سعوديات يختزلن حصاد الحقول بابتكار مساحات زراعية في البيوت

استخدام فن تحويل العلب المعدنية كحوامل للنباتات العطرية لتزيين مداخل المساكن

أمراة تبيع النباتات والشتلات داخل سوق الثلاثاء في أبها («الشرق الأوسط»)
TT

عملية تدوير يدوية، واستخدامات مختلفة من قبل سيدات عسير، طالت العلب المعدنية والبلاستيكية بعد إفراغ محتواها، لتصبح «أصص» لمزروعات صغيرة تصنف معظمها كزينة، ترص أمام مداخل وعلى نوافذ المنازل في صورة تعكس رؤية تليدة في توظيف جماليات البيئة الطبيعة الجبلية بأنساق جميلة.

عادة لم تندثر حتى يومنا هذا، تؤكد الطبيعة الحياتية بدعم جغرافي طبيعي لها تجسدت في عشق نساء مناطق جنوب السعودية لنشاط الزراعة، فاختصرن المساحات الشاسعة، ووفرن طاقة الحصاد في علب معدنية، اتخذت شكلا جماليا بعد حشوها بالتربة المناسبة وغرس نباتات عطرية تميزت بها عسير لتوظف كزينة جاذبة للعين والأنف.

عالية النهاري، الباحثة الاجتماعية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن نساء عسير ومناطق جنوب السعودية يعشقن الزراعة أبا عن جد، حيث إن تلك الممارسات الزراعية البسيطة تعكس حقيقة البيئة المناخية والجغرافية والطبيعية لأبناء المنطقة وتباهي بعض النساء، إن لم يكن أغلبهن، بتلك العادة الجميلة والتي تعد ركيزة أساسية كزينة منزلية تظهر مدى عمق ذائقة صاحبة المنزل.

وزادت النهاري: «ربما البعض يتعجب من فكرة استخدام تلك العلب المعدنية الفارغة عوضا عن أصيص الزرع المتعارف عليه إلا أنه وفي حقيقة الأمر تعد تلك العلب المعدنية شكل جمالي تراثي اعتادت على استخدامه النساء قديما، فالمرأة كانت منذ زمن بعيد تستغل كل ما تصادفه ويمكن تفريغه لحشوه بالتربة وغرس نباتاها فيه».

البردقوش، الحبق والنعناع والريحان وغيرها، من النباتات العطرية التي أسرت أفئدة نساء عسير وخاصة المناطق الجبلية، ومن هذا المنطلق قالت زينة الشهراني وهي ربة منزل: «نتبادل نحن المجتمع النسائي آخر الأفكار المتعلقة بالمزروعات وطريقة زراعتها وما يناسبها والمكان المميز لها من خلال الجلسات النسائية، كما أننا نتباهى بها كرمز للديكورات المنزلية لمنازل أبناء عسير، ورغم كل ذلك فإننا لم نتمكن من تبديل العلب المعدنية بأصيص بلاستيكي مخصص لنباتات حتى وإن حاولنا إلا أننا نعود للعلب المفرغة لاستغلالها».

وأضافت زينة: «بالنسبة للتربة فنحن نعتمد على التربة التي نجلبها إما من السودة أو الحبلة أو أي منطقة جبلية لم تكتمل بها معالم التطور العمراني كونها تربة خام صالحة للزراعة ونحافظ عليها قدر المستطاع وفي حال زاد حجم النبتة نضطر إلى تقسيمها في علب أخرى أو نقلها لعلبة أكبر حجما».

الريحان نبات جاذب شكلا ومضمونا، فزينته تؤكد أن تبادل الريحان في المنازل النسائية يزيد من فرص استغلاله لزرعته في المنزل، حيث يوضع وبحسب قول زينة داخل كوب من الماء حتى تصبح جذوره ظاهرة لينقل فيما بعد إلى التربة.

الريحان رفيق العزاء والأفراح، فنساء كثر يجلبونه معهن في زيارات العزاء لتوزيعه على الحضور، كما أنه يجلب في المناسبات السعيدة ليوزع أيضا على المدعوات، فبعض النساء يقمن بتوزيعه بنية الصدقة وكصورة من صور الضيافة التي اعتاد عليها المجتمع العسيري.

فوزية الجار الله (معلمة) تقول، إن للريحان استخدامات عدة فبعض النساء يضعنه مع ربطة الشعر فيما يسمى باللهجة الجنوبية «غراز» وبعضهن تضعه تحت وسادات النوم لتنتشر رائحته الزكية كمعطر لمفرش السرير والبعض الآخر يقدمنه كهدايا عند زيارة جارة أو قريبة أو صديقة.

النعناع والحبق نباتان يؤمنان السلامة ويعززان الثقة بالطريقة المستخدمة في ريه، وهذا عامل محفز للنساء اللاتي يزرعن تلك النباتات في منازلهن ويستخدمنه في صنع الشاي.

المهندس الزراعي مرعي العمري يقول إن الزراعة لا تقتصر في المنازل جنوب السعودية على تلك النباتات العطرية، فهناك نساء اتخذن من ساحات منازلهن مواقع لزراعة الخضراوات الورقية والطماطم ليعتمد عليه كمصدر غذائي مضمون وغير منقطع ولمواجهة الغلاء المعيشي في الوقت الحالي.

وأضاف: «جنوب السعودية منطقة زراعية بجميع المواصفات البيئية المناسبة ونساء هذه المنطقة استطعن استغلال تلك الميزة وتقليص نسبة الصرفيات وتوفير شكل جمالي للمنازل، سواء من خلال المساحات أو العلب المعدنية، فهن ربما كن أكثر نساء السعودية خبرة وإلماما بالمتطلبات الزراعية وقادرات على زراعة أشياء أخرى تؤمن لهن ولأسرهن قوت يومهن».