المرأة السعودية العاملة.. بين سندان البطالة ومطرقة صعوبة العمل

مختصون: الموروثات الثقافية تسببت في بطالة المرأة.. وصعوبة المواصلات وقلة الأجور أعاقتا عملها

الموروثات الثقافية لم تعد تقف حجر عثرة أمام المرأة السعودية في مجال العمل (تصوير: سلمان مرزوقي)
TT

أكد تقرير صادر عن وزارة العمل السعودية تصدر النساء قائمة البطالة، وبينت الإحصاءات أن 70 في المائة من البطالة في السعودية تقع بين النساء مقابل 30 في المائة من الذكور، وجاء في التقرير أن 85 في المائة من السيدات اللاتي يتصدرن قائمة البطالة يحملن مؤهل الثانوية.

وعن بطالة المرأة، والصعوبات التي تواجه المرأة العاملة، أوضح مختصون لـ«الشرق الأوسط»، أن الموروثات الثقافية تقف حجر عثرة أمام المرأة السعودية والوظيفة، والتي تسببت في بطالة نسائية وصلت نسبتها إلى حد مخيف، بينما أكد مختصون آخرون أن هناك صعوبات واجهت المرأة السعودية العاملة والتي تجاوزت مرحلة الموروثات الثقافية الضيقة، وبلغت حد عدم الحصول على الأمان الوظيفي، وكان من أهم هذه الصعوبات عدم توفر المواصلات، وقلة الأجور، إضافة إلى التمييز في العمل بين الرجل والمرأة.

الموروثات الثقافية وبطالة المرأة

* أكد الاقتصادي عصام خليفة عضو جمعية الاقتصاد السعودي، أن عمل المرأة في السعودية بات حديث المجالس، وشغل الناس الشاغل، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل تجاوز هذا الحد، وأصبح ساحة مناظرة بين مؤيد ومعارض، وجدل قائم بين بعض فئات المجتمع.

وعلى الرغم من أن المرأة السعودية أثبتت جدارتها وقدرتها وطموحها، ومدى تفاعلها مع المتغيرات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية الحديثة والاستفادة منها في التنمية الاقتصادية، لكن عصام خليفة يرى أن الضغوطات التي تواجه المرأة العاملة وقفت حاجزا بينها وبين المسؤولين لإيصال صوتها، ومناقشتهم في المعوقات التي تواجهها أثناء عملها.

ويرى أن من بين هذه المعوقات التي تسببت في تعثر عمل المرأة، وزيادة نسبة البطالة بين النساء السعوديات، سيطرة بعض العادات والتقاليد، ونظرة البعض في المجتمع السعودي إليها باعتبارها أنثى، وأن خروجها إلى العمل سيؤدي إلى اختلاطها مع الرجال، وذلك سيؤدي إلى نحر حيائها وهتك عفتها أمام الملأ، وفي النهاية إلى انفراط سبحة الأخلاق.

واعتبر أن هذه النظرة هي التي دفعت البعض إلى القول بعدم ضرورة عمل المرأة، خاصة في المجالات التي فيها اختلاط مع الرجال، والاكتفاء بمشاركة المرأة في أمور التربية، وفي شؤون الطفولة والأمومة وغير ذلك من الأمور المنزلية، وهذه النظرة الضيقة للمرأة أدت إلى تعطيل دورها في المساهمة في التنمية الاقتصادية.

إضافة إلى وجود أصوات رجالية ونسائية داخل مجتمعنا ما زالت متمسكة بتحجيم أدوارها، وتطالب بعدم الانصياع لمطالب انضمامها لسوق العمل، بحجة أن عملها سيؤدي إلى استقلالها اقتصاديا وتحررها فكريا وذاتيا من سيطرة الرجل، وأن ذلك سيؤدي إلى تمزيق أستار المجتمع.

حلول ومبادرات

* ولتذليل هذه المعوقات والصعوبات يرى عصام خليفة أن المرأة السعودية تحتاج إلى حلول ومبادرات خلاقة، تعمل على تغيير المفاهيم المصلحية الضيقة التي تعوق المرأة في الحصول على حقها الوظيفي.

ويرى أن هذه المبادرات تبدأ من التنشئة الأسرية من الوالدين، من خلال زرع الثقة فيها وتوجيهها نحو التعامل الصحيح والخطأ مع الرجل خاصة في المجالات التي فيها اختلاط، بما يتناسب مع الشريعة الإسلامية ومبادئ الأخلاق.

كما أن تهيئة المرأة لسوق العمل تكون بتوجيهها أيضا منذ المراحل الأولى للتعليم، حول الخيارات النوعية للعمل، التي تقودها إلى فرصة العمر في العمل الذي ترغب فيه، مبينا أن لإدارة التربية والتعليم، والجامعات، دورا مهما في تنوير عقلية المرأة، بأنها شريك رئيسي في التنمية الاقتصادية.

