«عيد جنوب السعودية».. الألعاب النارية بديلا للرصاص الحي

انحسار تقاليد تمجد «الرمي» وتحصي كرم الرماة بالرصاصات المتطايرة

أزيز الرصاص يشنف آذان أهل الجنوب في ليالي عيد الفطر المبارك بالسعودية (تصوير: مسفر الدوسري)
TT

بمجرد انتهاء وجبة إفطار آخر يوم في شهر رمضان المبارك، وبعد صلاة المغرب مباشرة، تحولت سماء قرى واقعة في مدينة بلجرشي التابعة لمنطقة الباحة جنوب السعودية، إلى مهرجان من الألوان والأصوات، رسمتها ريشة العشرات وربما المئات من قاذفات الألعاب النارية التي تنتشر في معظم منازل تلك القرى، تتخللها بضعة أصوات لأعيرة نارية محدودة انطلقت من أسلحة رشاشة.

لم تكن مسألة سهلة كما قد يظهر، على كثيرين من أبناء تلك القرى استبدال طلقات الرصاص الحي في المناسبات العامة والأعراس، بالألعاب النارية، خصوصا مع ما تحمله الأولى من ثقافة وتقاليد سكان منطقة الباحة من مظاهر الفخر والرجولة والكرم.

لكن الحوادث التي تكررت كثيرا في مثل هذه المناسبات جراء استخدام الأعيرة النارية الحية من إصابات ووفيات بطلقات خاطئة حولت لحظات الأفراح إلى مصائب وأحزان، كان لها أثر كبير في استجابة أبناء القبائل إلى قرار وزارة الداخلية القاضي بمنع استخدام الأعيرة النارية الحية في إظهار الفرح أثناء المناسبات العامة وحفلات الأفراح.

صدر قرار وزارة الداخلية هذا منذ فترة ليست بالقصيرة، غير أنه ظل طويلا في مناطق القبائل الجنوبية وقراها عصي على التفعيل، في مواجهة ثقافة سائدة تمجد الرمي بالرصاص، وترفع شأن الرامي وتحصي كرم الرماة مع أعداد الرصاصات المتطايرة.

ويشير عبد الله الغامدي من إحدى قرى منطقة الباحة، إلى أن الحوادث المؤسفة التي تنجم عن استخدام الأسلحة النارية كان لها أثر واضح في حظر استخدام هذه الأسلحة في المناسبات العامة والأعراس، وأيضا تقليص كثير من أبناء القبائل من استخدامهم لها، وقصرها على مناسبات محدودة جدا وبشكل مقتضب في الغالب.

إلا أن الغامدي يرى أن الوعي لدى أبناء الجيل الحالي بمخاطر تلك الأسلحة وانتشارها وقربها من متناول أيدي الأطفال كان له الأثر الحاسم في انحسار ظاهرة استخدامها في المناسبات العامة والخاصة والتفاخر بإطلاقها وبغزارة، علاوة على أن تأثير هذا الوعي في ظل الانفتاح الثقافي والمعرفي لدى أبناء هذا الجيل قلص من سطوة العادات والتقاليد على سلوك الأفراد في العصر الحالي، وحدّ من تأثيرها على توجهاته بشكل ملحوظ.

أما على الرداعي وهو أب لأربعة أطفال، فشدد على إيجابية هذه الاتجاهات الجديدة للاحتفال بالألعاب النارية بديلا عن الأسلحة الرشاشة والمسدسات، معتبرا أنها أكثر بهجة ومتعة وأمانا للأطفال، في مقابل استحالة تحقيق الأمان الكامل عند استخدام الأعيرة النارية وما سببه استخدامها من مصائب اكتوت بنارها كثير من الأسر.

بدوره يعتقد، ماجد الغامدي، الذي قدم إلى قريته في محافظة بلجرشي من مدينة جدة لقضاء إجازة العيد، أن الوقت حان لنزع فتيل ثقافة التفاخر والتنافس في استخدام الأسلحة على مرأى ومسمع من الأسر والأطفال، مشيرا إلى أن هذه الثقافة قد تورث جيلا يميل إلى العنف، بجانب ما قد تسببه من حوادث أليمة.

وشهدت السنوات الخمس الأخيرة تنامي مظاهر الفرح في ليالي العيد بإطلاق الألعاب النارية عوضا عن الرمي بالرصاص الحي، خصوصا مع اكتظاظ القرى الجنوبية بأبنائها العائدين من المدن لقضاء إجازتي رمضان والعيد فيها بعد أن باتتا متزامنتين مع فترة الإجازة الصيفية للطلاب والطالبات.

ويحرص هؤلاء القادمون من مدن السعودية المختلفة للاصطياف في قراهم على اصطحاب كميات كبيرة من تلك المفرقعات معهم، وتخزينها في انتظار الإعلان عن عيد الفطر المبارك، ليبادر كل بإخراج ما أحضره وتبدأ جولات ساخنة من الإطلاق والرد، وتظل سماء القرى مزينة بالأنوار حتى منتصف الليل.