«ألف اختراع واختراع».. مفهوم عصري لتاريخ ذهبي

يجسد الشخصيات التاريخية ضمن مهرجان «أرامكو» الثقافي

المعرض يمكن الزوار من التعرف على العديد من رواد العلم في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية (تصوير: عمران حيدر)
TT

تفاجئ «أرامكو» السعودية زوارها ضمن فعاليات الصيف الثقافية، بحزمة فعاليات تعرض لأول مرة في السعودية، من بينها معرض «ألف اختراع واختراع»، الذي يحكي حضارة الإسلام لأكثر من ألف عام.

ويمكن هذا المعرض الزوار من التعرف على العديد من رواد العلم في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، كالمهندس الشهير الجزري الذي اخترع نظاما تستخدمه حاليا كل الآلات حول العالم، كما يمكنهم التعرف على الأميرة فاطمة التي أسست أول جامعة حديثة حول العالم، وأيضا الطبيب الشهير الزهراوي الذي اخترع المئات من الأدوات الجراحية والتقنيات الطبية التي ما زالت تستخدم حتى يومنا هذا.

يهتم المعرض، الذي يحتل مكانا بارزا في المهرجان، بتغيير المفهوم السائد بأن الحضارة العربية والإسلامية لا تملك سجلا رائدا في الابتكار العلمي، حيث يصحح معرض «ألف اختراع واختراع» المفهوم الخاطئ عن إنجازات العصر الذهبي لحضارة المسلمين. وقالت شذى آل شنان، مديرة المعرض، إن اختيار الاسم جاء بهدف إحداث تغيير في ذهنية المواطن الغربي عن العالم الإسلامي، والمترسخة فيها حكايات ألف ليلة وليلة والسندباد البحري وعلي بابا وغيرها.

وتضيف «اخترنا أن نضع بدلا منها (ألف اختراع واختراع) كي نلفت انتباه الغربيين إلى أشياء مذهلة بالنسبة لدور الحضارة الإسلامية في مسيرة التاريخ الإنساني. كما أننا حرصنا على إشراك الشباب في أداء الشخصيات لكي نقدم للجمهور طريقة مختلفة في طرق العرض حيث إن المجتمع العربي لا يزال يعتمد على السمع في تلقي المعلومة أكثر من القراءة».

وأوضحت آل شنان أن الفترة التي عرفت في أوروبا بالعصور المظلمة كانت بالنسبة للحضارة الإسلامية زاهرة ومضيئة، حيث تألقت فيها إبداعات واختراعات العالم الإسلامي التي أدت إلى العديد من الاختراعات العلمية الحديثة، وساعدت تلك الاختراعات في بناء أسس عالمنا المعاصر. وأبانت أن المعرض يلقي الضوء على الإنجازات التي حققها رجال ونساء من أديان وثقافات متنوعة عاشوا خلال فترة العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.

وذكرت آمنة الفضلي، من مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (تابع لشركة «أرامكو» السعودية)، أن هذا المعرض يعد إضافة كونه يبرز تاريخ الحضارة الإسلامية، وتعد تجربته متميزة في طريقة العرض والذي يعتمد على التعليم بالترفيه، مشيرة إلى أن المهرجان يحاول توصيل أكثر من رسالة إيجابية للمجتمع وتوعيته بأساليب مختلفة ومتنوعة وممتعة في الوقت نفسه، وعبر استخدام شخصيات حقيقية لتأدية أدوار تاريخية كتجربة أولى تقدم في السعودية.

ويبدأ المعرض في تعريف الزوار بالحضارة الإسلامية بمشاهدة فيلم تسجيلي بعنوان «ألف اختراع واختراع ومكتبة الأسرار»، وأعدّ الفيلم خصيصا للمعرض بإخراج سينمائي مميز مدته 10 دقائق، ويتبنى الفيلم أسلوب القصة القصيرة حيث يحكي قصة ثلاثة طلاب يقومون بزيارة مكتبة قديمة يتراكم فيها الغبار لإعداد بحث عن «العصور المظلمة»، غير أن ما يجدونه يغير نظرتهم إلى عالمهم تغييرا مثيرا، إذ يظهر أمامهم بعض المخترعين الأفذاذ، ورواد العلم والتقنية وكأنهم عادوا إلى الحياة. ويقوم الممثل الحائز لجائزة الأوسكار، السير بن كينغسلي، بدور المهندس الجزري الذي عاش في القرن الثاني عشر، فيعرّفهم بالثروة العظيمة من المخترعات والإبداعات التي شهدها العالم الإسلامي في الحقبة التي امتدت من القرن السابع إلى القرن السابع عشر.