وأكد أن سنوات الدراسة يمكن أن تكون بيئة عملية لاكتشاف فرص العمل في وقت مبكر، إذا ما بنيت المناهج الدراسية في ضوء فلسفة عملية تشجع المرأة على الانخراط في مختلف الأعمال المهنية والفنية من دون تمييز، حتى يساعدها ذلك على المساهمة الفعلية في القطاع الخاص، وحتى يمكنها من التخلص من عقدة البحث عن وظائف لا تتسع لها أفواج الخريجات وإحلالهن في كثير من الوظائف التي تعمل فيها النساء غير السعوديات.

دور المرأة في التنمية الاقتصادية

* من جهتها، ترى الدكتورة عائشة نتو عضو مجلس إدارة غرفة جدة، أن للمرأة السعودية دورا بارزا وواضحا في التنمية الاقتصادية، ولقد عملت الدولة على احترام ذلك الدور وتقديره وإعطائه مكانته التي يستحقها، كما عملت على ضمان دور المرأة وأخذه في الاعتبار عند صياغة القوانين والقواعد والنظم الاقتصادية والمالية والاستثمارية. والمرأة السعودية في الآونة الأخيرة أخذت مكانة رفيعة في عالم الاقتصاد والأعمال، وساهمت في التنمية الاقتصادية مساهمة فاعلة ومؤثرة.

وعن المعوقات والصعوبات التي تواجه المرأة السعودية العاملة، أكدت عائشة نتو أن معوقات عمل المرأة كثيرة ومتشعبة، وترى أن عائق الوقت من أهم الصعوبات التي تواجه موضوع تأنيث المحلات.

3 صعوبات أمام المرأة العاملة

* قالت الدكتورة عائشة نتو «طالبت في وقت سابق، في إحدى مقالاتي، أن يتم تغيير ساعات عمل المرأة في المحلات، وأن يكون الدوام فترة واحدة، مثل دوام القطاع البنكي، بدلا من فترتين صباحية ومسائية، فأنا أرى أن جعل الدوام فترة واحدة سيحمي الموظفات من العودة إلى المنزل في وقت متأخر».

واعتبرت عائق المواصلات من أهم العقبات التي تقف أمام تأنيث المحلات، وقالت «ذكر وزير العمل أن نسبة البطالة بين النساء بلغت مليونا وثمانمائة ألف، أي ما يعادل 70 في المائة من البطالة تقع بين النساء، مقابل 30 في المائة من البطالة بين الذكور، وذكر أيضا أن 85 في المائة منهن خريجات الثانوية، مما يعني أن تأنيث المحلات خاص لخريجات الثانوية، وفي الواقع هذا القطاع الخاص لن يدفع لهن إلا ما يقارب 3 آلاف و500 ريال، وهذا الطبيعي، وعلى اعتبار أن أقل مبلغ ممكن أن تصرفه الموظفة في مواصلاتها 40 ريالا يوميا، يتبين لنا أن الفتاة تدفع نصف راتبها بدلا للمواصلات».

وأضافت نتو «نحن أيضا كنساء عاملات نحتاج لمواصلات، ونطالب بمواصلات عامة كالباص والمترو وعدة مواصلات توصل إلى العمل، فعودة الفتاة بتاكسي في وقت متأخر أمر يرفضه المجتمع، لكنه أمر واقع في ظل منع قيادة المرأة للسيارات».

وترى أن العائق الآخر الذي يقف أمام عمل المرأة، هو قلة الرواتب خاصة في القطاع الخاص، وبينت أن هناك بعض الشركات تدفع رواتب متدنية لا تتجاوز الـ1500 ريال، متسائلة عما ستفعله بها، مبينة أن الحد الأدنى لرواتب القطاع الخاص لم يحدد حتى الآن، إلا أن الذين يدعمهم صندوق الموارد البشرية تصل رواتبهم إلى 3 آلاف ريال.

ولفتت إلى أن الرواتب المرتفعة، والمناسبة، تعد سببا من أسباب نجاح الموظف في عمله، وقالت «نجد السعوديين ناجحين في البنوك، و(أرامكو)، والشركات الكبيرة، التي وفرت لهم رواتب وبيئة عمل ناجحة، فلماذا لا نهيئ بيئة العمل للفتيات، ولا نجحف حقهن، من خلال توفير المواصلات، وإعطاء الرواتب المناسبة، حتى يثبتن قدرتهن على العمل؟! فهذه العوامل الثلاثة ستساعد في إنجاح عمل المرأة».

وترى نتو أن الحل يكمن في وضع قرارات سياسية، بإقرار المواصلات العامة، كما نحتاج إلى أن نغير أوقات السوق لتكون دواما واحدا، مبينة أن هذين هما القراران المهمان، يليهما القرارات الخاصة بتوفير الرواتب المجزية للفتيات.

