التبرع بالأعضاء بين الحاجة والتردد الاجتماعي

553 عملية زراعة كلى.. منها 431 لمتبرعين أحياء والباقي لمتوفين دماغيا العام الماضي

البطاقة الإلكترونية طريقة مستحدثة لزيادة أعداد المتبرعين بأعضائهم بعد الوفاة في السعودية، وفي الإطار عبد العزيز التركي رئيس الجمعية الخيرية السعودية لتنشيط التبرع بالأعضاء («الشرق الأوسط»)
TT

كشف عبد العزيز التركي رئيس الجمعية الخيرية السعودية لتنشيط التبرع بالأعضاء بالمنطقة الشرقية (إيثار) أن عدد المسجلين في سجل الموافقات على التبرع بأعضائهم في حال الوفاة دماغيا بلغ 500 شخص، منهم 300 تقريبا سجلوا أسماءهم وبياناتهم خلال الحملات التي قامت بها الجمعية في المنطقة الشرقية مؤخرا والباقي خلال التسجيل في بطاقة التبرع الإلكترونية.

وتم مؤخرا فتح بوابة تسجيل إلكترونية لضمان الحفاظ على قاعدة البيانات التي تحوي تفاصيل المتبرع، حيث يتم استخدامها في حال الحاجة إليها بطريقة علمية.

وقال التركي الذي يرأس الجمعية الخيرية للتبرع بالأعضاء التي شاركه في تأسيسها 36 شخصية، غالبيتهم من رجال الأعمال والأطباء بالشرقية، وسجلت في شهر فبراير (شباط) عام 2010: «إن هناك ثقافة متزايدة بأهمية دعم مثل هذا العمل الخيري، خصوصا أن الذي يقر بالتبرع بأي من أعضائه لا يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ طلبه إلا بعد التأكد بكل الطرق الطبية أنه غير قادر على العودة إلى الحياة الطبيعية بسبب الوفاة الدماغية».

وتعد جمعية «إيثار» هي الأولى المرخص لها من قبل الجهات الرسمية في السعودية، وقد أعلن الكثير من المشاهير دعم الجمعية وتسجيل أسمائهم كمتبرعين بالأعضاء في حالة الوفاة دماغيا، ومن بينهم الدكتورة منى أبو سليمان الإعلامية والمحاضرة بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة الملك سعود بالرياض.

وبيّن التركي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «عدد المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي بالمملكة يبلغ أكثر من 12 ألف مريض، ومتوسط تكلفة العلاج للواحد منهم يبلغ 110 آلاف ريال سنويا، بالإضافة إلى 12 مليون ريال تكلفة العمليات المصاحبة للغسيل الكلوي».

وعن كيفية التنسيق مع أهل المتبرع الذي أقر بنفسه التبرع وهو في كامل قواه العقلية قبل أن يتعرض للموت الدماغي، قال التركي: «تبدأ الخطوات بالتبليغ عن حالة الوفاة الدماغية عن طريق وحدة العناية المركزة بالمستشفى وحسب البروتوكول الوطني المعمول به يتم الإعلان عن وفاة المتبرع دماغيا بعد إجراء فحصين سريرين يفصل بينهما 6 ساعات على الأقل للبالغين، كما يتم إجراء تخطيط دماغ كهربائي للتأكد من عدم وجود أي نشاط كهربائي لقشرة الدماغ لمدة 30 دقيقة، أو يتم إجراء تصوير لشرايين الدماغ للتأكد من عدم وجود جريان دموي لتأكيد الوفاة الدماغية، وينتهي الفحص بإجراء اختبار توقف التنفس لتوثيق وفاة جذع الدماغ قبل أن يتم التوقيع على الإجراءات السريرية السابق ذكرها من قبل طبيبين من ذوي الخبرة في هذا المجال، لتوثيق حالة الوفاة الدماغية. وبعد ذلك يتم التنسيق لمقابلة أهل المتوفى دماغيا من أجل الحصول على الموافقة على التبرع».

وأشار التركي إلى أن نسبة الموافقة على التبرع بالكلى تمثل نسبة 100 في المائة من مجموع الموافقات الموقعة، بينما جاء التبرع بالكبد ثانيا بنسبة 99 في المائة، ثم القلب بنسبة 84 في المائة، والقرنية بنسبة 46 في المائة.

وعن إمكانية الاستفادة من الخبرات العالمية في هذا المجال قال التركي: «هناك تعاون دائم بين الهيئات الطبية السعودية ونظيراتها حول العالم للعمل على تبادل الخبرات ورفع مستوى الكوادر الطبية بالمملكة».

