صخرة «كحيلة» مرصد فلكي أثري يقاوم الاندثار

500 عام على اعتمادها موقعا لرصد الشهور ومواسم الزراعة

صخرة «كحيلة» مرصد الطائف الفلكي لمواسم الزراعة يتهددها الاندثار («الشرق الأوسط»)
TT

على مدى 500 عام، ظلت صخرة «كحيلة» مرصدا فلكيا معتمدا لرصد الشهور العربية ومواسم الزراعة، انطلاقا من بلاد ثقيف جنوب محافظة الطائف (غرب السعودية)، حيث يقبع أول مرصد فلكي أثري.

ويقع المرصد الفلكي الأثري في قرية المجاردة في ترعة ثقيف التي تقع جنوب الطائف وتبعد عنه 150 كيلومترا؛ حيث كان أهالي تلك القرية وضواحيها يستدلون بصخرة «الكحيلة» في رصد الأهلة ومواسم الزراعة ودخول وخروج الأشهر القمرية.

وأكد الدكتور شرف السفياني، نائب رئيس الجمعية الفلكية وعضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن المرصد يعتبر مزولة شمسية لكن بوسائل طبيعية وحسابها دقيق حسب المؤشرات التي شاهدها، موضحا أن الطبيعة الاجتماعية لسكان المنطقة دفعتهم لمعرفة مواسم السنة من أجل الزراعة، التي يحترفها معظم أهل منطقة الطائف.

وعن فائدة وعمل تلك المزولة قديما وحديثا، أوضح السفياني أن هذه المزولة أفادت أهل المنطقة كثيرا في مواسم الزراعة بشكل دقيق، مشيرا إلى قيامهم بوضع ثلاثة شخوص من الصخور على أحد الجبال المقابلة لصخرة الكحيلة، وبمسافات دقيقة بين الشواخص الثلاثة، وعند وصول الظل لكل شاخص يحدد وقت معين أو فصل من الفصول، وبالتالي يترتب عليه موسم زراعة منتج معين.

ويستطرد السفياني بالقول: «إن نتائج وحسابات هذا المرصد الفلكي الأثري ما زالت موجودة وتصدر بشكل سنوي ويعتد بها أهالي قرى ثقيف وبني مالك وبلحارث، فهي تشكل لهم مصدرا مهما في التقويم ورصد الأنجم ومواسم الزراعة». ويرى السفياني أن هناك اختلافا في الحسابات الفلكية للفصول الأربعة في تقويم ثقيف؛ فهم يضعون فصول السنة سبعة فصول بدل أربعة، هي ربيع أنثى وربيع ذكر وصيف وقيظ وخريف وشتاء.

وأبدى عضو الجمعية الفلكية بجدة قلقه من اندثار هذا المرصد وحساباته بسبب عدم وجود من يحمل هذا العلم ويتمكن منه كما كان أجدادهم، وبالتالي ضياع الحسابات الدقيقة مع مرور السنين، كما أن رحيل السكان عن المنطقة وذهابهم للمدن وعدم وجود الحاجة لذلك التقويم قد يتسبب في اندثاره.

أما عن طبيعة صخرة الكحيلة فقد أشار لـ«الشرق الأوسط» جمعان بن عطية الثقفي رئيس مركز الأحياء ببلاد ثقيف، قائلا: «إن موقع المزولة عبارة عن جبل كبير في قمته صخرة طويلة مميزة أطلق عليها أهل المنطقة صخرة الكحيلة، واستطاع أحد القدماء من القبيلة أن يراقب ظلها خلال المواسم المختلفة، وعند دخول كل موسم يقوم بوضع علامة عند رأس الظل تتمثل في صخرة يقومون بوسمها بالنحت عليها، فوضعوا سبع علامات على الأرض بحسب تقسيمهم للمواسم المختلفة للسنة».

