اللواء الجداوي.. «خبير حرائق» ومسؤول «ميداني» تصدى لـ1000 كارثة في جدة

باشر أكثر من 300 حادثة حريق «مصرية» في غضون ستة أشهر

اللواء الجداوي خلال مباشرته لحريق مجمع براعم الوطن التعليمي بجدة (تصوير: غازي مهدي)
TT

لم يكن يجد أي حرج من التخلي عن منصبه والنزول مع الأفراد إلى الميدان لمباشرة أكثر من 1000 حادثة، باعتبار أن أي كارثة تعد عدوا يستوجب التعاون الجماعي لمواجهته، وهو ما كان يدفع باللواء عبد الله الجداوي، الذي ترك إدارة الدفاع المدني بمحافظة جدة ليتولى مهمة نائب المدير العام في منطقة مكة المكرمة، إلى ممارسة أعماله الميدانية والإدارية على حد سواء.

بمعطفه الأصفر، كان الجداوي يحرص كل الحرص على تغطية رتبته أثناء المشاركة في مباشرة أية حادثة مهمة وحيوية تشهدها منطقة رئيسية كحريق مجمع براعم الوطن، وقبله ما عاشته جدة من سيول وأمطار، مرورا بحرائق المنطقة التاريخية في قلب عروس البحر الأحمر، متجاهلا تماما كل الوسائل المستخدمة في لفت الأنظار إليه.

عام 1979 كان بوابة دخول اللواء عبد الله الجداوي إلى عالم الدفاع المدني، وذلك حينما ابتعث مع مجموعة من زملائه على نفقة وزارة الداخلية للخارج بهدف دراسة تخصص السلامة الصناعية وعلوم مكافحة الحرائق كأول دفعة سعودية تدرس هذا التخصص لمدة أربع سنوات، وذلك بعد حصوله على الشهادة الثانوية فورا.

اختياره لهذا المجال الذي كان يعد نادرا قبل نحو 33 عاما، خوله للجلوس على مقعد مسؤول وحدة السلامة في المصانع التابعة للدفاع المدني في محافظة جدة برتبة ملازم، حيث أنجز خلالها تنظيم أمور السلامة وتصنيف المصانع بالمدينة الصناعية الواقعة جنوب المدينة، ومن ثم أصبح رئيسا لهذا القسم على مدى عامين كاملين.

وبعد ذلك انتقل برتبة نقيب إلى منصب مدير شعبة السلامة في محافظة جدة، ليكون بذلك أصغر رتبة تتولى إدارة تلك الشعبة، إذ استمر عمله بها قرابة أربع سنوات قبل أن يتولى المنصب نفسه على مستوى منطقة مكة المكرمة، ومن ثم عمل مديرا لإدارة السلامة والإطفاء والإنقاذ بالمنطقة. وفي هذه الأثناء تمكن الجداوي من إعداد دراسة قائمة على المقارنة بين رجال الدفاع المدني في المملكة وأمثالهم بأميركا وبريطانيا والسويد، وذلك من خلال جولة قام بها لمدة شهرين ونصف الشهر من أجل المكوث في قواعد الدفاع المدني بتلك الدول، إذ أنجز محاور هذه الدراسة منذ لحظة تعيين رجل الإطفاء حتى تقاعده أو وفاته، والتي انتهى منها في غضون 10 أشهر.

وحينما تقلد رتبة مقدم، صدر قرار بتعيين اللواء الجداوي مديرا في إدارة شعبة العمليات بمحافظة جدة، التي قدم فيها الكثير من الخدمات خلال ست سنوات، ليصل بعد ذلك إلى منصب مدير إدارة الدفاع المدني في المحافظة، وذلك بالتزامن مع أحداث كارثة جدة في نسختها الأولى، ليتسلم مقاليد الإدارة في أوقات أقل ما يقال عنها أنها «عصيبة».

جملة من الدورات التأهيلية كان الجداوي مرشحا للالتحاق بها بناءً على قرار القيادات العليا في المديرية العامة للدفاع المدني، من بينها دورة تخصصية في أعمال التفتيش الصناعي بالدنمارك، إلى جانب أخرى تختص بالكشف في أسباب الحرائق العرضية والمتعمدة أجبرته على المكوث في مصر لمدة ستة أشهر باشر خلالها ما يزيد على 300 حادثة، وهو ما حصل من خلالها على شهادة الدبلوم بمسمى «خبير حرائق».

شفافيته ووضوحه وصراحته، أمور تميز بها اللواء عبد الله الجداوي لتخوله لأن يكون مصدرا مهمّا لوسائل الإعلام خلال كارثتي جدة الأولى والثانية، وذلك أثناء توليه منصب إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة، خصوصا أن قناعته تنص على «انكشاف» أعمال الدفاع المدني أمام الكل بحكم ارتباطها بالميدان، الأمر الذي جعله يحرص دوما على تسخير الانتقادات لمصلحة العمل والاستفادة منها، غير أنه كان يقابل النقد الشخصي بالتجاهل.

تصنيفه للصعوبات التي كان يواجهها في عمله لا تندرج ضمن مخاطرته بنفسه بين ألسنة النار أو حتى ضغط التنظيمات الإدارية، وإنما كانت تكمن في جوانب إنسانية لم تبرح مخيلته مطلقا، من ضمنها منظر امرأة متوفاة في حريق بمنزلها وهي منكفئة على وجهها بعد أن أكلتها النيران، إلا أنها كانت حينها تحاول رد الموت عن طفليها اللذين لقيا حتفهما في حضنها نتيجة الاختناق لا الاحتراق.

ولأنه كان دائم التخيل بأنه قد يتعرض لنفس المعاناة التي واجهت المتضررين في كارثتي جدة، حرص اللواء عبد الله الجداوي على التعامل معهم مباشرة في ما يتعلق بتنفيذ قرارات الدولة من تسكين وتعويض وتقديم إعاشات مع حفظ كرامتهم، ما جعله ملتصقا بشكل مباشر مع الجمهور في ذلك الوقت.

ردود أفعال الناس تجاه أعمال جهاز الدفاع المدني خلال فترة إدارته في جدة كانت عاملا مهمّا للجداوي يقيم عن طريقها أداءه ورجاله، حيث إن من الحوادث التي باشرها سقوط طفل في بئر ارتوازية بجدة يبلغ عمقها ستة أمتار ولا يزيد قطرها عن 40 سنتيمترا، إلا أنهم نجحوا في إخراج الطفل على قيد الحياة ليقابل أكثر من ثلاثة آلاف متجمهر عملهم بالتصفيق والإشادات.