السعودية: 50% من إجمالي مرضى مستشفيات الصحة النفسية مرفوضون اجتماعيا

«مكافحة المخدرات» تنتقد جهود الجهات المعنية باحتواء المشردين منهم

طالبات بضرورة تدخل كل من وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية للحد من إشكاليات انفلات المختلين عقليا في الشوارع («الشرق الأوسط»)
TT

كشف الدكتور خالد العوفي المدير الطبي في مستشفى الأمل بجدة ورئيس وحدة الطب النفسي بصحة جدة، أن ما بين 40 و50 في المائة من إجمالي أعداد المرضى المنومين في مستشفيات الصحة النفسية يعانون من رفض ذويهم لهم. وأرجع الدكتور العوفي سبب ذلك الرفض إلى عدة أسباب تتضمن تخلي أسرهم عن دورهم الأساسي في احتواء وقبول مريضهم أو الشعور بالوصمة والحرج على خلفية اعتقادهم بأن المرض النفسي مزمن لا يرجى شفاؤه.

وقال الدكتور خالد العوفي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «في مثل هذه الحالات تتم مخاطبة الشؤون الصحية لرفع خطاب إلى مقام إمارة المنطقة لتوجيه من يلزم بتحضير أحد من ذويهم لتسلمهم»، مؤكدا أن مستشفيات الصحة النفسية بشكل عام تعاني من ظاهرة المرضى المرفوضين من قبل أسرهم.

يأتي ذلك في وقت ما زالت فيه عدة مدن في المملكة تواجه إشكاليات انفلات مرضى نفسيين ممن يصفونهم بـ«المختلين عقليا» في أحيائهم، والذين إما أن يكونوا تحت تأثير أي نوع من أنواع المخدرات، وإما أنهم فقدوا عقولهم على خلفية سوابقهم في الإدمان أو إصابتهم بأي مرض نفسي، وهو ما يدفع بهم إلى الشوارع نتيجة غياب دور الأهالي في احتواء مثل هذه الحالات، وهو ما أكده لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في المديرية العامة لمكافحة المخدرات.

وفي هذا الشأن انتقد عبد الإله الشريف مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية، أداء الجهات المعنية بالتعامل مع مثل تلك المواقف، والمتضمنة الدوريات الأمنية ووزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية، واصفا جهودها بـ«الضعيفة».

وقال عبد الإله الشريف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يفترض من تلك الجهات التعاون في ما بينها، وذلك من خلال إلقاء القبض على الشخص عن طريق الدوريات الأمنية وإيداعه في دور الرعاية الاجتماعية أو الإخاء لكبار السن أو الصحة النفسية إذا ما كان من المشردين الذين لا يملكون منازل تؤويهم، كل بحسب حالته».

واعتبر مساعد مدير عام مكافحة المخدرات للشؤون الوقائية الكثير من هؤلاء المشردين مرضى نفسيين، أو من مدمني المخدرات الذين لم يجدوا من يحتويهم، وبالتالي خرجوا إلى الشوارع، بحسب قوله.

وأشار الشريف إلى أن مكافحة المخدرات مسؤوليتها تلقي أي بلاغات أو معلومات مهما كان مصدرها حول وجود أوكار أو أماكن مشبوهة لمروجين أو مهربين، وبالتالي ضبطهم وإلقاء القبض على المتعاطين المتعاملين معهم.

وأضاف عبد الإله الشريف: «إن مكافحة المخدرات تقوم بإلقاء القبض على المتعاطي في حال تم وجوده في الشارع لتسجل عليه قضية، غير أنها تعمل على تحويل المدمن في حال تلقي بلاغ من أسرته إلى مستشفيات الأمل دون تسجيل أي سابقة عليه»، مؤكدا أن ضبط المشردين في الشوارع من المختلين عقليا ليس من مسؤوليات مكافحة المخدرات.

إحدى هذه الحوادث، شهدها حي السلامة في جدة قبل نحو أسبوعين، حينما فوجئت عائلة سعودية بتهجم أحد الأفراد عليهم ومحاولته لكسر باب المنزل الداخلي بعد أن تمكن من التسلل إلى داخل الفيللا، ليتضح في ما بعد أنه مختل عقليا، حيث كان متعريا تماما من ملابسه.

