«إفطار على الطريق».. أعمال خيرية بأيد شبابية

عند المغيب تتسابق المياه والتمر إلى أفواه الصائمين

متطوعون يحملون التمر والماء لإفطار الصائمين على الطريق («الشرق الأوسط»)
TT

قبل أذان المغرب بدقائق تجدهم ينتشرون على جنبات الطرق، يسابقون انطلاق الأذان، وبرشاقة ينتقلون من مسار إلى آخر بين الإشارات بحركة سريعة، يوزعون الماء البارد والتمر، تلتحم تلك الصورة مع مشهد مشابه، لشباب آخرين في الحرم الشريف يقفون في صحن الطواف بعلب التمر، وشباب في المساجد وعلى استراحات الطرق السريعة يحرصون على المجيء قبيل الأذان لتحضير الماء البارد للمصلين.

3 صور لشباب سعوديين في أماكن متفرقة جمعهم شيء واحد؛ حرصهم على كسب أجر إفطار صائم، واجتهادهم على تقديم الأعمال التطوعية، على الرغم من غياب نظام التطوع.

محمد العمير (20 سنة) يقول: «اعتدت منذ 3 سنوات أن أقدم الماء والتمر عند الإشارات للصائمين، وساعدني على ذلك والدتي ووالدي، من خلال تقديم مبلغ مالي، إلى جانب ما أقتصه من مصروفي وشراء التمر والماء، وتبريده في الثلاجة من المساء، والذهاب مع 4 من أصدقائي إلى الشارع العام القريب من منزلنا يوميا، قبل أذان المغرب بـ10 دقائق، وتجهيز الأشياء، وترقب الأذان لنتنقل بين السيارات لتقديم وجبة خفيفة لإفطار من أدركهم أذان المغرب في الشارع».

وقال راكان الشريف (18 سنة): «لا أريد غير الأجر والثواب من الله، فأنا أنتظر هذا الشهر الكريم وأحرص من قبله بشهرين أن أجمع المال، لشراء اللبن والتمر في رمضان، وأريد الأجر أيضا لأسرتي، فأنا قبل رمضان بيوم واحد أحدد ميزانية التمر واللبن، وأجمع من جميع أفراد أسرتي، المكونة من 5 أفراد، مبلغا من المال يعتبرونه صدقة، وأشتري به وجبة الإفطار».

إلى ذلك، تعالت أصوات عدد من المهتمين بالأعمال التطوعية في البلاد مطالبة وزارة التربية والتعليم بأن تتبنى تنمية العمل التطوعي لدى الطلاب والطالبات وفق آلية معينة تضمن من خلالها نشر الوعي بأهمية العمل التطوعي في المحيط الاجتماعي.

وبحسب أولئك المهتمين بالتطوع، فإن ما يقرب من 6 ملايين طالب وطالبة في مختلف مراحل التعليم الأساسي بالمملكة، ويقدر عدد أسابيع الدراسة بـ30 أسبوعا، من غير أسابيع الدراسة، فإنه بتحديد ساعة واحدة في الأسبوع، يقوم خلالها جميع الطلبة والطالبات بأعمال تطوعية، لحصلنا على 180 مليون عمل تطوعي في فترة الدراسة فقط.

ومن جهته أكد الدكتور خالد باحاذق، استشاري السلوك الإنساني، أن الأعمال الخيرية لا يمكن زرعها في الأبناء من خلال النصائح، وإنما لا بد من التطبيقات العملية، معتبرا وجود هؤلاء الشباب في هذه الأماكن جاء حصاد ما غرسه الآباء في نفوس أبنائهم.

وشدد الدكتور خالد باحاذق على ضرورة متابعة الأهالي للأطفال الصغار في السن التي يودون فيها مشاركة الشباب الذين يوزعون وجبات إفطار الصائمين بين الطرقات، وأن يكون عليهم رقابة ومتابعة، وأن لا يحملوا فوق طاقاتهم.

ويرى استشاري السلوك الإنساني أن الشباب في حاجة ماسة لإشغال أوقات فراغهم، وهذه الأعمال التطوعية التي يقومون بها، تعمل على رحابة آفاقهم، وإظهار إبداعاتهم، واستفادة من طاقاتهم، حتى لا يقعوا في الخمول والكسل. وأشار الدكتور باحاذق إلى دراسة قامت بها ندوة العالمية للشباب الإسلامي تبين أن 95 في المائة من الشباب يشكون من الفراغ، لذا لا بد من وضع آلية معينة لتنظيم التطوع، ليلبي رغبات المتطوع في الأعمال الخيرية، وعدم كبح جماحهم، وإعطائهم دورات تدريبية ليحسنوا من مهاراتهم.

وقال باحاذق: «الإعلام تسبب في الإساءة لبعض من الشباب، من خلال الصورة الذهنية للشخص المنتج، الموجودة بشكل معين، التي تتمثل في الرجل الكبير في السن، ولكن من المؤكد أن الأعمال التطوعية يقوم بها الجميع، مع اختلاف العمر والشكل الخارجي، وطريقة اللبس».

وأضاف استشاري السلوك الإنساني: «تطبيق نظام وآلية محددة في قطاع التعليم يحفز الطلاب والطالبات على القيام بالأعمال التطوعية ينمي لديهم الشعور بالعطاء، الذي يزيد من الانتماء للمجتمع وللوطن».

من جهته أيد الدكتور محمد السعيدي، رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى المبادرة التطوعية التي يقوم بها الشباب في إفطار الصائمين في رمضان، ويرى أنها بادرة جيدة ورائعة من قبلهم، وأن لهم أجرا عظيما، وكثيرون استفادوا منها في أوقات الإفطار. ونصح هؤلاء الشباب الذين يفطرون الناس بأن يحتاطوا لأنفسهم، وأن لا يقفوا في نقاط خطيرة، وأن يكون ذلك عند إشارات المرور فقط، وأن لا يقفوا في الخطوط والطرق السريعة، مبينا أن كثيرا من السائقين أحيانا يكونون متجهين وقت الإفطار إلى منزلهم بأقصى سرعة.

وقال: «نحن نخشى على هؤلاء الشباب الطيبين من الخطر، لذلك أنصحهم بأن لا يصلوا في مثل هذا الأمر الجيد حتما، إلى الإلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، بل لا بد أن يعرفوا المكان الذي يقفون فيه، وأيضا يجب أن لا يتكاثروا ويتنافسوا في مكان واحد أو إشارة واحدة، لأن كثرتهم في مكان واحد قد تؤذي السائقين».