سوق «القيصرية».. جمال يشوبه الغلاء وسوء الخدمات

أمانة الأحساء: لا يمكن أن تكون الإيجارات الحالية مماثلة لما كان عليه الوضع قبل 40 سنة

جانب من سوق القيصرية التاريخية في الأحساء شرق السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

«كلام الليل يمحوه النهار»، هكذا وصف فهد الملحم أحد تجار الأقمشة في سوق القيصرية التاريخية بالأحساء وعود أمانة الأحساء بتحسين أوضاع القيصرية والاستجابة لشكاوى التجار المتكررة منذ افتتاح السوق بعد إعادة بنائها على إثر حريق تعرضت له عام 2001.

ولم يعد الأمر، بحسب تجار مهنيين في السوق، وقفا على الإيجارات المرتفعة التي وصلت إليها محلات ضيقة لا تتجاوز مساحتها أربعة أمتار، التي قفزت قفزة كبيرة من نحو 4000 ريال في السنة قبل الترميم إلى أكثر من عشرة آلاف ريال بعده، حيث أشار الملحم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى تأخر الأمانة في اتخاذ خطوات جادة وحاسمة لإنهاء معاناة القيصرية رغم الاجتماعات المتكررة والوعود المتلاحقة بمعالجة الأوضاع، ويضيف: «نخرج من الاجتماع ونحن نقول إن العلاج سيكون غدا، ولكن من ناحية الاستجابة الفعلية محلك سر».

وذكر الملحم أن الإقبال على سوق القيصرية لم يعد كالسابق، وذلك نتيجة لعدم وجود خدمات مساندة كدورات المياه والمساجد، لافتا إلى وجود مسجد شبه جاهز ولكنه يحتاج إلى التشطيب واكتمال أعمال البناء، ومع ذلك لا يزال على حاله لأكثر من عشر سنوات، مشددا على افتقار السوق إلى الأمن حيث لا يوجد رجال أمن ولا مقومات سلامة لمواجهة أي خطر قد يتعرض له المبنى أو الزوار لا قدر الله.

وقال الملحم إن من أهم المشكلات التي تواجهها السوق عدم توفر مواقف للسيارات تتناسب مع حجم السوق والمتسوقين، خصوصا أن القيصرية ليست مجرد مكان للتسوق وإنما يفترض أن تكون وجهة سياحية ومقصدا لكل من يزور الأحساء، متعجبا من وجود مواقف تستوعب 25 سيارة فقط لتخدم 400 محل، وفي هذا السياق قال الملحم: «المرور لا يتسامح إطلاقا مع الزوار، وكثيرا ما يضعنا في حرج، خصوصا مع الإخوة الخليجيين عندما يضطرون إلى الوقوف بشكل جانبي لعدم وجود مواقف شاغرة، فيخالفونهم على الفور».

وفي حين عزا الملحم ضعف الإقبال على القيصرية لعدم وجود الخدمات المساندة، يرى حسن الرمضان (أحد الباعة في القيصرية) أن سبب الضعف يعود إلى أصحاب المحلات الذين لم يشغلوا محلاتهم رغم تسلمهم لها منذ أن تم افتتاحها بعد إعادة البناء العام الماضي، واتفق الرمضان مع الملحم في مسألة مواقف السيارات وعدم ملاءمتها لمكان بحجم القيصرية، معتبرا ذلك سببا إضافيا لانخفاض نشاط السوق وقلة زائريها مقارنة بما كانت عليه سابقا، مؤكدا على أن هذه المشكلة قد يتم التغاضي عنها في حال كانت كل المحلات مفتوحة ومتاحة للمتسوقين.

وحول ارتفاع الإيجارات يقول الرمضان: «المبنى الجديد للقيصرية جيد من ناحية البناء والإنارة وأفضل من السابق، ولكن الإيجارات مرتفعة جدا ولا تتناسب مع الدخل، خصوصا أن القيصرية الآن تعتبر جديدة وتحتاج إلى الوقت لإعادة الحياة إليها». والرمضان واحد من حرفيي القيصرية الذين ما زالوا ينتظرون من المجلس البلدي تحقيق وعوده بإصلاح الأوضاع في هذه السوق.

من جهته أوضح وكيل أمانة الأحساء المهندس عادل الملحم أن الأمانة اتخذت خطوات جادة وعملية في ما يتعلق بمشكلات القيصرية، موضحا أن ما حدث للسوق هو فقط إعادة بناء لموقع قائم منذ أكثر من 140 سنة، وقد كان بلا دورات مياه، وبلا مواقف للسيارات، ومع ذلك فقد راعت الأمانة أثناء التجديد أن توفر خدمات لم تكن موجودة مسبقا، ولفت إلى أن المسجد الملاصق للقيصرية في مراحله الأخيرة وهو مزود بكل المرافق والخدمات، منوها بوجود مسجد قريب يبعد نحو 30 - 40 متر عن القيصرية ودورات مياه تبعد 60 مترا فقط عنها.