وأضاف: «قامت جمعية (إيثار) بتنظيم المؤتمر الخليج الأول لرعاية المتبرعين بالأعضاء نهاية شهر مايو (أيار) الماضي بالتعاون مع جامعة الدمام ومستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام والمركز السعودي لزراعة الأعضاء في الرياض، وشارك في هذا المؤتمر أطباء من مختلف دول العالم، كما حظي بحضور جيد من مختلف الاختصاصات الصحية بالمنطقة الشرقية».

وفي ما يخص جنسيات المتبرعين وهل يقتصر من يحق لهم تسجيل التبرع بالأعضاء على السعوديين قال التركي: «التبرع بالأعضاء يشمل السعوديين وغير السعوديين على حد سواء، وذلك حسب الأنظمة المتبعة في المملكة».

وتعمل الجمعية على ثلاثة محاور، ابتداء بالمرضى والمجتمع والكوادر الطبية وتنظيم زيارات لمرضى زراعة الأعضاء ومواساتهم وتفقد أحوالهم والتخفيف عنه وتنظيم حلقات توعوية لعائلات المرضى والتواصل معهم واستقطاب أشهر الأطباء العالميين في زراعة الأعضاء للمشاركة في الأنشطة العلمية، وكذلك تقديم المساعدات للمحتاجين من المرضى وإنشاء قاعدة بيانات تفيد في دراسة الحالات المرضية، والتنسيق مع الجهات المسؤولة في تقديم المنح الدراسية المتخصصة لدعم توطين الوظائف الصحية الخاصة بعلوم زراعة الأعضاء.

وفي أحدث تقرير أصدره المركز السعودي لزراعة الأعضاء وصدر مؤخرا رصد عمليات زراعة الكلي في العام المنصرم 1432هـ بعدد 553 عملية، منها 431 لمتبرعين أحياء والباقي لمتوفين دماغيا، واستفاد 12 طفلا من زراعة الكلى ممن يعانون من الفشل الكلوي، وثلاثة بالغين ممن كانوا يحتاجون إلى كلى عاجلة، بينما بلغت حالات الوفاة الدماغية المبلغ عنها والموثقة طبيا التي تم فيها مقابلة أهل المتوفى 710 حالات، وتصدرت المنطقة الوسطى القائمة بعدد 323 تم توثيق 227 حالة منها، وتمت مقابلة أهل 191 متوفى، ووافق منهم 58 فقط وتم وبنجاح استئصال 48 عضوا من أعضاء المتوفين، وجاءت المنطقة الغربية في المركز الثاني بعدد 149 حالة تم الإبلاغ عنها، وتم توثيق 64 حالة، وقوبل أهالي 39 متوفى ووافق ستة فقط على التبرع، وتم بنجاح استئصال أعضاء نصف العدد، ليكون العدد ثلاثة تم الاستفادة فعليا من أعضاء لهم.

وجاءت المنطقة الشرقية ثالثا بما مجموعة 106 حالات مبلغ عنها، وتم توثيق 45 حالة، وقوبل أهل 39 متوفى، ووافق 16 على التبرع، وتم بنجاح استئصال أعضاء من 15 متوفى.

أما المنطقة الشمالية فبلغ عدد الحالات المبلغ عنها 35 حالة، وثقت 17 منها، وتمت مقابلة أهل 7 متوفين، ولم تتم الموافقة على التبرع لأي حالة.

أما في المنطقة الجنوبية فبلغ عدد الحالات المبلغ عنها 47 حالة، وثقت 5 منها، وقوبل أهل أربعة متوفين ووافق أحدهم ولكن لم يتم إجراء عملية استئصال.

كما سجلت خارج المملكة 50 حالة، وثقت منها 27 حالة، وتمت مقابلة أهل 26 متوفى، ووافق 12 على التبرع، وتم بنجاح استئصال أعضاء لتسع حالات.

وبيّن التقرير أن المركز السعودي لزراعة الأعضاء يقوم بجهود كبيرة ومتواصلة من خلال الاتصال اليومي بالعنايات المركزة بهدف التعرف مبكرا على الحالات المشتبه بها كوفيات دماغية، كما أن جهوده الرامية إلى زيادة التبليغ أثمرت إيجابيا من خلال تلقي المركز الكثير من الاتصالات من المستشفيات للإبلاغ عن مثل هذه الحالات ومتابعة إجراءات تشخيصها استنادا إلى البروتوكول الوطني المعمول به.

