في يوم الوطن.. غياب وعي بعض الشباب يحول الفرح إلى فوضى كارثية

مختصون: الطاقات الشبابية المتفجرة تحتاج للتفريغ.. واحترام الذات يحكم طريقة الاحتفال

TT

انتقد مختصون اندفاع بعض الشباب في التعبير عن فرحتهم بالمناسبات الوطنية، وتحويلهم الفرح إلى فوضى، مرجعين هذا السلوك إلى اختلاف الثقافات والفئات العمرية.

وأرجع المختصون سبب الفوضى إلى عدم وجود مساحات كافية لاحتوائهم، والاحتفال بطريقة مقننة ومنظمة، إلى جانب قلة وعي وثقافة المجتمع بطريقة الاحتفال.

وطالبوا الجهات المختصة بوضع حلول ومقترحات لتفادي الفوضى في المناسبات المقبلة، والنظر إليها ومناقشتها بشكل جاد، محذرين من الاستهتار بأهمية الاحتفال بيوم يحمل عبق وتاريخ 82 عاما من الجهود والطموح للعلو برفعة الوطن.

من جهته أوضح الدكتور هاني الغامدي مستشار العلاقات الأسرية والمجتمعية لـ«الشرق الأوسط»، أن الأفراد بطبيعتهم يحتاجون إلى مناسبة للتعبير عن فرحتهم، بغض النظر عن نوع المناسبة، سواء كانت يوما وطنيا أو عيدا أو فوز فريق كرة، مبينا أن الشباب يظهرون طاقاتهم في المناسبات، ومن الضروري إيجاد مساحات كافية للتعبير عن هذه الفرحة، وإفراغ الطاقات التي تولد نتيجتها.

وبين أن الفرحة عملية تتحكم فيها عدة أشياء فسيولوجية داخل جسم الإنسان، تكون شحنة كبيرة يتطلب تفريغها على شكل حركة، مشددا على ضرورة إيجاد مساحة كافية لتفريغها في إطار الانضباط وعدم إحداث الفوضى.

ويرى الحل في الحد من الفوضى التي تؤدي في بعض الأوقات إلى حوادث، في إيجاد مساحات كبيرة توجد فيها فعاليات حركية، من ضمنها برامج خاصة بهوايات الشباب، مثل مسابقة لأفضل سيارة زينت لهذه المناسبة وغيرها.

واقترح إيجاد لجنة من قبل الإمارة يتم الإعلان عنها على موقعها الإلكتروني، لوضع مقترحات لليوم الوطني من قبل الشباب، وكيفية الاحتفال به، بما يتناسب مع مفهوم وقدسية اليوم الوطني ضمن الإطار الديني والعرفي والاجتماعي، وفي خلال السنة تستطيع الإمارة دراسة هذه الأفكار وتحديد أماكنها وإيجاد الجهات التنظيمية والمشاركين.

أما الدكتورة أريج الداغستاني استشارية العلاقات الزوجية والأسرية، فإنها اختلفت في رأيها مع ما قاله الدكتور هاني الغامدي، ورأت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن الحل ليس في إيجاد أماكن لتفريغ الطاقات، بل في إيجاد أساليب يحتفل بها الشباب، فهي ترى أنه ليس من المهم أين يحتفلون؟ وإنما المهم كيف يحتفلون؟ معتبرة طريقة الاحتفال دلالة على مدى رقي وتحضر الأشخاص.

وقالت: «من الجميل أن يفرغ الشباب طاقات الفرح لديهم، ولكن الأهم أن لا يفقد الشباب أو الفتيات هويتهم، والخروج بتصرفات غير لائقة تجعلهم يفقدون احترامهم لذاتهم بعد الاحتفال، فالاحتفال لا تكتمل فرحته إلا في نهايته».

وعلى الرغم من وجود أصابع اتهام كثيرة تشير إلى الأسرة والمدارس والإعلام على أنها بعض الأسباب الرئيسية في عدم توعية الشباب، وتعريفهم معنى السلوك الحضاري المنضبط في الاحتفالات، فإن الدكتورة أريج الداغستاني تؤكد أن البحث في الأسباب غير مجدٍ، وأن السيطرة على النتائج هي الأهم.

وتقول: «إن الحل يكمن في تحمل مسؤولية الشباب لتقييمهم لذاتهم، فهم المسؤولون أمام الله وأمام المجتمع، فالعقاب لن يكون لوالديه أو المدرسة أو المجتمع، وإنما العقوبة ستكون له بشكل شخصي».

