«فوبيا نهار رمضان» تزعج أرباب العمل وتفقد العشرات وظائفهم

TT

يمثل العمل في نهار شهر رمضان المبارك «فوبيا» لدى شريحة واسعة من الموظفين، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، في ظل الأجواء الحارة والقاسية التي تعاني منها معظم مناطق السعودية في هذه الأيام، حيث تصل الدرجات في بعض المناطق إلى 50 درجة مئوية.

في وقت يقضي الموظفون السعوديون والمقيمون المسلمون على أرض المملكة الأيام القليلة الماضية جل نهار الصيام لشهر رمضان المبارك في أعمالهم، وعادة ما يحدث كثير من المواقف، يصل أحيانا إلى درجة المشكلات تنتهي بعضها بفقدان أشخاص أعمالهم نتيجة عدم تحمل ظروف الصيام وتغيبهم أو تأخرهم عن الذهاب للعمل بأعذار تعود عليها أرباب الأعمال. ويعد شهر رمضان الحالي هو الأقسى من حيث المناخ منذ 33 عاما، حسب تقارير صدرت مؤخرا أعدها خبراء.

ورصدت «الشرق الأوسط» من خلال عدد من الاتصالات التي تم إجراؤها مع أرباب أعمال وموظفين في القطاع الخاص وكذلك مع مديرين وموظفين عاديين في القطاع الحكومي أن نسبة الغياب تتراوح ما بين 10 و15 في المائة على الأكثر في حين تتراوح نسبة التأخر عن الدوام لأكثر من 30 دقيقة قرابة الـ25 في المائة، وغالبية الأعذار التي تم رصدها منها النوم المتأخر أو التعب الشديد جراء الأجواء الحارة التي تشهدها المنطقة الشرقية هذه الأيام.

كما أن هناك شريحة واسعة قد تصل إلى النصف تسربت من أعمالها بالاستئذان والمغادرة للعمل قبل موعد نهاية الدوام في اليومين الأولين بأكثر من نصف الساعة وغالبية هؤلاء من القيادات في القطاعين الحكومي والخاص.

وعلى الرغم من أن هناك لجنة مشكلة من هيئة مكافحة الفساد وتقوم بالزيارات المفاجئة للدوائر الحكومية فإن ذلك لم يكن رادعا لكثير ممن تسربوا من أعمالهم.

وعن المعاناة التي يشكو منها أرباب العمل يقول مسعود اليامي، صاحب إحدى المؤسسات التجارية: «البعض يصور نهار رمضان بأنه وقت للخمول من خلال التصرفات السلبية فيه وعدم سعي شريحة متزايدة من الموظفين سواء في القطاع الخاص أو العام إلى تأدية عملهم بشكل نموذجي، مع أن العمل المخلص يمثل عبادة في حد ذاته، وكما هو معروف تخفف عدد ساعات العمل في الشهر الكريم، لكن ذلك ليس كافيا لدى كثيرين ممن يتغيبون عن أعمالهم أو يتأخرون عن الحضور للدوام وإن حضروا كان إنتاجهم أقل بكثير من المطلوب».

أما محمد السعيد، مدير أحد فروع البنوك المحلية، فيقول: «بالطبع هناك معاناة في الأيام الأولى من شهر رمضان في مسألة الانتظام في العمل على اعتبار أن الشخص يكون تعود على تطبيق نظام معين في أيام الفطر ويتغير هذا النظام فجأة في شهر رمضان ولذا فمن الطبيعي أن تحصل مشكلات بسبب غيابات وتأخير وهناك تسامح مشروط للمتأخرين بعدم تكرار التأخير عدة مرات، أما الغياب فبتأكيد لا يمكن التساهل معه لأنه سيعطل مصالح آخرين».

وأضاف السعيد: «المحدد للعمل في البنوك 6 ساعات تبدأ عند الساعة العاشرة وحتى الرابعة عصرا وهي فترة تتخللها فترتا صلاتي الظهر والعصر وراحة خفيفة، كما أن اقتصار فتح البنوك في الفترة الصباحية يعني أن العميل لا مجال له لإنهاء بعض الإجراءات والأمور التي يود إنهاءها في وقت الصيام ويحضر العملاء في الغالب للبنوك وهم في حالة متوترة جراء الأجواء الحارة والرطبة، ولذا يتوجب على الموظفين في البنوك أن يكونوا أكثر حلما مع العملاء، وأن لا تؤثر عليهم سلبا ظروف الصيام وهذه المهارة والخلق يجب أن تكون لدى موظفي البنوك وغيرهم من الموظفين الذين يقابلون العملاء».

وعن العقوبات التي تصدر تجاه المتأخرين عن أعمالهم أو الغائبين قال السعيد: «هناك إنذارات شفهية للمتأخرين لأكثر من مرة، وإذا أصبح التأخير عادة فبالتأكيد تتخذ عقوبات قاسية من بينها إيقاف الزيادات في الرواتب والمكافآت والترقيات وغيرها».

وفي ما يراه من حلول لظاهرة التأخير والغيابات بالنسبة للموظفين في شهر رمضان المبارك، قال السعيد: «يجب أن يكون هناك تفهم من إدارة العمل لظروف الموظفين فيمنح من لا يستطيع العمل الإيجابي في شهر رمضان إجازة من رصيده السنوي ويجبر عليها لمصلحة العمل، أما من يرفض أن يحصل على إجازة في هذا الشهر وهي متاحة له ويتأخر ويتغيب عن عمله فبالتأكيد يكون العقاب هو الأنسب».

من جانبه كشف مدير أحد القطاعات الحكومية الحيوية في المنطقة الشرقية، رمز لاسمه بـ«أبو أحمد» كونه غير مصرح له بالحديث للإعلام، أن أكثر من موظف قدم استقالته من وظيفته الحكومية في نفس الدائرة الحكومية التي يتولى إدارتها بعد أن طلب أن يمنح إجازة خلال الشهر الفضيل ولم تكن الظروف سانحة لذلك، وهذا الوضع يتكرر بشكل شبه سنوي رغم تخفيض فترة العمل إلى 5 ساعات.

وأضاف أبو أحمد: «هناك مصالح تعطل للمواطنين في حال منح كل موظف مطلبه من الإجازات في الشهر الفضيل، وبالتالي الأولوية لمصلحة العمل على المصلحة الخاصة وهناك استثناءات في حدود ضيقة جدا لمن لديهم ظروف قاهرة تمنعهم من العمل في الشهر الفضيل».

وقال فهد عبد الله، أحد موظفي القطاع الخاص: «إن العمل في شهر رمضان مرهق جدا خصوصا في الظروف المناخية الحالية ولكن مع مرور الأيام المباركة تكون الأمور طبيعية ويتركز التعب والإرهاق في الأيام الأولى».

من جانبه يصف الدكتور محمد النعيمي، المختص في علم النفس والمحاضر الدولي المعروف، أن هناك أمورا نفسية تتحكم في مزاج الشخص الصائم أكثر من الأمور البدينة، حيث إن هناك من يتخوف من الإرهاق الشديد في العمل الذي يؤثر على صحته وحتى إذا كان ذلك التخوف غير واقعي.