أما عن تاريخ هذا المرصد، فقال الثقفي: «إنه اختلف في تاريخه؛ فالبعض يرى أنه يعود إلى عام 66 من الهجرة عندما مر الصحابي الجليل معاذ بن جبل بهذه القرية وهو في طريقه إلى اليمن، وقام ببناء مسجده في تلك المنطقة الذي يحمل اسمه حتى اليوم، والبعض يرى أنه يفوق الـ500 عام؛ حيث توارثته الأجيال في ثقافتها المحكية عن الجبل».

وبين الثقفي أن هذا المرصد الأثري، وكذلك بعض الأماكن الأثرية، ومنها مسجد الصحابي معاذ بن جبل، تعاني الإهمال والخوف عليها من الاندثار، ولولا اهتمام أهل القرية بها لشوهت واندثرت، حيث طالب جمعان الثقفي هيئة السياحة والآثار بالاهتمام بمثل هذه الأماكن الأثرية التي تحتوي على نقوش وكتابات قديمة، وكذلك أبواب وشبابيك مسجد معاذ بن جبل التي لم يتبقَّ سواها.

وشدد رئيس مركز الأحياء ببلاد ثقيف على وضع لوحات إرشادية تدل على المواقع الأثرية في ثقيف، حيث إنه يأتي بعض المهتمين والباحثين عنها ولا يجدون شيئا إلا بمساعدة أهالي القرية، وطالب كذلك بإيصال الخدمات لمثل هذه المرافق؛ حيث ينقصها الكثير؛ مما يصعب مهمة السائح أو الزائر للمكان. بينما يروي عطية بن عبيدان الثقفي المسؤول عن المزولة الفلكية في ثقيف، أنه توارث العناية بهذا المرصد عن والده وعن جده، وقام بالاهتمام به ومواصلة إخراج التقويم الذي ينتج عن متابعة المزولة الفلكية، حيث يخرج سنويا تقويم سمي «التقويم الثقفي» على الحساب المجردي، وفصل في ذلك بقوله إن تسمية الحساب بالمجردي ترجع لوجود الصخرة والمزولة في قرية المجاردة بقرية ترعة، ويسرد الثقفي قصة الموقع بقوله إنه نقل لهم أن أول من استخدم ذلك المكان للرصد الفلكي أحد رجال ثقيف في الزمن القديم، ويسمى عقيل، وتوارثت الأجيال هذا العلم حتى وصل لجده ولأبيه.

وشرح عطية الثقفي طريقة تتبع المزولة بصخرة الكحيلة، ذاكرا أن المزولة الشمسية يقابلها من الجهة الشرقية 3 شواخص أو علامات تبعد عنها 1.5 كيلومتر، ويقابلها من الجهة الشمالية 7 شواخص تدل على دخول الفصول الأربعة، وتعتمد بشكل رئيسي على ظل الشمس، حيث يعرفون بها الوقت المناسب للزراعة، فكل فصل يصلح لزراعة نوع من الفاكهة أو الخضار لذلك يعتمدون عليه بشكل كبير، فأول النصب أو الشواخص يدخل موسم الربيع، والوسطى منها يدخل موسم الصيف، والثالثة موسم الخريف كما هو مبين في التقويم، ويطبع من تقويم ثقيف قرابة خمسة آلاف نسخة سنويا توزع على أهالي القرى المجاورة.

ولفت عطية الثقفي إلى أن جده لوالده كان أميا (لا يقرأ) ومع ذلك يعرف النجوم والأنواء المختلفة ومواسم الزراعة ودخول الأشهر بشكل دقيق جدا، ويذكر أنه في عام 1428 هـ تم الإعلان عن العيد، لكن سرعان ما تبين خطأ الرؤية الشرعية للهلال وصدرت فتوى من عدد من المشايخ بقضاء ذلك اليوم، لكن جدهم رفض أن يفطر في ذلك اليوم لعلمه بحساب الشهر وعدم صحة الرؤية، فكان متمكنا من الحساب الفلكي بشكل كبير جدا.