وأثناء التجول في المعرض تستوقف الزائر عدة شخصيات تاريخية توزعت في جوانب المعرض يؤدي أدوارها مجموعة من الشباب والشابات، فتشاهد هنا شخصية فاطمة الفهري المرأة الشابة من مدينة فاس والتي بنت أول جامعة حديثة في العالم بالمفهوم الحديث (جامعة القرويين) وتم تأسيسها عام 851.

ومن الشخصيات المميزة في المعرض الرحالة الصيني المسلم تشينغ خه، أو «حاجي محمود شمس» الذي قاد سبع رحلات استكشافية عبر البحر في القرن الخامس عشر الميلادي في سفن خشبية ضخمة لم يشهد لها العالم مثيلا، والذي يؤدي دوره نعيم البطاط (ممثل مسرحي)، حيث ذكر أن «تجربة عرض الشخصية وطريقة الأداء في المعرض تختلف عن المسرح، فهنا نقابل الجمهور بشكل مباشر وقريب، ويكون التفاعل مباشرا ومن دون حدود، ولقد لمست تجاوب الجمهور وتفاعلهم خاصة أننا نقدم معلومات قيمة ولم يتم تسليط الضوء عليها أو التعريف بها».

وفي الجانب الآخر، نشاهد المخترعة مريم الإسطرلابي، التي طورت إسطرلابا متميزا لحاكم حلب في القرن العاشر الميلادي يستفاد منه في تحديد أوقات الصلاة. وقامت بأداء دورها فاتن زكي سعيد التي أكدت على «نجاح التجربة في تجسيد دور لشخصيات التاريخية، حيث أسهمت في جذب الجمهور وتجاوبهم مع ما يقدم من معلومات بشكل مباشر، فهناك من يحب أن يسمع المعلومات أكثر من قراءتها، كما أنها تتفاعل مع الجمهور وتستطيع الإجابة عن كل استفساراتهم، وقد تلقينا دورة مكثفة على طريقة العرض أسهمت في الرفع من أداء العارضين وتمكينهم من التقديم بشكل احترافي».

وفي عالم الإبحار والملاحة يأتي بالأخص دور الملاح العربي المشهور أحمد بن ماجد، واختراع الشراع المثلث الذي يعين على الإبحار بعكس اتجاه الريح، وكيف أن المبادئ العلمية التي يتميز بها هذا الشراع أدت إلى تصميم أجنحة الطائرات ومن ثم إلى تصميم شكل سيارات السباق مثل «فورميولا1»، حيث يبقيها على الطريق بدلا من أن تطير على أثر سرعتها. وقام بأداء هذا الشخصية علي حسن الجفال (ممثل مسرحي) الذي قال «بعد أن جاء ترشيحي للمشاركة في المعرض واختيار الشخصية بحثت عنها ووجدتها شخصية قريبة مني، فأنا من محبي الحياة البحرية، فسعدت بأداء هذه الشخصية التي أتمنى أن أراها تتحول إلى عمل مسرحي أو سينمائي، فهي شخصية غنية وزاخرة وأسهمت في تطور الصناعة البحرية وصناعات أخرى».

وفي إحدى جنبات المعرض تلتقي مع الحسن بن الهيثم، أول عالم حقيقي وأول من شرح كيف تعمل العين، وبجانبه نموذج ضخم لآلة التصوير بالثقب الدقيق، لكي يعرف الزوار كيف وضع ابن الهيثم أسس التصوير وعمل الأفلام، وتقف في الطرف الآخر الليدي مونتيغو زوجة السفير الإنجليزي في القسطنطينية سابقا (إسطنبول) والتي استطاعت العيش في المجتمع الشرقي ودخلت في حيات أهله، وكانت قريبة من نساء المجتمع وتعرفت على عاداتهم، واكتشفت أثناء انتشار مرض جديري الماء كيف يداوي النساء أطفالهم من هذا المرض، فقامت بنقل طريقة العلاج للمجتمع الغربي وأصبحت حلقة الوصل بين المجتمعين.

والمعرض يستخدم وسائل ما يسمى «Edutainment»، أي دمج الوسائل التعليمية والترفيهية. وقبل أشهر قليلة فاز المعرض بجائزة أفضل معرض متجول في حفل جوائز المتاحف والتراث في لندن.