السعودية ترمم بيتها الإعلامي وتعيد هيكلته وتقوية أركانه لمواجهة متغيرات العصر

تنظيم نشاط «الإعلام المرئي والمسموع» يعيد البدايات الأولى للقطاع من الاستماع إلى صناعة وإنتاج البث

التلفزيون شهد نقلة كبيرة في الإخراج والتجهيزات («الشرق الأوسط»)
TT

سجلت السعودية إجراء غير مسبوق لتطوير إعلامها المرئي والمسموع، بعد موافقة مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها أول من أمس الاثنين، برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير سلمان بن عبد العزيز، على التنظيم الخاص بالإعلام المرئي والمسموع وإنشاء هيئة عامة لهما استكمالا لإعادة هيكلة قطاع الإعلام في المملكة.

ووصف وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجه القرار بالتنظيم الحضاري جدا، وأكد أن هذه الهيكلة تعد الأولى من نوعها على مستوى دول المنطقة، ولا يوجد لها مثيل سوى في أميركا وبريطانيا وفرنسا. وأعاد هذا التنظيم إلى الأذهان البدايات الصعبة للمناخ الإعلامي (المسموع والمرئي) في السعودية بعد مرحلة التوحيد، حيث شهد عام 1949 انطلاق الإذاعة السعودية وبداية البث الإذاعي من مدينة جدة، في حين بدأ التلفزيون السعودي بثه البرامجي عام 1965 رغم أن البداية الحقيقية لإدخال البث التلفزيوني إلى المملكة تعود إلى عام 1962، في حين أن بعض مناطق السعودية كانت قد عرفت البث التلفزيوني وبخاصة المنطقة الشرقية عبر تلفزيون «أرامكو»، إضافة إلى وجود الإرسال التلفزيوني في العديد من الدول العربية التي تحيط بالسعودية مثل مصر والعراق والكويت.

وقد أدركت القيادة السعودية أن بيت الإعلام السعودي بحاجة إلى ترميم ونفض غبار الماضي وتقوية أركانه بالاعتماد على تقنيات الإعلام والمعلومات ومزجها بالعنصر البشري المؤهل ليثبت وجوده في زمن العولمة الإعلامية، ويستطيع التعامل مع هذا العالم المتسارع الخطى بلغته والتفاعل معه على اعتبار أن حركة التاريخ تتجه دوما إلى الأمام، وأن الإعلام صناعة وإنتاج قبل أن يكون بثا مستوردا.

وأكد خوجه على «ضرورة التعبير والتصدي لمجمل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تواجه المجتمع السعودي في هذه المرحلة المهمة في مسيرة التنمية التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بالعمل لمواجهة هذه التحديات، والسعي بكل جهد لأن يكون على مستوى طموحات الملك عبد الله في ما يتعلق بقطاع الإعلام بمعناه الشامل، والسعي إلى ترميم البيت الإعلامي ونفض الغبار عنه وتقوية أركانه، ودعمه في مواجهة متغيرات العصر. وقد تضمن سجل الإنجازات الإعلامية في المملكة الكثير مما تحقق في فترة وجيزة».

ومن جانبه، أشار الدكتور محمد أحمد الصبيحي، مستشار اتحاد الإذاعات الإسلامية الذي عمل مذيعا بإذاعة المملكة ومديرا لتلفزيون جدة، خلال رصده نشأة وتطوير الإذاعة والتلفزيون في السعودية، إلى ما أنجزه الرواد الأوائل الذين عملوا بهذين الجهازين، مشددا على أن «اهتمام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بالإذاعة وبدورها الإعلامي والتثقيفي كان سابقا لنشأة الإذاعة السعودية، حيث رصدت وقائع التاريخ أن الملك أمر بمتابعة ما تذيعه الإذاعات الخارجية منذ عام 1932، بل إنه خصص بعض موظفيه في ما يمكن أن نطلق عليه (لجنة استماع) لما تذيعه هذه الإذاعات لمتابعة أحداث العالم، وبخاصة أحداث الحرب العالمية الثانية وإرهاصاتها، والتغييرات السياسية التي كانت تمر بالعالم آنذاك. ثم تأسست وبأمر ملكي - بعد ظهور الإذاعات في أوروبا والعالم العربي - إدارة مستقلة لرصد الأنباء التي تذيعها هذه الإذاعات في الديوان الملكي، مرتبطة بالشعبة السياسية، وكان موظفوها يعرفون بالمذيعين - حيث كان يطلق على كل واحد منهم لقب مذيع - وفقا للأمر الملكي الذي صدر في عام 1365هـ إلى الأمير فيصل (آنذاك) باعتماد إضافة مسمى مذيع في ميزانية الإذاعة بالديوان الملكي».

