جدة تدخل حربا بيئية ضد «فئران السفن» المتفوقة على القطط والغربان

القوارض تمتاز بذكاء حاد وشراسة ضد مهاجميها

جدة تدخل حربا بيئية أبطالها فئران السفن العملاقة («الشرق الأوسط»)
TT

تخوض مدينة جدة حربا بيئية جديدة مفروضة عليها، لتنضم إلى سلسلة الحروب البيئية الأخرى، التي كان أشهرها حرب بحيرة الصرف الصحي أو ما كان يعرف بـ«بحيرة المسك» التي تم التخلص منها ضمن خطط التخلص من نتاج كوارث الأمطار الشهيرة.

واقع حروب البيئة التي خاضتها مدينة البحر جدة، يضعها أمام علامات استفهامات، مفادها: هل جدة على استعداد لخوض غمار حرب بيئية أخرى؟ ولكن هذه المرة أمام غزو الفئران القادمة عبر السفن من البحار البعيدة، تختلف نوع الحرب والعدو، فالفئران لا ينقصها الذكاء، وهو ما تأكد لسكان المدينة عبر سلسلة من تجاربهم ومحاولاتهم بالقضاء عليها، عبر اجتهادات فردية في مجملها.

غزوة الفئران الكبرى للمدينة وضعت سكان العروس أمام حيرة من أمرهم في نوعية الخطط التي تمكنهم من الصمود أو الموت في سبيل المحافظة على سحر عروسهم الأخاذ، يأتي ذلك في وقت اتضح فيه حدوث انقلاب طبيعي، بيد أن قطط الشوارع التي تمثل أحد الحلول الطبيعية في القضاء على الفئران، أضحت هي نفسها هدفا لهجوم فئران السفن الضخمة، وبات من الطبيعي أن تشاهد قطا يهرول هاربا من هجوم تلك القوارض أمام مرأى السكان من مرتادي بعض المواقع المطلة على البحر.

إلا أن واقع الأمر يقلب الطاولة، ليس على القطط الضالة، كونها لا تملك إلا الوقوف إجلالا، أمام حجم فأر تجاوزها، وجعل فرائصها ترتعد خوفا، الأمر الذي حملها على إفساح الطريق للغازي نحو حاويات امتلأت من فضلات السكان، لتوفر لفئران السفن غذاء لم تحلم به في بلدانها الأم، في حين جاء توفير المسكن الذي لم تأل أمانة جدة جهدا في توفيره، عبر سلسلة الصخور الواقفة مثل سور الصين العظيم؛ للحد من فرص إمكانية القضاء على الغزاة الجدد.

الوضع البيئي لمدينة السهارى، والذي يثير كثيرا من علامات التعجب، ناهيك عن استفهامات حول المسؤول عن حجم التلوث الذي تعانيه، بدءا من تلوث الفضلات الغذائية، والصرف الصحي، مرورا بتكدس النفايات، كما أبان علي عشقي، الخبير البيئي، الأمر الذي أرجعه عشقي إلى عوامل عدة، ليس آخرها الوعي المدرسي والمنزلي حول أهمية البيئة وكيفية المحافظة عليها، دون أن يغفل دور التعامل مع كورنيش جدة، الذي يعد بيئة خصبة، للفئران، من خلال الفجوات الموجودة بين الصخور «لتكاثر فئران عويلة»، كما وصفها عشقي.

ولأن حجم الضرر الذي يمكن أن تخلفه غزوة الفئران الكبرى، لا تقف عند حد الأحياء القديمة مثل البوادي والنزلة والهنداوية، التي تفتقر لبعض الخدمات مثل «الرعاية الصحية»، كما أوضح عشقي، بل تتجاوزها لتمثل خطرا في أحياء الشمال، القريبة من الكورنيش مثل الشاطئ، يبدو أن كارثة الحرب الجديدة التي ستخوضها العروس، في موعد قريب يراه بعض المسؤولين بعيدا، لا يقف عند حد التعداد لجيش الغزاة التي «تتكاثر بنسبة عالية وتمتلك ذكاء حادا»، كما وصفها عشقي.

وفي محاولتها لمحاربة الغزاة الجدد، جربت أمانة جدة في وقت ما، إطلاق أسراب من الغربان، ملأت سماء العروس، لتوقظ السكان على صوت نعيقها، المتشائم من تحسين الوضع البيئي لجدة، وتكتفي بتحويل منازلها لمصائد للفئران آخر الليل، وهو ما حدث مع الكاتب بجريدة «المدينة» إبراهيم نسيب، الذي يواجه حربا ضروسا ضد فئران تحاول القضاء على الأخضر واليابس، في حديقة منزله عبر أنفاق وصفها نسيب بـ«هذه الأنفاق لا تستطيع شركات المقاولات عمل مثيل لها، تبدأ من الشارع متجهة نحو حديقة منزلي».

وعلى الرغم من خبرة نسيب في التعامل مع هذه القوارض؛ كونه أحد أبناء جزيرة فرسان، عبر نصب الشراك التي لا تتوازى في حيلتها مع ذكاء الغزاة، كما أوضح نسيب «الفأر أكثر ذكاء، لأنه يعتمد التضحية برمي حفنة من التراب، أو عود من الخشب، ليتسنى له الحصول على وليمة الجبن أو الخبز، وربما كليهما، دون الوقوع في فخ الشراك»، الأمر الذي حمل نسيب على استخدام مصائد مكنته من اصطياد بعضها؛ دون أن تمنحه هدنة للحرب التي تشنها على حديقته الصغيرة.