رئيس المركز الوطني للقياس والتقويم: اختبار القدرات يعتمد على أساسيات تدرس في الابتدائية

أكد في حواره لـ «الشرق الأوسط» أنه لا جودة إلا بقياس وتقويم

الأمير الدكتور فيصل بن عبد الله المشاري خلال حواره مع «الشرق الأوسط»
TT

أكد الأمير الدكتور فيصل بن عبد الله المشاري آل سعود، رئيس «المركز الوطني للقياس والتقويم»، في التعليم العالي، أن المركز حقق أهدافه التي خطط لها منذ إنشائه، وحول نوعية أسئلة الاختبارات قال في حوار مع «الشرق الأوسط»: «أسئلة الاختبارات التحصيلية التي يقدمها المركز تعتمد على مناهج سبق وأن درسها الطالب في 3 أعوام في المرحلة الثانوية، وهي منتقاة من محتوى المناهج بشكل واضح، أما أسئلة اختبار القدرات فإنها تعتمد على أساسيات أبسط بكثير تدرس في الابتدائية والمتوسطة ولا يمكن أن نقول إنها من خارج المناهج أو خلافه». ولفت الأمير الدكتور فيصل إلى أن الواقع الذي لمسه «قياس» من اختبارات المعلمين هي أن 50 في المائة منهم لا يحققون المتطلبات، فإلى نص الحوار:

* بداية، هل حقق «قياس» خلال الأعوام الـ12 الماضية ما يصبو إليه، أم أن العقبات قلصت من تقدمه وانتقاله من هدف إلى آخر؟

- «قياس» في الفترة الماضية حقق أهدافه التي خطط لها، وهو مستمر إن شاء الله في تحقيق المزيد من الأهداف الاستراتيجية على المدى البعيد، فمنذ تأسيس المركز كان الطموح توحيد اختبارات القبول على مستوى الجامعات في المملكة، واليوم أصبح لدينا على الأرض وقائع واضحة لا يمكن تجاهلها، منها على سبيل المثال اختبارات اللغات، اختبار الدراسات العليا، الاختبارات المهنية، واختبارات الموهوبين وغيرها من الاختبارات والمشاريع التي دخلت فيها المركز، وهو تطور طبيعي لعمله.

* ما وصلتم إليه حاليا من خدمات، هل كان بطلب من جهات خارجية، أو هي مبادرات من «قياس؟» - 90 في المائة من أعمالنا ومشاريعنا جاءت بناء على طلب من جهات مختلفة، وكان إصرارا من تلك الجهات للبدء فيها بشكل سريع وعاجل، وكثيرا من الأحيان نطلب الاعتذار أو التأجيل ولكن يتم الإلحاح علينا بالبدء فيها وتنفيذها فورا.

* لماذا تطلب الجهات المختلفة خدمات المركز من المقاييس والاختبارات؟

- لحاجة تلك الجهات إلى هذه المقاييس، ولعدم وجود بدائل أخرى، أو قد تكون بدائل خارجية وضررها أكبر من نفعها، فهي تحتاج إلى تكييف مع البيئة الداخلية، ومن يقم بهذا التكييف يحتاج إلى خبراء وتطبيق دوري للمقاييس على الواقع، وهو تحد لا تستطيع أن تقوم به أي جهة خارجية وفي مدة زمنية محدودة.

* «قياس» لم يرض البعض، ومن جرب الاختبار يتذمر منه، فهل الخلل في المجتمع أم في المعايير التي وضعت في القياس؟

- موضوع النقد من البعض هو أمر طبيعي، وهذا يحدث حتى الآن في المجتمعات المتقدمة التي مرت بنفس الظروف، والإنسان بطبعه لا يرغب في الاختبار، أو أن يقوم أحد بقياس قدراته وإصدار الأحكام عليه ويحدد بذلك مستواه وتقييمه، ولا شك أن مثل هذه الاختبارات التي يجريها المركز تصنف المختبرين على سلم من الدرجات وهو الأمر الذي يميز بين المتقدمين، ويرغب الكثيرون في أن يكونوا ممن يحصلون على الدرجة العالية ولا يرضوا أن يصنفوا ضمن الفئة المتوسطة أو أقل من المتوسطة، مع العلم أن هذا شيء طبيعي يحدث لكثير من الظواهر في الحياة، حيث يقع غالبية الناس وغالبية الأشياء حول المتوسطات، وعدد قليل يكون في الاتجاه العالي وعدد قليل في الاتجاه الأدنى، والاعتراض في الحقيقة إنما هو اعتراض على ظاهرة كونية لا يملك «قياس» منها شيئا.

