب الخالص، يبلغ وزن الذهب بها 280 كيلوغراما وصنعه الشيخ أحمد إبراهيم بدر، وبدأ بالعمل به عام 1398هـ، وقد خطه الخطاط عبد الرحيم أمين، وكان يشرف على صنع الباب والدي الشيخ طه بن عبد الله الشيبي، يرحمه الله، شخصيا حتى يوم تركيبه على الكعبة. وأما القفل، فهو مصنوع من الحديد المطلي بالنحاس، والمفتاح من الحديد. أما عن أبعاد الباب، فيبلغ طوله 3.06 متر وعرضه 1.68 متر، ويرتفع عن صحن الطواف 2.5 متر.
* ذكر في وقت سابق أنه تم إلغاء مزاد لبيع مفتاح الكعبة مرتين متتاليتين في لندن، مما يعني وجود أكثر من مفتاح للكعبة المشرفة، ما تفسيركم لذلك؟
- كما أشرت سابقا أنه قد تم تغيير باب الكعبة ومفتاحها أكثر من مرة، والمفتاح الذي كان سيدخل المزاد مرتين، ربما يكون أحد هذه المفاتيح.
* الكعبة المشرفة يتم غسلها مرتين في السنة.. ما تفاصيل الغسل، وهل هناك مواد ومعدات خاصة لتنظيف الكعبة؟
- تغسل الكعبة مرتين في السنة؛ الأولى في 15 محرم، والثانية في 1 شعبان، وتكسى بالثوب الجديد في 9 ذو الحجة، أما بالنسبة للغسل، فنقوم بالإعداد لذلك قبل موعد الغسل بشهر تقريبا بشراء أفضل أنواع العود الهندي المعتق، وكذلك ماء الورد الطائفي، ويخلط ذلك مع ماء زمزم، ويبدأ غسل الكعبة عادة بعد صلاة الفجر مباشرة بحضور الملك شخصيا أو من ينوب عنه.
* في السابق كانت كسوة الكعبة لونها أخضر، وبعد فترة تغير لونها للأسود.. ما سبب ذلك، وكم تكلفة هذه الكسوة؟
- الكسوة الخضراء هي الكسوة الداخلية للكعبة، وقد كانت حمراء سابقا، وجرى تغييرها إلى اللون الأخضر في عهد الملك فيصل، رحمه الله. أما عن الكسوة الخارجية، فقد كانت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من القماش المصري الأبيض، وفي عهد الدولة العباسية تمت كسوتها بالحرير الأبيض والديباج الأحمر، وبعد ذلك، تمت كسوتها باللون الأسود حتى يومنا هذا، ويبلغ ثمن كسوة الكعبة المشرفة السنوية أكثر من 22 مليون ريال.
* ما المحتويات الموجودة داخل جوف الكعبة المشرفة؟
- تحتوي الكعبة من الداخل على ثلاثة أعمدة حمراء بوسطها، ومعلق بها بعض الهدايا المقدمة من الخلفاء والسلاطين سابقا، كما يوجد «باب التوبة» وهو باب موجود على يمين الداخل للكعبة، ويتم من خلاله الصعود للسطح، وهو مصنوع من الذهب كذلك. أما أرضيتها، فهي من الرخام، وارتفاع جدرانها يصل إلى مترين، ثم بعد ذلك الكسوة الخضراء التي تغطي باقي الجدران والسقف كذلك.
* أين تذهب الكسوة القديمة؟ وهل لكم نصيب فيها؟
- في السابق، كانت تعود لنا كسوة الكعبة كاملة، ونقوم ببيعها حتى يوزع المال على أفراد العائلة مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكلوا منها بالمعروف». أما الآن، فلا يعود إلينا من الكسوة غير قليل القليل الذي لا يكفي لتوزيعه على أفراد العائلة، نظرا لكثرة أفراد عائلتنا حاليا، حيث تجاوز عددهم 350 فردا، وأصبحنا نعوض بمبلغ ضئيل جدا بالمقارنة بتكلفة الكسوة البالغة 22 مليونا، فأنا أناشد المسؤولين إعادة النظر في مقدار التعويض المخصص لعائلتنا، وكذلك إعادة النظر في مقدار الكسوة التي نحصل عليه سنويا؛ حيث إنه لم يعد يكفي كل أفراد عائلتنا كالسابق.