عمل المرأة في الإسلام

* يرى السيد عبد الله فدعق المفكر الإسلامي السعودي، أن الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية بمختلف أنواعها، وأعطى المرأة الاستقلال المالي عن ولي أمرها، سواء كان أباها أو زوجها، وأعطاها الحق في أن تتعاقد، وتتحمل الالتزامات، وتملك العقار والمنقول، وتتصرف في ما تملك، ولا يحق لوليها أن يتصرف في أملاكها إلا بإذنها، كما يحق لها أن توكل وأن تفسخ الوكالة، ولها الحق في العمل بما يتناسب مع الشريعة الإسلامية.

وبين أن العمل في الإسلام ليس خاصا بالرجل وحده، ولا بالمرأة وحدها، فالعمل مطلوب من الجنسين، والتكسب من العمل من أفضل العبادات، معتبرا حصره بالرجل فقط خطأ كبيرا.

وقال «لا بد أن يعي الجميع، سواء الموافق أو المعترض، أن المرأة غير ملزمة بالعمل، وإن اختارت أن تعمل فلها حرية الاختيار في الاستمرار في عملها أو تركه، وفقا لحاجتها».

وطالب فدعق من الذين يرون أن عمل المرأة ممنوع شرعا، تطبيق ذلك على بناتهم ومن يعولون، وترك الحرية لمن ليس لهم حكم عليهن.

واستنكر فدعق أن يكون في هذا الزمن من ينادي بالعودة إلى الخلف والبدايات القاسية، مشيرا إلى الفترات الماضية التي منعت المرأة من التعليم والعمل، ويرى أنه من غير المعقول أن يتقدم العالم بأكمله للأمام ونظل نحن متأخرين.

وأشار إلى أن معوقات العمل موجودة سواء عند المرأة أو الرجل، وقال «بعد ستة أشهر ستتبوأ المرأة مقعدا في مجلس الشورى، والمجالس البلدية، فهل من المعقول بعد أن نصل إلى هذه المرحلة من التقدم والتحضر، نسمع أصواتا نشازا تطالب بعدم عمل المرأة؟! أعتقد أن هذا الكلام لا يقدم ولا يؤخر».

تمكين المرأة في العمل

* من جهتها، شددت ندى الناشف مديرة المكتب الإقليمي لمنظمة العمل الدولية، على أهمية تمكين المرأة في العمل، وطالبت بضرورة تهيئة بيئة عمل صحية للمرأة، إضافة إلى المساواة بينها وبين الرجل في العمل، والأجر، والحقوق.

ورفضت التمييز في العمل بين الرجل والمرأة وإن كان إيجابيا، وطالبت القطاع الخاص والحكومي بمساواة الأجور بين الرجل والمرأة، فهي ترى أنه من غير المنطقي تخصيص رواتب للرجل في العمل أعلى من المرأة، على الرغم من تساوي المؤهلات التعليمية والخبرات.

وبما أن المجتمعات العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، مجتمعات محافظة، ترى الدكتورة ندى الناشف ضرورة مراعاة ظروف العمل وعدد ساعات عمل المرأة، مشيرة إلى أن المرأة لها الكثير من الاستحقاقات التي لا بد أن تنال اهتمام الدولة والقطاع الخاص.

وترى أن من أهم استحقاقات المرأة السعودية في العمل توفير وسائل النقل، ومواصلات عامة، نظرا لظروف السعودية الخاصة التي تمنع قيادة المرأة للسيارة، وإعطاءها حقها في إجازات الأمومة، وإيجاد أماكن حاضنة للأطفال، مطالبة بضرورة إيجاد حلول في هذا الاتجاه.

وشددت على ضرورة الاستثمار في القطاع الخاص من خلال التدريب، وعدم الاتكال على النظام الجامعي، والتدريب المهني، إلى جانب تحفيزهم وتشجيعهم، من أجل خلق إنتاجية أكبر للمرأة والرجل.

وأكدت أن دورها في منظمة العمل الدولية، المطالبة بحقوق المرأة العاملة في العالم بأكمله، والمطالبة برفض التمييز، وعدم الحد من حرية المرأة وتطلعاتها، كي لا تشعر المرأة بأنها عنصر كادح في المجتمع، مشيرة إلى أن المرأة لها حرية الاختيار التي منها التسهيلات الوظيفية خاصة في المراحل الانتقالية.

وبينت أن المرأة العربية أقل نسبة مشاركة في القوى العاملة بالعالم، مرجعة قلة نسبة مشاركتها إلى الإشكالية التي تواجهها في العمل، مما دعا المختصين بشؤون المرأة إلى التركيز على الانتقال من التعليم إلى العمل.