* لكن الصوت الناطق هو الصوت الناقد، ألا تعتقد أن 30 في المائة من المختبرين سلبيون؟

- هناك سببان؛ السبب الأول أن نسبة الذين يقعون في المتوسط وأقل هم غالبا أكثر من 50 في المائة، فهؤلاء تتوقع منهم أن يكونوا كذلك، والسبب الثاني أن صوت الفئة غير الراضية هو الصوت العالي، أما الفئة الراضية فهي عادة لا تتكلم اعتقادا منها أنها لا تريد أن تؤيد هذا الشيء أو تثني عليه ، لأنها تعتقد بأن هذا جهدها وهذا ما تستحقه، وبذلك لا داعي للتصريح بذلك، كما أننا تعودنا في مجتمعنا أن نتهم من يمدح أو يثني على شيء بأنه مداهن وصاحب مصلحة.

* ما الفائدة الفعلية من هذه المقاييس؟

- بداية يجب أن نقسم المقاييس التي نقوم بها؛ فهناك مقاييس معيارية المرجع، وهي التي لا تعطي نسبة مئوية ولا يوجد بها نجاح أو رسوب، ولكنها ترتب المختبرين ترتيبا طبيعيا من الأعلى إلى الأقل، وهذه تحتاجها الجامعات ومؤسسات التعليم العالي لمعرفة الأفضل، فحينما تكون المنافسة بين متقدمين تحتاج الجامعات معرفة مستوياتهم والفرق بينهم بشكل واضح، الأمر الذي لا توفره درجات الثانوية العامة، حيث يتراكم في كثير من الأحيان الطلاب في اتجاه الدرجات العالية، وهذه الفائدة قد تكون أكثر أهمية لاتجاه المؤسسات نفسها وكذلك الجامعات.

بالنسبة للطلاب أصحاب الجدارة والتفوق الحقيقي، فهم ينصفون بهذه المقاييس، في خضم وجود التضخم في الدرجات، حتى لا نكاد نعرف من يستحق الدرجة ومن لا يستحقها، لذلك فوجود مثل هذا المعيار يساعد أصحاب القدرات الحقيقية لكي ينافسوا بشكل قوي وعادل، هذا بالنسبة للاختبارات معيارية المرجع، التي لا يوجد فيها نجاح أو رسوب.

والنوع الآخر هو الاختبارات المهنية ودرجاتها في الغالب مئوية، وحينما نقوم بإعداد اختبارات مهنية، نقر معايير المهنة ونحاول حصرها، فحينما نعد على سبيل المثال اختبارات المعلمين نجتهد في تحديد معايير المهنة ومواصفات المعلم الذي نريده، وبالتالي نضع اختبارات ومقاييس على تلك المعايير، والدرجة التي يحصل عليها المختبر توضح مدى تحقيقه لهذه المعايير بنسبة مئوية، وهذه في الغالب بها نجاح ورسوب.

ومعرفة الجامعات بهذه المعايير يساعدها على تجهيز الخريجين بما هو مطلوب، ولمثل هذه الاختبارات فائدة للجهة الموظفة، لأنها تتأكد من أن المتقدم يحقق المتطلبات والتطلعات، ولا مجال إلا أن يكون هناك مقاييس صادقة وواضحة لهذه المهنة.

* على مستوى المعلمين، هل من تم تعيينهم أثر على التعليم بشكل إيجابي وأسهم في الجودة؟

- في الحقيقة إن تأهيل المعلمين مر بتغيرات كثيرة، ففي البداية كانت وزارة التربية تضطر إلى تعيين معلمين تأهيلهم أقل من البكالوريوس، وقتها كانت معاهد المعلمين والمعلمات بعد الابتدائية لمدة 6 أعوام، يتخرج بعدها المعلم، وكان هناك برامج خاصة لتأهيل المعلمين، ونظرا للحاجة لم يكن هناك مجال إلا قبول الخريجين من هذه المؤسسات للحاجة لهذه الأعداد، وبعدها أصبحت المؤسسات كثيرة مثل الجامعات وغيرها تؤهل المعلمين.

