أصوات ندية بواعث لجذب المصلين لقيام ليالي الـ 10 الأواخر

وسط تحذيرات من التزاحم على أماكن بعينها

شخصية الإمام وصوته من أهم عوامل جذب المصلين للمساجد («الشرق الأوسط»)
TT

تكتظ المساجد عادة في شهر رمضان المبارك بالمصلين الذين ينتظرون قدوم الشهر الفضيل بشوق، لتأدية صلاتي التراويح والتهجد، إلى جانب حضور بعض الندوات والمحاضرات التثقيفية والتوعوية التي تقيمها المساجد بشكل خاص في رمضان.

وعلى الرغم من انتشار المساجد في مختلف أحياء المدن السعودية، حيث بات لكل حي مسجده الخاص، فإننا نلاحظ إقبالا وحضورا مكثفا على مساجد بعينها، إلى درجة أن تزدحم الشوارع المحيطة بهذه المساجد، بينما تعاني الأخرى من قلة في أعداد المصلين.

وأرجع محمد العمري الذي يأتي يوميا من جنوب جدة ليصلي في مسجد العناني بالحمراء، سبب تركه مسجد الحي الذي يسكنه إلى عدة أسباب أهمها نظافة المسجد وحجمه، وافتقاره للتكيف والبرودة معتبرا أن هذه الأمور من شأنها أن تقلل خشوعه وقال: «هذه الأمور جميعها تقلل من شعور المصلين بالراحة أثناء تأدية الفروض، وتجعلنا ننهي الصلاة بشكل سريع ونخرج دون أن نخشع في الصلاة».

ويرى خالد الصالح الذي يصلي في مسجد الحي الذي يقطنه منذ 3 سنوات أن نظافة المسجد وصيانته المستمرة واهتمام المشرفين عليه حتى بأموره الصغيرة، من أهم عوامل جذب المصلين له، كما أكد أن صوت إمام المسجد وقدرته على التأثير في المصلين خلفه عامل مهم جدا، مبينا أن هناك أئمة ومشايخ قد منحهم الله أصواتا عذبة، تذيق المصلين وراء الإمام حلاوة الإيمان والخشوع.

وأعربت أم مشاعل التي تؤدي صلاة التراويح في مسجد أسيد بن حضير، طوال أيام شهر رمضان، عن ارتياحها للصلاة في المسجد المجاور لمنزلها، حيث تأتيه بشكل مستمر هي وجاراتها، وقالت: «الصلاة في المسجد المجاور لنا رائعة، وصوت الإمام يزيد خشوعنا، إلا أن لدينا مشكلة في أن بعض السيدات يحضرن أطفالهن معهن، وللأسف صوت الأطفال وإزعاجهم يوثر على خشوعنا وإنصاتنا للإمام».

من جهته بين طلال العقيل، مستشار وزير الشؤون الإسلامية لشؤون الحج والعمرة والإعلام، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن النساء في المجتمع السعودي أصبحن يذهب مؤخرا لأداء صلاة التراويح في المساجد، معتبرا أن ذلك الأمر فضل من عند الله، وقال: «نلاحظ من بعض النساء أنهن يحضرن أطفالهن للمسجد، وبالتالي يكون هناك إزعاج على المصلين والمصليات».

وأضاف: «لذلك قامت بعض المساجد الكبيرة والحديثة بعمل تنظيم ووضع أماكن للأطفال وإيجاد عاملات ومسؤولات عن النظام والنظافة داخل المساجد»، مبينا أن ثقافة المجتمع السعودي تختلف من منطقة لأخرى ومن حي لآخر، وقال: «بعض الأحياء في شمال جدة لا يوجد فيها هذه الملاحظات على عكس أحياء جنوبها، إذ تكثر هذه الممارسات والسلبيات وذلك يعود لثقافة المجتمع في هذا الحي».

اصطحاب الأطفال وأشار إلى أن هناك اشتراطات ومعايير خاصة بالمساجد والأئمة، تجبر الجميع على الالتزام بها لضمان راحة المصلين ومرتادي بيوت الله، مؤكدا أن السلبيات الخاصة في ما يتعلق بالمساجد قليلة جدا مقارنة بالإيجابيات، وقال: «في حال كان هناك 10 في المائة سلبيات، فإن هناك 90 في المائة إيجابيات»، معتبرا أن امتلاء المساجد بالمصلين، وأن تصبح عامرة بذكر الله، وحضور النساء والرجال والأولاد.. خير عظيم.

وحول عوامل جذب المصلين للمساجد بين أن صوت الإمام له دور كبير في جذب الأفراد للمساجد، حيث يوجد إمام ثابت لكل مسجد، ليصلي سكان الحي وأفراده على مدار العام، نافيا أن يكون هناك تغيير للأئمة في المساجد خلال شهر رمضان.

