«المولات».. مراكز ثقافية للترفيه العائلي

تحولت إلى جاذب اجتماعي بأجندة تسويقية

التنافس الكبير بين المجمعات التجارية يصب في صالح العملاء («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن كثرة المراكز التجارية والمولات، جعلت كل حي من أحياء عروس البحر الأحمر، يحظى بأكثر من مول تجاري، الأمر الذي ساعد عليه انتشار الثقافة الاستهلاكية لدى شريحة كبيرة من المجتمع؛ الذي يتجلى بصورته الأكثر شراهة في المواسم؛ مما انعكس بشكل إيجابي على المستثمرين، في عالم المولات التجارية.

وقد قامت المولات التجارية على أنقاض الأسواق الشعبية المفتوحة لتقدم صيغة جديدة للتسوق من خلال طرح أشكال مختلفة وأكثر تطورا للعرض، وهو الأمر الذي بدأ مع مطلع الثمانينات الميلادية، من خلال مراكز كان لها قصب السبق في طرح مفهوم جديد للتسوق منها سوق جدة الدولية وسوق المساعدية.

وفي حين بدأ عالم المراكز التجارية في العشرين سنة الأخيرة يحظى بقبول المستهلك المحلي بسبب «النمو الحضري والعقاري والعمراني في منطقة الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص»، كما أبان محمد علوي الرئيس التنفيذي لـ«شركة أسواق البحر الأحمر».

وشكلت عوامل أخرى نقاط جذب أكبر للاستثمار في عالم المولات؛ يأتي على رأسها مناخ يرسم ملامحه ارتفاع درجات حرارة تكاد تكون ثابتة على مدار العام، فيما شجعت «زيادة الدخل العام والنمو السكاني إقبال المستهلك على المولات التجارية»؛ بوصفها متنفسا حيويا لقضاء الوقت؛ وهو ما انعكس إيجابا في خلق وظيفة اجتماعية للمول، عبر أجندة تسويقية خلقت سوقا تنافسية بين المولات؛ عبر سلسلة أنشطة وفعاليات حولت المول من مساحة للعرض والطلب، إلى «مركز مدينة مصغر»، كما وصفه علوي. ويتضح الدور الاجتماعي الذي يلعبه المول فيما يقدمه في مواسم الأعياد والمناسبات، كما هي الحال في شهر رمضان الذي تطول فيه الفترة المسائية، بصفته موسم سهر وتسوق.

وفي غضون السنوات العشر الأخيرة؛ تحولت أغلب المولات إلى «مراكز ثقافية وترفيهية، تجمع تحت سقوفها أنشطة متنوعة، تستهدف شرائح مختلفة من المجتمع، خصوصا العائلة»، كما أوضح علوي، ولم تقف عند هذا الحد؛ بل أصبحت ناقلا للأفكار، عبر مساهمات وسائل إعلامية منها محطات «إف إم» الإذاعية، التي «تقدم خدمة إعلانية للتجار»؛ لأنها «قوة داعمة للمراكز التجارية»؛ الأمر الذي خلق ما سماه علوي «تحالفات بين وسائل إعلامية وفئة التجار؛ من خلال الأنشطة والفعاليات المختلفة؛ التي يقيمها المول».

الواقع الافتراضي الذي يعيشه المجتمع؛ عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ «فيس بوك» و«تويتر»؛ بالإضافة لمواقع الشبكة العنكبوتية ذات العلاقة بالمراكز التجارية، اعتبرها علوي واحدة من السبل التي فتحت آفاقا واسعة لتبادل الخبرات في مجال التسويق للمولات التجارية.

ويأتي تنوع الأنشطة والفعاليات بين المولات التجارية مؤشرا إيجابيا فتح الباب للتنافس في تقديم برامج تتوازى مع مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وتقديم خدمات مجتمعية، تتفاوت بين الدينية التي تتناسب مع قدسية الشهر الفضيل، عبر بث أناشيد وموشحات دينية، ناهيك بالمسابقات الرمضانية التي تحتل منصات العرض، المذيلة بجوائز تخطف الأبصار عند بوابة كل مركز تجاري.

وفي الوقت الذي تعددت فيه أساليب الجذب، كان طرح أسماء المراكز التجارية أمرا استثنائيا؛ فمن جهة جاءت فاتحة للمستهلك المحلي خيالا أوسع في عالم التسوق في نسخته الجديدة، وهو ما يبدو واضحا في مراكز مثل «مجمع العرب» و«رِد سي» و«الأندلس»، في حين حملت بعض المراكز أسماء أحياء تنتمي إليها؛ بهدف تقديم خدمتها لسكان الحي بالدرجة الأولى، وهو ما اعتبره علوي ظاهرة صحية؛ إلا أن «عدم وجود أنظمة تحدد نسب المساحات التجارية، وتخصيصها بناء على إجمالي عدد السكان في كل منطقة سكنية، ونسب الدخل والاحتياجات الحقيقية للسكان؛ مع مراعاة طبيعة المنطقة»، من الأمور السلبية التي تنعكس على جانب الاستثمار في تلك المناطق.

كثرة المراكز التجارية والانعكاسات المترتبة عليها، عملت على وضع تصنيف لها عند مرتاديها؛ وإن كان هذا التصنيف عشوائي قائم على صورة ذهنية لا تخلو من جماليات الديكور وحجم الترفيه العائلي؛ إلا أن هذا التصنيف يتقاطع مع تصنيف آخر بطله هذه المرة المجلس العالمي لمراكز التسوق، ويقوم على اعتبارات؛ منها خضوع العاملين في المراكز لأنظمة وبرامج تدريب معتمدة من قبل المجلس.

بينما تحل معايير في مقدمتها «قدم المركز إلى جانب الخدمات التي يقدمها وسلسلة المطاعم والمقاهي ووسائل الترفيه المتاحة به الذي يضعه في خانة الأربعة أو الثلاثة نجوم»؛ كما أبان علوي. وتأتي عوامل مثل مساحة التأجير الإجمالية للمركز؛ التي قد تتجاوز في بعض الأحيان حاجز الـ100 ألف متر مربع؛ الأمر الذي يضع بعض المراكز في تصنيف «السوبر ريجينال مول»، إذا ما اعتمد المول على خليط تجاري، تعلو فيه نسبة الماركات العالمية، تاركا بذلك تصنيف «السوبر مول» لمراكز لا تتجاوز في مساحتها التأجيرية حاجز الـ110 أمتار مربعة، وتظل الـ6 آلاف متر مربع المساحة الإجمالية لأي مركز تجاري.

يأتي كل ذلك، في وقت تعتمد فيه كثير من الدول الصيغة المتعادلة لوجود الأسواق المفتوحة، التي تعتمد تجارة التجزئة التي تطورت فيها أشكال العرض مع مطلع الثمانينات والتسعينات.

احترافية التجارة جعلت من جدة بوابة تجارة رئيسية، بالإضافة لعوامل أخرى منها الخبرة التراكمية لأهالي العروس في التعامل الفطري واللطيف مع الزوار الذي يتسمون به؛ إلى جانب التلاقح الحضاري؛ باعتبار جدة ميناء رئيسيا كلها لعبت دورا في جذب المستثمر في عالم المراكز التجارية إليها؛ دون أن يتبع ذلك الخوف من المنافسة.