ومع كثرة هذه المؤسسات لا بد من رابط يربطها وبالتالي لا بد من تحديد المعايير والالتزام بها للتأهيل وفي نفس الوقت الاحتكام إليها عند التعيين، ولكن حتى الآن لا تزال الطالبات والمعلمات يعينون دون اختبارات، ونرى أن هناك خطأ كبيرا يحدث في تعيين المعلمات، والواقع الذي لمسناه من اختبارات المعلمين هو أن 50 في المائة منهم لا يحققون المتطلبات.

* هل تجدون أن الجهات الحكومية لديها فكرة أن القياس والتقويم يساعد في رفع جودة العمل على مستوى التعليم لديها؟

- القياس هو أحد عناصر ضبط الجودة، ولا يمكن أن تتحقق الجودة إلا بقياس وتقويم، ومؤشرات الجودة لا بد منها في أي منتج، من خلال القياس يحكم بجودة المنتج من عدمه، وهناك معايير ومؤشرات معينة تدل على أن هذا المنتج جيد أو لا.

بدون شك، إن القياس والتقويم مرتبط بالجودة وخاصة في أمور التعليم والأمور المهنية، وما نقوم به في المركز من قياس يتعلق بالأمور العقلية وليست المادية، فهو مرتبط دون شك بالجودة.

والأسس التي بني عليها هذا المركز لضبط جودة مدخلات التعليم العالي، وفي نفس الوقت تحقيق العدالة والإنصاف بين المتقدمين، بحيث يأخذ كل طالب مكانه الصحيح الذي يستحقه، ومهما زادت فرص القبول في الجامعات فإنها تختلف بين كليات التعليم ذات المستقبل الوظيفي الأوفر، وبين الكليات ذات المستقبل الوظيفي الأقل، ولا بد من التمييز بين الطلبة والإنصاف والعدالة وهذا أيضا ما يحقق الجودة وزيادة كفاءة الجامعات.

* هل فعلا تزيد إيرادات المركز مع زيادة الأعداد؟

- من دون شك، لكن هذه الإيرادات مرتبطة بمصروفات، وهي في الحقيقة معادلة محكومة ومعروفة، وحينما حسبنا تكلفة الطالب في بداية عملنا منذ (11) عاما وإلى اليوم لم يطرأ عليها تغيير، والسبب مع زيادة الأعداد تقل تكلفة الطالب في بعض الجوانب ولكنها تزيد في جوانب أخرى، بالإضافة إلى زيادة التكاليف والتضخم الذي يحدث دائما في جميع التكاليف التي نتعامل معها كرواتب موظفين ومكافآت وتكاليف التشغيل وغيرها.

هذه العناصر من التكلفة موجودة لدينا، ونصدر عنها تقرير سنوي، نوضح فيه تكلفة الطالب الحقيقية، كما أن قرار إنشاء المركز نص على أن يتقاضى المركز مقابلا ماليا يتناسب مع التكلفة لتغطية هذه التكاليف ولتطوير المركز، وأي مؤسسة غير ربحية يجب ألا يفهم أنها تأخذ التكلفة فقط، وتكتفي بالخدمات التي تقدمها، ولكن يجب أن تطور خدماتها وأدائها من خلال عوائدها وهذا هو التحدي الحقيقي.

المركز رسم مثالا فريدا من نوعه على مستوى المملكة في كونه يتحمل مصروفاته ذاتيا، وفي نفس الوقت يحقق المعادلة الصعبة في عدم رفع التكاليف على المتقدمين، ويعمل على تطوير خدماته بشكل مستمر، معتمدا على الكفاءة العالية في التشغيل وهو الأمر الذي نفتخر فيه.

* ما عناصر التكلفة وأين تصرف المبالغ المالية؟

- تكلفة الطالب في اختبارات المركز لها عدة جوانب، أولا: تكاليف إعداد الاختبارات من خلال التعاون مع الخبراء والمتخصصين برواتب ومكافآت مختلفة، ومتعاونين في كتابة الأسئلة من غير المتفرغين، ثم المراجعة والتدقيق، وكل هذه المنظومة مرتبطة بالعمل من داخل وخارج المركز، هذا بالنسبة لتكاليف الإعداد، التي يضاف لها تكاليف منها تطوير المنتج وتطوير الاختبارات وما يتعلق بها من دراسات وأبحاث لها عناصر تكلفة أخرى.