وأضاف «كانت مهمة هذه الإدارة رصد وتسجيل الأخبار من الإذاعات العربية والعالمية - وبالتحديد من تركيا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا - ومن ثم تلاوتها على الملك عبد العزيز في ثلاثة أوقات معينة كل يوم، حيث كان الملك يخصص وقتا للاستماع إلى الأخبار العربية والعالمية بين مستشاريه وجلسائه ويتناولون هذه الأنباء بالتحليل والمناقشة - مركزا اهتمامه آنذاك على أخبار الحرب، وبما كان يصدر من تحليلات تبثها إذاعات الحلفاء ودول المحور حول المنطقة والعالم. وكانت إذاعة لندن تذيع خطب الملك عبد العزيز أثناء مواسم الحج، والتي يبعث بها أحد المراسلين العاملين في المملكة ويرسلها بدوره إلى جريدة «المقطم» في مصر، ومن ثم تنقلها الإذاعة البريطانية لمستمعيها حول العالم».

وحول اهتمام الملك عبد العزيز بأمر الإذاعة يؤثر عنه ما قاله ذات يوم حين سئل عن منافع الراديو فقال «لقد صار الراديو من ضروريات الحياة اليوم، وسد ثغرة عظيمة في هذا العصر، وأدهش العالم، وصار من أنفع الأشياء، ولا يستغني عنه أحد في العالم والمعارف».

وتذكر بعض كتب التاريخ أن عائلات عديدة من أبناء المملكة حرصت على اقتناء أجهزة الراديو، على الرغم من عدم توافر إحصائيات دقيقة حول بدء انتشار أجهزة الراديو في المملكة، والذي يرجعه بعض الكتاب إلى الحرج الاجتماعي الذي أصاب مالكي هذه الأجهزة، من التظاهر باستخدامه، حيث انحصرت أجهزة الراديو على عدد من الأفراد المعدودين من وجهاء المجتمع السعودي في مكة المكرمة، وفي الرياض أيضا، وهي الفئات التي كانت تحرص على متابعة أنباء العالم، وأخبار الحرب العالمية، وكذلك حفلات أغاني أم كلثوم التي كانت تذيعها الإذاعة المصرية منذ أنشئت في عام 1934م.

ومما كانت تذكره بعض الروايات أن الحكومة كانت تفرض رسما ضريبيا رمزيا على حيازة أجهزة الراديو، وعندما ثقل عبء استيفاء هذا الرسم على إدارة البرق والهاتف بعد تزايد أعداد أجهزة الراديو، طرحت فكرة إلغائه، أو استيفاء رسوم خمس سنوات مقدما عند المنافذ الجمركية، لكن كفة الإلغاء رجحت، عند بحث الموضوع في مجلس الشورى، فصدر الأمر الملكي في الخامس من ذي الحجة عام 1369هـ الموافق السابع عشر من سبتمبر عام 1950م بالإلغاء.

يعد الأمير - الملك في ما بعد - سعود بن عبد العزيز أول من فكر بشكل عملي في تأسيس الإذاعة السعودية، حيث عرض أمر إنشاء محطة إذاعة على الملك عبد العزيز آل سعود، والذي كلف وزير المالية آنذاك عبد الله السليمان الحمدان بتنفيذها، تحت إشراف الأمير فيصل بن عبد العزيز نائب الملك في منطقة الحجاز (آنذاك)، حيث تم الاتفاق مع مؤسسة «إنترناشيونال ستاندرد إلكترونيك» التابعة للشركة العالمية للتليفون والتلغراف (آي تي تي). وفي القاهرة، شهد مقر السفارة السعودية في العاصمة المصرية بتاريخ 1949/5/11م، توقيع العقد مع الشركة الأميركية.