وأشار إلى أن إقبال الناس على الصلاة خلف إمام معين يكون وفقا لمواصفاته وجمال صوته وقدرته على التجويد، مبينا أن القبول دائما من الله، وبالتالي الأئمة المتميزين دائما ما يزدادوا عناية بأصواتهم ومساجدهم، من خلال إضافة الطيب والبخور وتقديم الخدمات المتعددة كدروس ومحاضرات، مؤكدا أن هذه الأمور جميعها تعتمد على قدرة الإمام الشخصية إلى جانب القائمين والمشرفين على المسجد.

ولفت إلى أن الأئمة والمسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف جميعهم مستنفرون للعمل على راحة المصلين، من خلال تهيئة المساجد وتوفير جميع سبل الراحة لهم، حتى تكتمل الصورة المشرقة لهذا الشهر الكريم، مؤكدا أن هذه الخدمات وحالة الاستنفار مستمرة إلى نهاية شهر رمضان، ومن ثم تقوم الوزارة بالاستعداد والتجهيز لمصليات العيد، وقال: «موضوع المساجد والعناية بها أمر مستمر على مدار السنة وليس له موسم معين، إلا أن عملية الحرص والعناية تزداد في شهر رمضان المبارك».

من جهته أرجع أبو بكر الشاطري، خطيب وإمام جامع الفرقان في جدة، الذي يعج سنويا بالمصلين طوال شهر رمضان، أسباب ازدحام مسجد عن آخره إلى 3 عوامل تتمثل في: إمام المسجد وسمعته وحلاوة صوته، ومن ثم المصلين أنفسهم ونظافتهم وحفاظهم على النظام، ثم سمعة المسجد ومعرفة صاحبه وهل بني من مال حلال، مستدلا على ذلك بقوله تعالى: «لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ».

وبين الشاطري في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الله يلقي القبول من عنده للشخص سواء كان إماما أو غيره، وقال: «إذا أحب الله العبد ألقى له القبول بين الناس»، وأضاف: «بعض أهل العلم يرى أن كثرة المصلين خلف الإمام ليس دليل قبول، وإنما قد ينفع الله بالإنسان حتى وإن لم تكن نيته سليمة، إلا أن الأصل هو أن حسن الظن بمن نرى عليه إقبال وحب للصلاة خلفه».

وأشار إلى وجود عوامل أخرى من شأنها أن تجذب المصلين للمسجد، منها حسن قراءة الإمام وتفاعله مع الآيات، وإحياء قلوب الناس بالقرآن، مشددا على ضرورة أن ينتبه الإمام للآيات التي يقرأها إلى جانب أن يعد ويهيئ نفسه للقاء المصلين الذين سيصلون خلفه ويستمعون لقرأته ويتدبرون كلام الله من خلال صوته.

ولفت الشاطري إلى أن تهيئة المساجد تعتبر من الأمور المهمة، كونها عامل جذب للمصلين، وقال: «إذا كان هناك اهتمام وعناية بالمساجد من ناحية التكييف ونظافة الفرش والصوتيات والأجهزة، وإبعاد المشوشات بوجه عام»، سيجعل هذا المصلين يخشعون وينصتون ويتدبرون.

كما بين إمام وخطيب مسجد الفرقان أن للمصلين دورا كبيرا جدا في جذب بعضهم البعض للمساجد، وقال: «لو كانت أخلاق المصلين سيئة وغير مهتمين بنظافتهم الشخصية، ولا يحافظون على المسجد الذي يصلون فيه، غمن الطبيعي أن ينفر الناس من الحضور للمسجد».

وطالب بضرورة تكاتف إمام المسجد والمشرفون عليه مع المصلين وأهل الحي لإنجاح ما سماه «المشروع الإيماني الرباني»، «لا سيما في هذه الفترة حتى يستفيد الناس في هذا الشهر من العبادة والصلاة والقيام في المساجد، ويكون حاضنا إيمانيا وتربويا لهم».

من جهته بين هاني الرفاعي، إمام وخطيب مسجد العناني في حي الحمراء بجدة، ومسؤول إدارة الخدمات الشرعية في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، أن شخصية الإمام تعتبر من عوامل جذب المصلين قبل صوته وأدائه، وقال: «صوت الإمام لا يعتبر عامل الجذب الوحيد للمصلين، فهناك بعض الأئمة أصواتهم تعتبر مقبولة، إلا أننا نجد إقبال وحضور كبيرا للصلاة خلفهم».