وبشأن ارتفاع الإيجارات ذكر الملحم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه تم فعليا خفض الإيجارات وأصبح أعلى إيجار 17 ألف ريال في السنة، موضحا أنه من غير المعقول أن تكون الإيجارات الحالية مماثلة لما كان عليه الوضع قبل أربعين سنة. وأشار إلى أن الأمانة تملك فقط ثلث المحلات، أما الثلثان فهما مملوكان لنحو 250 مالك أغلبهم خرجوا من القيصرية بعد حريق 2001، وفاجأتهم الحركة التجارية في المواقع الجديدة فرفضوا العودة إلى مواقعهم القديمة في القيصرية، وقال إن الأمانة وجهت إنذارات متكررة إليهم للعودة وإحياء السوق التاريخية، ولكن بعضهم لم يستجِب حتى الآن، مشترطين لعودتهم توفير مواقف وخدمات لم تكن موجودة أساسا عندما خرجوا منها.

من جانبه قال المهندس عبد الله العرفج وكيل أمانة الأحساء للخدمات لـ«الشرق الأوسط» إن موضوع ارتفاع الإيجارات تمت إحالته إلى لجنة درست أسعار الإيجارات وتم تخفيضها مما ساهم في تقليل عدد المحلات الشاغرة في سوق القيصرية. وأضاف العرفج: «لا شك أننا كنا حريصين على أن تعود الحيوية للسوق الأشهر والأعرق على مستوى واحة الأحساء، وحاليا السوق في أوج استعداداتها لاستقبال الجميع».

إلى ذلك، قال المهندس علي الحاجي رئيس هيئة السياحة فرع محافظة الأحساء، إن سوق القيصرية «لا تزال تحتفظ برونقها الشعبي، وإن الأمانة لم تقصر في دورها في إعادة هذه السوق إلى مكانتها بعد الحادث الذي تعرضت له قبل سنوات». ويرتبط أهالي الأحساء وزوارها من المناطق المجاورة ودول الخليج بعلاقة وثيقة بسوق القيصرية، فهي تحمل قيمة تاريخية واجتماعية وثقافية علاوة على قيمتها الاقتصادية التي دعمها موقعها وسط مدينة الهفوف وتنوع بضائعها ورخص أسعارها مقارنة بمثيلاتها في غيرها من الأسواق، لذلك كان من المحبط بالنسبة للأهالي أن يخيم الضعف والجمود على القيصرية وهم الذين تصوروا أن تعود بعد حريق 2001 إلى موقع أكثر حياة وأن تستغل فرصة إعادة الترميم ليتم تصميمها بطريقة تحافظ على طرازها المعماري القديم مع تصحيح الأخطاء السابقة من ناحية ضيق المحلات والممرات ومراعاة تقدم الحياة وتطور كل مجالاتها بما يحقق القيمة التاريخية والسياحية للقيصرية. وعلى الرغم من مرور السنوات على الحريق الذي قضى على أجزاء كبيرة من السوق، تبقى القيصرية ذاكرة الأحسائيين الأولى، لما تحمله من مكانة قديمة تذكر الأحسائيين بتاريخ مدينتهم الضاربة في أعماق التاريخ.

فملامح السوق وطابعها التراثي بدأ يعود إلى الواجهة مرة أخرى، لتحتل مكانة بارزة وسط مدينة الهفوف، بعد أن شرع المسؤلون في إعادة بنائها على الطراز المعماري القديم، عبر استخدام أدوات مثل الطين والجص وسعف النخيل لتتناسب مع ما كانت عليه سابقا من البناء والهندسة والزخرفة المعمولة به منذ أكثر من 150 عاما، حسب ما تذكر بعض المصادر التاريخية.

وتعد سوق القيصرية من أقدم الأسواق الشعبية في السعودية، ويباع فيها كل ما هو قديم، من دكاكين للعطارين ومحلات الفرش والمشالح والأحذية والعطور والتحف النحاسية والمواد الغذائية والأدوية الشعبية والملبوسات والسجاد والمقتنيات القديمة.

وتحظى السوق بشعبية كبيرة لدى المتسوقين من مختلف المدن السعودية والخليجية والعمالة الوافدة العربية والأجنبية، وتبلغ مساحة التأهيل والإعمار للسوق نحو 5000 متر.