وفي السياق نفسه اقترح مديرو بعض المدارس توسيع دائرة الاحتفال باليوم الوطني من داخل أسوار المدارس، إلى الميادين والملاعب الرياضية والساحات العامة، إلى جانب مشاركة عدة جهات مختصة للتعريف بهذا اليوم ليس فقط للطلبة وإنما لجميع أبناء الوطن.

يرى محمد الجعماني مدير متوسطة الملك فهد الرائدة بجدة أنه من الضروري الاحتفال باليوم الوطني داخل المدارس، ومشاركة المعلمين والمعلمات للطلبة، بهدف تعريفهم بما قام به الملك عبد العزيز آل سعود من جهود لتأسيس المملكة وتوحيدها، وترسيخ مبدأ الانتماء للوطن في نفوسهم، إلا أنه اقترح فكرة تطوير الاحتفال باليوم الوطني الذي يقام داخل المدارس، من خلال إقامة مهرجان في أحد الأماكن العامة في كل مدينة، وإقامة عروض عسكرية وفعاليات يشاهدها الطلبة وولاة أمورهم، مشيرا إلى الأثر النفسي الذي سيتركه هذا العرض من زهو وفخر بالوطن والشعور بمدى قوته.

وأضاف إلى المقترح السابق مقترحا آخر أكد أنه تقدم به لمسؤول التعليم في منطقته، طالب فيه بزيارة الطلاب لأمراء المناطق في السعودية، ووضع برنامج معين لذلك، معتبرا أن هذه الزيارة لها أثر إيجابي ستتركه في نفوس الجيل الناشئ، وستعمل على توثيق الارتباط بالوطن والقائمين عليه.

وأرجع ذلك لتجربة شخصية مر بها في إحدى سنوات دراسته في السابق، حينما قامت المدرسة التي كان يدرس بها بزيارة للملك فهد للقاء به، ومشاركته الحديث، وقال: «أثناء هذه الزيارة ولقائي بالملك فهد انتابني شعور جميل وفخر وزهو بوطني، وحتى الآن أتذكر تفاصيل هذه الزيارة، ومدى الأثر التي تركته بداخلي، ولا أستطيع أن أمحو من مخيلتي تلك الإشارات الحميمة التي لوح بها الملك لنا».

واتفق مكي الحربي مدير عام مدارس دار التربية الحديثة مع محمد الجعماني في ضرورة وضع مقترحات لتطوير آلية الاحتفال باليوم الوطني لطلبة المدارس، وضرورة طرح الأفكار من قبل مديري المدارس على طاولة المسؤولين ومناقشة المقترحات، للبحث عن أفضلها والعمل بها.

ويرى أن إقامة الاحتفال في ملعب رياضي أو ساحات عامة فكرة جيدة من عدة زوايا، فهو إلى جانب المساحة الكبيرة التي تفوق ساحة المدرسة، يستوعب أعدادا كبيرة من طلاب المدارس، مما يساعد في دمجهم، إضافة إلى مشاركة أولياء الأمور والمسؤولين هذه المناسبة معهم.

واقترح أن تكون فترة الاحتفال ما بين 10 إلى 15 يوما، ولا تقتصر على يوم واحد فقط، وأن تقام في هذه الفترة عدة فعاليات ترفيهية وثقافية متبادلة بين المدارس، إضافة إلى المسابقات الفكرية والعلمية والرياضية والثقافية والفنية، ومنح الجوائز لأفضل البحوث، وأفضل الأشعار والقصص الأدبية التي يتم تقييمها من قبل مشاركين من النادي الأدبي.

وجزم مكي الحربي بأن الاحتفال بهذه الطريقة سوف يخلق روح المنافسة والإبداع، ويفجر طاقات ومواهب لم يكن من السهل التعرف عليها.

وقال: «قد تختلف فعاليات الاحتفال باليوم الوطني من مدرسة لأخرى، لكنها تتشابه في الهدف، فجميعنا نستعد لهذا اليوم ونحاول ابتكار الجديد في إيصال المعلومات عن توحيد المملكة ومؤسسها لطلابنا، ونبذل أقصى الجهود لإعطاء هذه المناسبة حقها، عن طريق الأنشطة الثقافية من خلال البرامج والمسابقات والمسرحيات وعرض السيرة الذاتية للملك عبد العزيز والملك عبد الله والملوك السابقين، إضافة إلى الأنشطة الفنية والاجتماعية والعلمية من خلال عمل مطويات ومقالات وعروض حاسوبية».