رمضان يؤصد أبوابه في وجه السحرة ويفتحها للتائبين

القبض على 70 ساحرا غرب السعودية

الساحر يعتمد على الطلاسم والأشكال الغريبة في تنفيذ أوهامه («الشرق الأوسط»)
TT

سقط 70 وافدا من جنسيات مختلفة، يمارسون السحر والشعوذة في قبضة هيئة الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية في جدة غرب السعودية، يمارسون أعمالهم داخل الأحياء الشعبية وعلى أطراف المدينة.

هذا الرقم لمدينة واحدة من المدن السعودية في النصف الأول من العام الهجري الحالي، دفع رجال الدين والمثقفين إلى تكثيف الجهود التوعوية تزامنا مع قدوم شهر رمضان الذي يحبس فيه الجان والشياطين وتزلزل سوق السحرة ويصيب بضاعتهم بركود، لتحول الناس في هذا الشهر للعبادات وفعل الخير والبعد عن المعاصي.

ووفقا للدراسات والأبحاث وما يتم رصده في أعقاب الإطاحة بالسحرة فإن كثيرا من الناس يتجهون للسحرة والمشعوذين لحل مشاكلهم وعلاجهم من أمراض عجز الطب الحديث من علاجها، وهناك آخرون يأملون من الساحر زيادة أموالهم، ومشاكل أسرية يترجون حلها.

وجاءت عملية الإطاحة بالسبعين ساحرا بعد إجراءات مراقبة وتحر على أثر وردود بلاغات مفادها، تردد عدد من الضحايا في ساعات متأخرة من الليل على مساكن شعبية في مواقع مختلفة، مع تصاعد أصوات وروائح من تلك المنازل، بينما استدرجت فرق البحث التابعة للهيئة بعض السحرة بعد الاشتباه في تحركاتهم وتنقلاتهم من موقع لآخر.

وبحسب الأنظمة المعمول بها في السعودية وإكمال إجراءات التحقيق وتوفر القرائن على المتورطين تتم إحالتهم للقضاء لإصدار الأحكام الشريعة والتي تصل لحد القصاص في كثير من الحالات التي يثبت فيها امتهان الساحر للقرآن الكريم.

ويعول الشيخ سعود العبيد، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جدة، على برامج التوعية في تثقيف المجتمع السعودي والمقيمين في البلاد من جميع الجنسيات، التي تبثها الهيئة وعدد من الجهات ذات العلاقة والمهتمة في ملاحقة السحرة خاصة، والحديث للعبيد، في شهر رمضان الذي يكثر فيه عمل الخير والبعد عن المعاصي.

وشهدت السعودية في السنوات الأخيرة تزايدا في أعداد المدعين بعلم الغيب من العمالة الأجنبية التي امتهنت الدجل داخل الأحياء الشعبية القديمة، بهدف الكسب السريع، خاصة أن مهنة المشعوذ تدر دخلا مرتفعا للساحر المتمكن من الالتفاف على الناس.

وتشير الأرقام إلى أن الدخل السنوي لا أكثر من 100 مشعوذ وساحر تقدر بأكثر من 50 مليون ريال سنويا، إذ لا يقل سعر الكشف على الحالة المرضية المزمنة (الممسوس) بحسب قولهم، عن خمسة آلاف ريال، في حين يعمد المشعوذ على أخذ مبالغ مالية مسبقا قبل إتمام العلاج أو الصفقة، حتى يتسنى له الهرب والمماطلة في حال عدم ثبوت ما نوى فعله.

وعرف السحر قبل الميلاد في بلاد الهند واليونان (الإغريق) ودلت المخطوطات المصرية القديمة على أن جميع الطوائف تعاملت بالسحر، للعلاج أو لسحر رجل أو امرأة، وفق معادلات جبرية، ومجاميع حسابية فلكية للوصول إلى للهدف، مخالف جميع المعتقدات والأعراف، من خلال عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يكتبه، أو يعمل شيئا يؤثر.

وتقوم جميع القطاعات الأمنية وفق مصادر بملاحقة المشعوذين والسحرة من خلال البحث والتحري وعمليات التفتيش والدهم للأوكار المشتبه فيها وتكثر بها العمالة الوافدة وتقوم دوريات الجوازات بحملات مكثفة على المواقع المشتبه فيها والتي يكثر بها التجمعات كالأحياء السكنية القديمة.

وهنا لم يستبعد رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة جدة، سقوط سحرة في أيدي السلطات في شهر رمضان، وقال إن السحرة لا يتوقفون عن معاصيهم، وما يحدث أن الناس لا تلجأ إليهم في هذه الفترة، موضحا أنه لا مفر من النجاة من شراكهم إلا بالدعوة والإرشاد وإيضاح خطورتهم، وهو ما نجحت فيه الهيئة وتمثل في حضور 220 ألف زائر للمعرض التوضيحي لمخاطر السحرة في المجتمع الذي اختتم أعماله مؤخرا في جدة.

وللسحر - وفقا لمختصين - ثلاثة أشكال، منها التأثير الخارجي والذي يشعر المسحور فيه بأشياء يراها ويسمعها وتوقظه من نومه وتخيفه، وهناك التأثير الداخلي ويحدث هذا عندما يكون خادم السحر متملكا على الجسم، ويقول الرسول، صلى الله عليه وسلم «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم»، والنوع الثالث يكون فيه السحر مؤثرا داخليا وخارجيا.

ويرى الدكتور وائل محمد، استشاري الطب النفسي، أن أسباب اللجوء للمشعوذ تعود إلى عوامل كثيرة أبرزها ضعف الوازع الديني لمن يطلب مساعدة الساحر، إضافة إلى انعدام التوازن الطبيعي في الأسرة، وعدم مناقشة الأمور المتعلقة بكل فرد إلا بالاصطدام والعنف، فيخرج من نطاقه وضعف شخصيته للبحث عن الحلول لدى السحرة والمشعوذين.

ويقول الاختصاصيون، إن النسبة الأكبر التي تستنجد بالسحرة والمشعوذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و45 عاما، وهم من الأشخاص الذين يعتقدون أن الساحر قد يساعدهم في حل مشاكلهم الأسرية، أو النجاح في المستقبل وتحقيق الوظيفة المناسبة، وغير ذلك من الأعمال التي يعتقد الطالب أن الساحر هو من يحقق له هذه الأهداف.

ومن أعراض السحر، المس وسرعة الغضب والانفعال، كما يشعر المسحور بأنه مدفوع لأعمال خارجة عن إرادته، مع وجود آلام في أسفل الظهر، وتتغير طباع المسحور من العبادة إلى المعصية ومن الفرح إلى الحزن، ومن الحب للكراهية، وصدور رائحة كريهة من فم أو جلد المسحور أو من رأسه.

وتجمع كل محاضر التحقيق مع السحرة الذين تم القبض عليهم، على أنهم قدموا من دولهم بعد أن تعلموا وتركوا هذا المجال غير المجزي في ديارهم، الأمر الذي دفعهم في ظل ما تعيشه منطقة الخليج من ثورة اقتصادية، ودفع مبالغ طائلة من المحتاجين للعلاج للحصول على مرادهم وإن كان في إطار مخالف للمعتقد والعرف.

ويكون علاج السحر عبر الرقية الشرعية، والأدوية المباحة التي جربت في علاج السحر، مع أهمية العثور على ما فعله الساحر من عقد أو غيرها وإتلافها، وفي هذا الصدد أجمع علماء المسلمين ومثقفوهم على حرمة اللجوء للعرافين والكهنة والسحرة، لما يشكلونه من نتائج سلبية على الفرد والمجتمع.