السعودية تُوازن تركيبتها السكانية بتحويل أريافها إلى قرى تراثية

تستهدف 5 قرى كمرحلة أولية للحد من الهجرة إلى المدن الرئيسية

القرى التراثية من شأنها الحد من الهجرة وتوفير مردود مالي لأهالي المنطقة («الشرق الأوسط»)
TT

كشف مركز التراث العمراني لـ«الشرق الأوسط» عن قرب انتهائه من عدد من مشاريع القرى التراثية، مستهدفا في مرحلته الأولى خمس قرى على مستوى البلاد، لتصبح بذلك موردا اقتصاديا مهما تعتمد عليه المجتمعات المحلية، من أجل تحقيق التنمية السكانية المتوازنة.

وبتنسيق بين وزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة العامة للسياحة والآثار، قامت المشاريع في البلدات التاريخية والتراثية في عدد من المناطق في السعودية، وأصبحت منتجا اقتصاديا جديدا يسهم بشكل ملحوظ في دعم اقتصادات المناطق من خلال ما توفره من فرص عمل وتسويق للمنتجات التراثية لسكان هذه البلدات والقرى.

وأوضح الدكتور مشاري النعيم المشرف العام على مركز التراث العمراني الوطني، أن المركز يهدف إلى تحقيق التنمية السكانية المتوازنة في القرى، لكي لا تكون طاردة لسكانها، بل على العكس ستوفر فرص عمل لهم، خلافا لأهدافه الرامية إلى التعرف عن قرب على عناصر التعدد في جاذبية المنتج السياحي.

وبين أن المشروع استهدف في مرحلته الأولى خمس قرى على مستوى المملكة، وهي البلدة القديمة في محافظة جبة (100 كلم شمال غربي منطقة حائل)، والبلدة القديمة في محافظة الغاط في منطقة الرياض، والبلدة القديمة في محافظة العلا في منطقة المدينة المنورة، وقرية ذي عين في منطقة الباحة، وقرية رجال ألمع في منطقة عسير، مشيرا إلى أنه على الرغم مما تملكه السعودية من قرى ومبان تراثية متميزة وقابلة للتنمية، فإن ضعف الوعي بأهميتها وعدم التركيز على تنميتها، أدى إلى عدم الاستفادة منها، وفقدها في كثير من الأحيان.

وقال الدكتور مشاري النعيم: «فكرة القرى التراثية كبيرة، والهدف ليس الحفاظ على أزقتها فقط، بل هي حياة متكاملة، خصوصا أن الزوار لن يأتوا لرؤية هذه المناظر فحسب، وإنما يريدون مشاهدتها من خلال قصة واضحة للمكان وإمكانات متوافرة من خدمات وغيرها، فضلا عن أسلوب أهل البلد في الضيافة»، معتبرا أن البرنامج لن ينجح إلا بمبادرة أهالي تلك المناطق من خلال حبهم وحمايتهم لهذا التراث والاحتفاظ به لأنه الأساس للاقتصاد الوطني للبلاد.

وتسعى الهيئة من خلال تنمية القرى التراثية إلى ضمان توافر الخدمات الأساسية اللازمة في القرى والبلدات التراثية مثل الطرق ومركز الزوار، وتهيئة ممرات لحركة السياح داخل القرية، وأماكن للجلوس، ومطاعم ومقاه وتموينات، ودورات مياه، ومحلات بيع المنتجات المحلية، بالإضافة إلى الإنارة الخارجية للمباني التراثية، مما يشجع السياح على زيارتها، ويساهم في قضاء جزء من برنامجهم السياحي داخل هذه القرى، مما يعود بالفائدة الكبرى على السكان المحليين، ويشجع الأسر على العمل في إنتاج ما يطلبه السائح من مأكولات ومشروبات محلية وبيع للمنتجات الزراعية والحيوانية، والمنتجات الموسمية، ويشجع الحرفيين على العودة إلى ممارسة أعمالهم الحرفية.

ويهدف البرنامج إلى زيادة تشغيل الخدمات المساندة مثل الفنادق والشقق المفروشة والمطاعم والنقل، والمساهمة في الحد من هجرة السكان المحليين إلى المدن الرئيسية، وتحقيق التوازن التنموي، وإحياء الحرف والصناعات التقليدية والتراث غير المادي الذي كان سائدا في القرى، وكذلك إشراك الأهالي في إعادة تأهيل القرى وتنميتها بما يعود عليهم بالمنفعة، وتشجيع المستثمرين على الاستثمار في القرى.

ويمثل مشروع تنمية القرى التراثية تجربة فريدة من نوعها، إذ سيتاح للسائح تجربة حياة الفلاحين خلال عطلة نهاية الأسبوع أو إجازته الصيفية، وذلك في إحدى الاستراحات الريفية المنتشرة في الحقول الزراعية بجازان والقصيم والأحساء، وذلك بعيدا عن تلوث المدن الناجم عن أدخنة المصانع وعوادم السيارات وأبواق المركبات العالقة في الاختناقات المرورية.

وتبين من خلال الدراسات التي أجرتها الهيئة العامة للسياحة والآثار أن هذه النوعية من المشاريع مجدية اقتصاديا، وتتحمل المخاطر التي قد تتعرض لها أثناء التشغيل، وأن عائداتها عالية نسبيا، إذ من الممكن أن تنافس الفنادق ووحدات الإقامة التقليدية، وستكون جاذبة للسائح المحلي السعودي والمقيم، إضافة إلى دورها المهم في اقتصادات المناطق. وقد وقعت الهيئة العام الماضي عقود تمويل القرى التراثية في كل من الغاط ورجال ألمع بمبلغ 7 ملايين ريال لكل مشروع مقدمة من بنك التسليف، كما يجري العمل الآن على تأهيل عدد من القرى التراثية مثل قرية ذي عين في الباحة، والبلدات التراثية في المجمعة، والعلا، وجبة بحائل، وظهران الجنوب.