غياب الغطاء النباتي «يفاقم» مخاطر «الزحف» الصحراوي على التجمعات البشرية

أصابع الاتهام تتجه إلى الاحتطاب والرعي الجائر

TT

دق مختصون ناقوس الخطر جراء دهم رمال الصحراء للطرق المرصوفة على امتداد الصحارى، وتهديدها للتجمعات البشرية، مشيرين بأصابع الاتهام نحو الاحتطاب والرعي الجائر، الذي بات يهدد الغطاء النباتي بالزوال.

ففي الوقت الذي حمل فيه مجموعة من المواطنين، الإنسان مسؤولية تزايد الغبار على الطرق الساحلية، وبالتالي زيادة نسب حوادث المرور بشكل يومي، أكدت وزارة الزراعة أنها تتشدد في أمر الاحتطاب الجائر، وأنها تفرد لذلك جولات تفتيشية تنتج عنها مصادرة الأخشاب ومعاقبة المحتطب.

وأكد المهندس صالح التويجري، المتحدث الرسمي بفرع وزارة الزراعة بمكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط» أن موضوع الاحتطاب يندرج تحت مسؤولية إدارتهم، حيث تقوم بعمل جولات تفتيشية على الأسواق وأماكن بيع الحطب، مشيرا إلى أن الوزارة تصادر الكمية التي تجدها مع تغريم بائعها.

وأكد التويجري أن الغبار يتعاظم حين ينعدم الغطاء النباتي بسبب الرعي أيضا، لافتا إلى أن وزارة الزراعة قد أسهمت في تدشين مشروع منع زحف الرمال في بلدة «حلي» التابعة لمحافظة القنفذة.

وبين المتحدث الرسمي لفرع وزارة الزراعة بمكة المكرمة أن الوزارة تستقبل طلبات المواطنين وتنفذها في حال ازدياد الشكاوى حول زحف الرمال، مضيفا بالقول: «تقوم الوزارة بشكل دائم بعقد مؤتمرات واجتماعات خاصة لتوعية المواطنين حول الرعي والاحتطاب»، مؤكدا تجاوب كثير منهم من خلال التأثر بتلك الحملات. وكانت وزارة الزراعة قد اتخذت في وقت سابق إجراءات صارمة ضد مخالفي الاحتطاب في البلاد بفرض عقوبات مالية على المخالفين لنظام المراعي والغابات تصل إلى 1500 ريال.

وتبنت الوزارة تنفيذ أشد العقوبات على من يتسبب في الإضرار بالبيئة وتهديد الغطاء النباتي من خلال الاحتطاب من أجل المتاجرة في جذوع وفروع الأشجار بعد تجفيفها وتحويلها إلى حطب.

وأفاد بيان للوزارة في هذا الصدد بأن العقوبات تختلف حسب نوع الشجرة المقطوعة، حيث حددت غرامة 1000 ريال للشجرة المقطوعة التي يتجاوز طولها 5 أمتار، وحددت غرامة الشجرة المقطوعة أقل من 5 أمتار بمبلغ 500 ريال.

محمد إبراهيم علي، وهو تاجر للأغنام بمحافظة القنفذة قال لـ«الشرق الأوسط»: إن المناطق الساحلية تعاني لمدة 5 أشهر متتالية من العواصف الرملية، غير أن الإنسان يسهم بشكل كبير في تزايد تلك العواصف الرملية، من خلال الاحتطاب الجائر على الأشجار وبينها أشجار نادرة، ليتم بيعها على المقاهي في فحم. وأضاف: إن هنالك أيضا بالمناطق الساحلية مواسم زراعية، فيقوم المزارعون بحرث الأرض وتحريك التربة، مما يتسبب في تغيير شكل التربة وتناثر الأتربة، الأمر الذي يزيد كمية الغبار بشكل أكبر في كل عام.

وطالب إبراهيم بمنع الرعي قرب الطرق الدولية، مؤكدا أن المواشي تتسبب في كثير من الحوادث أيضا، ولفت إلى أن بعض الوصلات بمحافظة الليث تقوم بزراعة نبات «الحمض» الذي ينمو بشكل كبير، ويسهم في عمل سد جيد لمواجهة تلك التربة المتطايرة.