وبلغ عدد المستشفيات المبلغة عن هذه الحالات 95 مستشفى في العام الميلادي 2011، كان من خلالها مستشفى الملك سعود الطبي بالرياض هو الأكثر تبليغا بحالات الوفاة الدماغية. وشكل عدد الذكور أربعة أضعاف عدد الإناث في ما يتعلق بالوفيات الدماغية التي كان من أهم أسبابها رضوض الرأس بنسبة 47 في المائة، وشكلت الحوادث الوعائية غير الرضية نسبة 53 في المائة، كان أغلبها نتيجة الحوادث الوعائية الدماغية، وكانت نسبة الحوادث المرورية تصل إلى 38 في المائة. أما آليات الوفاة الدماغية فكانت بسبب النزيف الدماغي بنسبة 91 في المائة.

واستخدمت عدة طرق لنقل المتوفين دماغيا إلى العناية المركزة للمستشفيات، أبرزها الإخلاء الطبي باستخدام الطائرات في 23 حالة، وعدد حالات الإخلاء الطبي بسيارات الإسعاف وصل إلى 72 حالة، وتم استخدام الإخلاء الجوي والإسعاف في 95 حالة، وهناك 34 حالة كان المتوفى موجودا في مركز زراعة الكلى أو القلب. كما أظهر التقرير أن 100 في المائة من الموافقات على التبرع كانت للتبرع بالكلى ثم بعض الأعضاء الأخرى كالقلب والكبد والقرنية بنسب تقل عن نسبة الكلى.

ولتأكيد جواز وشرعية هذا العمل وتشجيع التبرع بالأعضاء، تم التأكيد على أن هناك فتوى شرعية لهيئة كبار العلماء تجيز التبرع بالأعضاء في حالة الوفاة الدماغية.

وبالعودة إلى النسب والأرقام التي رصدها التقرير، فقد قابلت لجنة المركز السعودي لزراعة الأعضاء 309 من أهالي المتوفين دماغيا وافق منهم 93 على التبرع، بينما رفض الباقون، لتكون نسبة الموافقين على التبرع 30 في المائة من مجموع الحالات.

وفي ما يتعلق ببرنامج تبادل الأعضاء بين المملكة ودول مجلس التعاون، فقد تم الحصول على موافقة 11 حالة من دولة الكويت وواحدة من دولة قطر.

وأوضح الدكتور فيصل عبد الرحيم شاهين مدير المركز، في كلمته في التقرير، أن عدد عمليات زراعة الكلى منذ بداية البرنامج للمركز الذي بدأ في العام الميلادي 1984 تحت مسمى المركز الوطني للكلى قبل أن يتطور ليصبح المركز السعودي لزراعة الأعضاء في العام الميلادي 1993، بلغ 4852 حالة، منها 2349 حالة للمتوفين دماغيا.

كما أوضح التقرير الذي صدر مؤخرا الكثير من حالات زراعة البنكرياس والرئة والعظام وتم استئصال 21 عظما و4 أنسجة، وتمت الاستفادة الإيجابية من برنامج تبادل الأعضاء بين عدد من الدول الخليجية وإسبانيا، وحصلت الاستفادة من 50 كلية و84 كبدا و8 قلوب كاملة للصمامات البشرية و3 رئات.

وكانت الدكتورة حنان الغامدي استشارية جراحة وزراعة الأعضاء في مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام ونائب رئيس جمعية «إيثار» قد أكدت في وقت سابق أن عدد المتبرعين بالأعضاء في السعودية من المتوفين دماغيا لا يتجاوز «ثلاثة في المليون»، وهو رقم متدنٍّ بحسب الغامدي، حيث تصل النسب في بعض الدول مثل إسبانيا التي تعد الأفضل عالميا في عملية التبرع وزراعة الأعضاء إلى 36 لكل مليون نسمة سنويا، وفي الولايات المتحدة الأميركية 26 متبرعا لكل مليون نسمة سنويا، معتبرة أن جمعية «إيثار» تسعى لرفع هذه النسبة وزيادة الوعي بين المواطنين بأهمية التبرع بالأعضاء.

كما بينت أن عدد المرضى المحتاجين إلى زراعة الكلى في المنطقة الشرقية بلغ 2200 مريض، بينما لم يتجاوز عدد المتبرعين سوى 30 متبرعا، وهذا سيشكل صعوبة كبيرة، حيث تتأخر حالات زراعة الأعضاء لأكثر من 20 سنة، إضافة إلى تكلفة العلاج للمريض الذي يحتاج إلى إجراء عمليات غسيل بمعدل 3 مرات أسبوعيا.