وأضاف: «شخصية الإمام وعلمه إلى جانب تواضعه وتخاطبه واستماعه للناس، وتعامله مع الآخرين باحترام وتقدير، إضافة إلى محاولة مساعدتهم وتقديم يد العون لهم في أمورهم الحياتية ومشكلاتهم، تجعل الناس يقبلون على الصلاة خلفه»، مؤكدا أن درجة الصوت باتت تحتل 50 في المائة من عوامل جذب المصلين، و50 في المائة تعود إلى شخصية الإمام.

وقال: «أكثر ما يشتكي منه الناس اليوم هو أن أهل العمل والمشايخ والعلماء، لا يستمعون إليهم، وإن استمعوا لهم تجدهم لا ينصتون أو غير مهتمين»، مؤكدا أن «دور الإمام لا ينتهي عند إقامة الصلاة والتلاوة بل دوره أوسع وأشمل»، وقال: «كان الرسول عليه الصلاة والسلام يستمع للناس ويعالج مشكلاتهم وأمورهم الخاصة أيضا».

وأبدى الرفاعي استياءه من قلة الخدمات التي تقدم للمساجد ونظافتها وصيانتها، لا سيما المساجد الحكومية، وقال: «تعاني المساجد الحكومية خاصة في منطقة مكة والمنطقة الجنوبية من سوء الصيانة وقلة النظافة وعدم الاهتمام»، مستثنيا من ذلك شهر رمضان حيث بين أن هناك بعض المساجد يتم الاهتمام بها وبنظافتها خلال الشهر الفضيل، وبعد ذلك تهمل وتعود لحالتها السابقة من قلة النظافة والصيانة.

وأضاف: «حتى العناية بالمساجد خلال شهر رمضان تكون من قبل أهل الخير»، كما شبه المساجد الحكومية بـ«الأسواق المتهالكة»، وقال: «المساجد الحكومية في معظم المناطق حقيقة أشبه ما تكون بأسواق من ناحية عدم الاهتمام والصيانة»، مبينا أنه يستخدم في تنظيفها أرخص أنواع المنظفات وأقلها جودة، كما يوضع فيها أرخص أنواع المطهرات والعطور، متسائلا عن أسباب ذلك على الرغم من امتلاك وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إمكانيات وصفها بـ«الرهيبة».

واستطرد الرفاعي: «لو أن وزارة الأوقاف قامت بضبط مسألة التبرع الخيري، فبدلا من أن يعطي بعض المتبرعين تبرعاتهم للأئمة، تقوم بوضع صندوق خيري خاص لصيانة المساجد، والاهتمام بها، بإشراف لجنة منضبطة وتحت رعاية الدول، وسيكون الإقبال عليها كبيرا جدا».

ونفى الرفاعي أن يكون للمصلين دور في التأثر على الإمام، وقال: «دائما يكون شغل الإمام الشاغل كيف يتلو القرآن بصورة طيبة، ويقرأه بطريقة يتقبلها الناس»، نافيا بذلك أن تكون جنسية أو طبقة المصلين خلفه ذات تأثير عليه، مبينا أن ذلك هو المبدأ السليم، وإمام المسجد لا بد أن يتقبل جميع الناس وجميع طبقات المجتمع، فكل ما يهم الإمام أن يكون المصلون خلفه مسلمين، ينصتون له، ويكفي أنهم أقبلوا على الاستماع لكلام الله من خلال صوته وتعامله الراقي والإسلامي.

وبين أن المصلين لا يؤثرون بأي شكل على الإمام، إلا أنه قد يكون لهم تأثير على بعضهم، حتى إن الفوضى وعدم النظام التي يفعلها بعض المصلين قد تمنع البعض الآخر من حضور المسجد وأداء صلاة الجماعة والتراويح، وهذا الأمر نلاحظه كثيرا من قبل بعض الأشخاص الذين لا يحضرون للمسجد إلا لأداء الفروض ويكملون صلاة التراويح والسنن في منازلهم.

وطالب الرفاعي أئمة المساجد بأن يرفقوا بالمصلين ولا يطيلوا الصلاة مراعاة لظروف المأمومين خلفهم، وقال: «بعض الأئمة أتاهم الله عز وجل من الصحة والعافية والقوة ما يجعلهم يطيلون في الصلاة، ويتوقع الإمام أن الناس جميعهم كذلك لديهم القدرة على الوقوف والإطالة، وهذا غير صحيح» وأضاف: «لذا أتمنى أن يراعي الأئمة أن الناس طبقات في إيمانهم وصحتهم».

كما شدد على ضرورة البعد عن التكلف في الخطابة بألفاظ وجمل قد تكون صعبة الفهم على البعض، مطالبا بأن يتواضع الإمام ويخاطب الناس على قدر فهمهم وأن يراعي ظروفهم الصحية.