وأكد أن المواطنين يحملون كثيرا من المزارعين وتجار الحطب مسؤولية تنامي تلك المشكلة من خلال قطع تلك الأشجار في وقت متأخر من الليل، ومن خلال الرعي في مناطق قريبة من الطريق الدولي الساحلي.

وتسببت الرمال المتجمعة على أطراف الطريق الدولي الساحلي في كثير من الحوادث المرورية خلال الفترة الحالية، وسط مطالبات بحلول لتلك الأتربة من خلال رش طبقة أسفلتية على الغبار أو زرع غطاء نباتي بالقرب من الطريق الدولي حفاظا على سلامة المواطنين.

من جانبه، قال حسين القحطاني الناطق الإعلامي للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، إن الإنسان لا يتحمل كثيرا من تلك العواصف، وأردف: «نستطيع القول إنه يتحمل بما نسبته 5 إلى 6 في المائة، والتربة ليست وليدة اليوم، فهناك مواسم معينة للغبار خصوصا على الساحل، وهي نتاج موسمي بسبب نشاط للرياح السطحية، وتأثير الإنسان موضعي فقط، وننصح دوما بعدم قطع الأشجار، وقد تكون تلك النباتات مصدات، وليست حلا للمشكلة». وبين القحطاني أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت ازديادا في حجم تأثيرات الأتربة بشكل كبير على المناطق الشرقية والوسطى في البلاد، إلا أن المناطق الجنوبية تتأثر بشكل موسمي.

وأضاف الناطق الإعلامي برئاسة الأرصاد، أن حجم تأثير الإنسان ملحوظ، ولكن معظم القضايا البيئية المؤثرة تكون من خلال القطاع الخاص أو بعض القطاعات الحكومية من خلال عدم تطبيق الاشتراطات البيئية في البلاد، التابعة للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة.

ولفت القحطاني إلى أن الأجواء في المملكة تحصل بها متغيرات جوية تكون من الخارج أحيانا، بسبب رياح نشطة، أو تيارات هوائية، والهيئة ترصد منخفضات من خارج الحدود دوما، وبين أن التأثيرات الجوية على المملكة هي ظواهر جوية ليس للإنسان تحكم فيها، مضيفا: «توجد طرق تحذيرية تبثها الرئاسة عند وجود كوارث طبيعية تحت مسمى (كيفية مجابهة التخفيف من الحالة) كالغبار أو العاصفة لا قدر الله، ولا تعني تلك حلولا جذرية بل حلول تخفيفية فقط».

وأكد القحطاني أن المملكة أعلنت أنها تمر بحالة جفاف تتأثر فيها الأجواء، وعقدت الرئاسة اجتماعا تنسيقيا عاجلا مع الجهات الحكومية كالدفاع المدني، والزراعة، وبقية القطاعات المعنية حيث طالبت بوجود استراتيجية لمجابهة أثر الجفاف في المملكة، وتم التأكيد على أن عدم وجود غطاء نباتي يسهم في عملية الجفاف، وبالتالي تكاثر الغبار، بالإضافة إلى التربة المحمولة المقبلة من خارج المملكة. وأضاف: «السنة الماضية كان الغبار قد أثر على مدينتي الرياض والشرقية وهو مقبل من الشمال».

وبين الناطق الإعلامي أن الرئاسة تتابع القطاعات الخاصة جيدا، وتطبق أقصى أنواع العقوبات في الجهات المخالفة، التي تصل حد الإغلاق أحيانا.

وأفادت دراسات إحصائية حول حوادث الطرق بتزايد الحوادث المرورية بالمملكة، حيث قدرت بنحو 544179 حادثا مروريا، على الرغم من الجهود الكبيرة والمضنية من قبل الجهات المسؤولة للحد من الحوادث المرورية باستحداث نظام مروري فعال.

وخلصت الدراسة إلى عدة حلول، منها تطبيق عنصرين مهمين هما «التوعية والعقوبة» من خلال الجهات ذات العلاقة، مثل التربية والتعليم، والمرور، والزراعة.

وبين مصدر مسؤول في أمن الطرق بمكة المكرمة أن إدارته تقوم بشكل دائم بتمشيط الطرق التابعة لمنطقة مكة المكرمة لمتابعة خط السير للمسافرين على الطريق الدولي الساحلي، لافتا إلى أن المسافرين يستطيعون التأكد من سلامة الطريق من الأتربة، من خلال الاتصال بشكل مباشر على أرقام الاتصال بأمن الطرق.