وبعد مرور ما يقرب من ست سنوات، وبالتحديد في العاشر من فبراير (شباط) عام 1955م، صدر مرسوم ملكي ينظم شؤون الإذاعة بالمملكة العربية السعودية، ويقضي بإنشاء مديرية عامة للإذاعة، ترتبط برئيس مجلس الوزراء، ونصت مادته الأخيرة على أنه يعد مرسوما تأسيسيا موضحا لأغراض المرسوم السابق، الصادر في عهد الملك عبد العزيز، بمعنى أنه لا يلغيه، وإنما يعيد تنظيم الإذاعة بشكل يتواكب ومعطيات العصر الذي نعيش فيه.

بدأ التلفزيون السعودي بثه البرامجي في ربيع الأول من عام 1385هـ، الموافق 1965م، حيث تزامن هذا البث مع بداية فصل الصيف وذلك بهدف تسهيل تقديم الوسيلة الترفيهية في مجتمع محافظ مثل المجتمع السعودي، الذي قد يرفض هذا البث، خاصة أن بعض التقنيات الحديثة مثل اللاسلكي قد واجهت العديد من الصعوبات والاعتراضات عند بداية عملها وظهورها.

وتعود البداية الحقيقية لإدخال البث التلفزيوني إلى المملكة العربية السعودية إلى عام 1962م، الموافق 1382هـ، وذلك عطفا على البيان الذي ألقاه الأمير فيصل بن عبد العزيز - آنذاك - عندما كان وليا للعهد ورئيسا لمجلس الوزراء، والذي أعلن فيه عزم المملكة العربية السعودية الأخذ بهذه الوسيلة (التلفزيون) الهادفة إلى تحقيق الترفيه البريء.

وفي عام 1963م أقر مجلس الوزراء السعودي مشروعه بإنشاء التلفزيون في المملكة العربية السعودية، على مرحلتين، تبدأ الأولى ببناء محطتي إرسال تلفزيوني مؤقتتين في كل من الرياض وجدة، وتكون المرحلة الثانية مخصصة لإنشاء نظام تلفزيوني متكامل يوظف أحدث التقنيات ليكون محققا للآمال التي تطلع إليها المسؤولون في المملكة. ووقعت اتفاقية بين الحكومتين السعودية والأميركية لإدخال البث التلفزيوني إلى المملكة العربية السعودية، في عام 1964م.

ورحب سكان مدينتي الرياض وجدة ترحيبا بالغا باستقبال التلفزيون، ومن ثم أعجبوا بما قدمه من برامج، وبدأت هوائيات التلفزيون ترتفع فوق أسطح المنازل في مناطق البث، ودلت الإحصائيات التي تم تسجيلها آنذاك على مدى اهتمام المواطنين السعوديين بالتلفزيون، لدرجة أن مستمعي الراديو في مناطق الإرسال التلفزيوني هبطت أعدادهم في ساعات المساء، كما قلت حركة مرور السيارات في جدة والرياض أثناء ساعات الإرسال التلفزيوني، مثلما قل النشاط الترويحي خارج البيوت كثيرا، وبدأ الناس يفضلون البقاء في بيوتهم مع أسرهم لمشاهدة برامج التلفزيون.

وعقب تشغيل محطتي الرياض وجدة بدأ مشروع إنشاء شبكة الميكروويف بين جدة ومكة والطائف، وتم بناء محطات الميكروويف لإعادة البث، واكتمل المشروع في شهر أغسطس (آب) عام 1967م، الموافق ربيع الثاني عام 1387هـ. وقد أتاح هذا المشروع انتشارا سريعا للإرسال التلفزيوني للوصول إلى مراكز سكانية مهمة.