* من المتعارف عليه أن البناء له عمر افتراضي، وتعرضه للماء يؤثر على الأساسات.. كيف تتم صيانة الكعبة والحفاظ على بنائها؟
- تتم صيانة الكعبة بشكل دوري تحت إشراف رئاسة الحرمين الشريفين، من أي عوامل خارجية تؤثر على البناء، وقد تم عمل أكبر صيانة للكعبة في العصر الحديث في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، يرحمه الله، حيث تمت إعادة بنائها بعدما لوحظ وجود تصدعات بداخلها بسبب السيول والأمطار الشديدة، وقد كان ذلك عام 1417هـ.
* يقال إن الكعبة لها كثير من الأسرار.. أطلعنا على بعض من هذه الأسرار التي خص الله بها الكعبة المشرفة؟
- أعظم ما خص الله به بيته العتيق أنه لم يعبد قط من دون الله لا في الجاهلية، ولا في الإسلام، وكذلك وجود الحجر الأسود بها وهو حجر من أحجار الجنة، إلى جانب تعامدها مع البيت المعمور بالسماء، كما أنها مركز الكرة الأرضية، وقبلة المسلمين في العالم قاطبة.
* مع ازدياد أعداد زوار بيت الله الحرام وعدد الراغبين في الزيارة منكم، هل تواجهون مشكلة في تلبية رغبات الزوار؟ وكيف يتم التنسيق مع إمارة منطقة مكة المكرمة؟
- من المؤكد أننا نواجه إحراجات كثيرة، نظرا لكثرة الزوار والراغبين في دخول الكعبة. ولكن إمارة منطقة مكة المكرمة وأميرها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل يقومون مشكورين بالتنسيق والإعداد معنا لعمل تصاريح للدخول في كل مناسبة غسل للكعبة بعدما يتم إرسال الكشوفات لهم.
* هل هناك شروط لدخول الكعبة؟ ولمن تكون الأولوية؟
- لا.. لا توجد شروط للدخول، لكن الأولوية لكبار ضيوف الدولة، وكبار الشخصيات.
* في ظل التوسعة والمبالغ التي تصرف لصالح الحرمين الشريفين، هل تطمعون في توفير متحف أثري من قبل الدولة لاستضافة الزوار، وتعريفهم بماهية الكسوة والمراحل التي تمر بها وكيفية تصنيعها؟ ما تصوركم لذلك؟
- هناك متحف لعمارة الحرمين الشريفين يقع بجوار مصنع الكسوة بمنطقة «أم الجود» بطريق مكة - جدة القديم، ويحتوي على كثير من القطع الأثرية النادرة المتعلقة بالكعبة؛ مثل الباب القديم، وسلم الكعبة القديم، ومقصورة مقام سيدنا إبراهيم القديمة، والكثير من الأشياء المتعلقة بالحرمين الشريفين.
* بطاقة كبير السدنة:
* عبد القادر بن طه بن عبد الله الشيبي.
* من مواليد مكة المكرمة في ذو الحجة عام 1364هـ.
* تزوج بثلاث نساء أنجبن له 16 من الأبناء والبنات.
* عمل مديرا للخطوط السعودية في الجوف والقريات، وحصل على التقاعد عام 1418هـ.
* المهنة الحالية: كبير سدنة بيت الله الحرام.
* تسلم السدانة بعد وفاة عمه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الشيبي في 1 ذو الحجة عام 1431هـ.