ثانيا: تجهيز الاختبارات من طباعة وتخرين وإرساليات ومواد يحتاجها تطبيق الاختبارات.

ثالثا: تطبيق الاختبارات وما يتعلق بها من مشرفين ومراقبين، وهم في الغالب متعاونون يأخذون مكافآت على كل يوم عمل.

ويوجد لدينا في المركز معادلة وهي أن لكل (15 - 20) طالبا يتم تحديد مراقب عند إجراء الاختبار، وفي يوم الاختبار هناك بعض التكاليف الخاصة من مستهلكات وخلافة، رابعا: تكاليف التصحيح وتحليل البيانات وما يتبعها من مكافآت لمن يقومون بالعمل سواء من الموظفين أو المتعاونين.

خامسا: تكاليف التوعية والإعلام مع الطلاب وأولياء الأمور وغيرها من تكاليف الأنظمة التقنية والتسجيل، وكل هذه العناصر وغيرها تعد تكلفة، والمركز لا توجد لديه ميزانية وهو معتمد اعتمادا كاملا على المقابل المالي، فهو بذلك يحقق معادلة متوازنة.

* هناك من يقول إن الاختبارات التحصيلية لا تعكس واقع مناهجنا التعليمة، بمعنى أن الأسئلة التي تأتي في الاختبار لم تأت خلال الدراسة من مناهج المرحلة الثانوية؟

- بالنسبة للاختبارات التحصيلية فإن هذا الكلام مردود على من يقوله 100 في المائة؛ لأن الأسئلة تعتمد على مناهج سبق أن درسها الطالب في 3 أعوام في المرحلة الثانوية، وهي منتقاة من محتوى المناهج بشكل واضح.

بالنسبة لاختبار القدرات فهو يعتمد على أساسيات أبسط بكثير تدرس في الابتدائية والمتوسطة ولا يمكن أن نقول إنها من خارج المناهج أو خلافه، إنما هي محاور أساسية نقيس من خلالها قدرة الطالب على الاستيعاب والاستنتاج والاستنباط وربط الأمور ببعضها والمسببات والنتائج وإيجاد العلاقات المنطقية، وهذه يتدرب عليها الطالب من خلال دراسته وممارسته للتعلم وطريقته في التعلم وهي مبنية على ذلك، وهي بلا شك ليست من الأشياء التي تحفظ أو يستعد لها الطالب قبل الاختبار بشهر أو أقل، بل هي تراكمات صقلتها التجربة التعليمية عند الطالب.

* ما خطتكم الاستراتيجية للسنوات المقبلة؟

- نعمل حاليا على الخطة الاستراتيجية بالإضافة إلى مبادرات ومشاريع متنوعة، ومن ذلك التوسع في الخدمات والاختبارات لتلبية احتياجات قطاع التعليم وقطاع الأعمال، ومن الأشياء الجيدة التي اتضحت من خلال عملنا على الخطة الاستراتيجية لبعض المحاور للاستفادة من التجارب العالمية، أننا وجدنا المجال رحبا ومشجعا جدا للتوسع، وأن ندخل في مجالات وأماكن جغرافية جديدة فإذا كانت تطلعاتنا في المملكة بأن نكون من دول العالم الأول، فالمركز يمكن أن يسهم في جوانب تخصصه بكل اقتدار في هذا الجانب، لأن المقومات والمبررات والقدرة موجودة ولا ينقصنا شيء.

وعقب اطلاعنا على تجارب وخبرات المراكز العالمية المماثلة، وجدنا أن موقف وقدرات المركز منافسة جدا لما هو موجود عالميا، ويمكننا الدخول في المنافسات عالميا بمستويات ومنتجات جديدة لم يسبقنا إليها أحد، مثل اختبار مخرجات التعليم العالي، التي لم يجربها أحد في العالم، حيث يمكن للمركز أن يدخل فيها بكل قوة، وفي مجال اختبار اللغة العربية المقنن لغير الناطقين بها أو حتى للناطقين بها ولنا الامتياز في هذا الأمر، ولنا تجارب في دول الخليج العربي في كل من عمان وقطر، والبحرين التي لا تزال التجربة فيها مستمرة منذ نحو ست سنوات إلى الآن، وهناك دول أخرى مثل جمهورية مصر تستفيد من تجربتنا، بإنشاء مركز مماثل وبدأوا في تأسيسه.