أبو خالد صاحب المنزل، قال لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أتناول وجبة الإفطار مع زوجتي وأطفالي، بينما كان ابني الأكبر في مدرسته لأداء اختبار اللغة الإنجليزية بهدف تحويله إلى المسار العالمي بالمدرسة، وفوجئنا بشخص يحاول كسر باب المنزل والدخول علينا، وهو ما دفع بي إلى الإمساك بالباب من الداخل وطلب العصا من زوجتي».

وأفاد بأنه اكتشف وجود شخص معتل عاريا تماما من ملابسه ويحمل في يده قارورة ماء، اشتبه في أن تكون مليئة بـ«العرق»، حيث تهجم على السائق في حجرته أثناء نومه وحاول ضربه ومن ثم الخروج مرة أخرى إلى فناء المنزل.

ويضيف: «حينما رآني قادما إليه وبيدي العصا فر هاربا، غير أنني لحقت به في الشارع وحاولت تسديد ضربة له في قدمه لتعطيله، وذلك بعد أن قام أفراد عائلتي بالاتصال فورا بالدوريات الأمنية، التي بدورها قامت بمباشرة الحادثة نتيجة قرب منزلي من قسم شرطة حي السلامة، وبالفعل تم القبض عليه وأخذه».

وفي هذا الشأن أوضح العميد مسفر الجعيد، الناطق الإعلامي باسم شرطة جدة، أن الدوريات الأمنية تقوم بتحويل مثل هذه الحالات إلى مستشفى الصحة النفسية بالتعاون مع الهلال الأحمر، مؤكدا في الوقت نفسه أن البلاغات من هذا النوع تعد محدودة جدا وليست كثيرة، بحسب قوله.

وقال العميد مسفر الجعيد في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان الشخص المبلغ عنه معرضا نفسه والآخرين للخطر، فإن الدوريات الأمنية تقوم بالقبض عليه فورا وإبلاغ الهلال الأحمر لنقله إلى مستشفى الصحة النفسية، بينما إذا كان تحت تأثير الخمر فإنه يتم التحفظ عليه في قسم الشرطة».

وحول كيفية التمييز بين المختل عقليا والواقع تحت تأثير أي نوع من أنواع المخدرات، علق الجعيد قائلا: «ثمة بعض المؤشرات الواضحة كهيئة الشخص ورائحته وتصرفاته، إلى جانب استدعاء أقاربه أو عائلته إذا ما أمكن»، مشيرا إلى أن أصحاب المخدرات تتم مباشرة حالاتهم من قبل الجهات المعنية بهذا الأمر وليست الشرطة.

وبالعودة إلى المدير الطبي في مستشفى الأمل بجدة ورئيس وحدة الطب النفسي بصحة جدة، فقد أكد على انتشار الاضطرابات النفسية في المجتمعات بشكل متفاوت حسب نوعية هذا الاضطراب، موضحا أن من بين ما وصفه بـ«الظاهرة» هو وجود المرضى الذهنيين والمرفوضين اجتماعيا في الشوارع والأماكن العامة. ولكنه استدرك بالقول: «هناك حالات أخرى من الاضطرابات النفسية أو الذهنية الناتجة عن سوء استخدام العقاقير والمخدرات، وهي ليست بـ(القليلة)، غير أن التدهور الوظيفي لديهم قد يكون أقل مقارنة بمرضى الفصام والتخلف العقلي، وذلك لارتباط الأعراض بنوعية وفترة الاستخدام للمخدرات».

وفي ما يتعلق بكيفية التعامل مع مثل هذه الحالات وعلاجها، ذكر الدكتور خالد العوفي أنه من الضروري في البداية إقناع المريض بهدوء بضرورة العلاج والتوجه إلى العيادة النفسية أو المستشفى لإجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة والتقييم النفسي والتشخيص وصرف العلاج المناسب.

وزاد: «قد يستدعي ذلك تنويم بعض الحالات التي تفتقر إلى الاستبصار بوجود مرض نفسي أو الحالات التي لديها اضطرابات سلوكية حادة وتشكل خطر على نفسها كالمحاولات الانتحارية أو الخطر على الآخرين من عنف وإيذاء».

وبيّن العوفي أنه يتم نقل مثل هذه الحالات عن طريق ذوي المريض أو من خلال الاستعانة بالدوريات الأمنية إلى طوارئ مستشفى الصحة النفسية لتقييم الحالة وإعطائها العلاج اللازم، إلا أنه في حال وجود مؤشرات لسوء استخدام العقاقير أو تعاطي المخدرات فإنه يتم تحويل المريض إلى مستشفى الأمل لعلاج الإدمان.