سادن الكعبة يتسلم اليوم كسوتها استعدادا لإلباسها يوم عرفة

20 مليون ريال تكلفتها السنوية و670 كيلوغراما من الحرير الخام يتم صباغته داخل مصنعها

صورة التقطت للحرم تظهر فيها الكعبة المعظمة مكسوة في المعمل الخاص بها الذي أنشأه الملك عبد العزيز
TT

يتم اليوم الأربعاء، الأول من ذي الحجة، تسليم كسوة الكعبة المشرفة من قبل الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي لكبير سدنة بيت الله الحرام، وسيقام مساء اليوم السابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) احتفال بهذه المناسبة في مقر مصنع كسوة الكعبة المشرفة بأم الجود، في حين يتم يوم الخميس التاسع من شهر ذي الحجة (يوم الوقوف بعرفة)، لحج هذا العام، تركيب الكسوة الجديدة على الكعبة المشرفة بدلا من الكسوة الحالية.

وأعادت مناسبة تسليم كسوة الكعبة لكبير السدنة، الحديث عن تاريخ كسوة الكعبة التي كانت تعد من فضائل ومفاخر العرب في مختلف العصور، حيث اهتم العرب منذ زمن بناء الكعبة المعظمة بكسوتها، بل إن العرب ترى ذلك من الواجبات والفضائل والمفاخر، وكان ذلك مباحا لكل من يريد أن يكسو الكعبة متى شاء ومن أي نوع شاء، وكانت الكسوة توضع على الكعبة فوق بعضها، فإذا ثقلت أو بليت أزيلت عنها.

مرت كسوة الكعبة بمراحل قبل الإسلام وبعده، وسجل التاريخ معلومات عن أشكال كسوة الكعبة، والقادة الذين أسهموا في كسوتها، ولعل أبرزها ما قام به الملك عبد العزيز من عمل لكسوة الكعبة في ظروف صعبة، بعد أن امتنعت الحكومة المصرية عن إرسال كسوة الكعبة المعتادة، ولم تشعر الحكومة السعودية بذلك إلا قبيل حج عام 1345هـ بتسعة أيام، فصدرت أوامر الملك المؤسس بعمل كسوة للكعبة في غاية السرعة، وتم ذلك، ولم يأت اليوم الموعود لكسوة الكعبة، وهو يوم النحر العاشر من ذي الحجة من عام 1345هـ، إلا والكعبة المعظمة لابسة تلك الكسوة التي عملت في بضعة أيام، إلى أن تم في عهد الملك المؤسس إنشاء معمل لكسوة الكعبة ثم تطويره حاليا.

وفي كتابه القيم عن «تاريخ الكعبة: عمارتها وكسوتها وسدنتها» الذي أنجزه الباحث والمؤلف الراحل حسين عبد الله باسلامة قبل 81 عاما وأهداه إلى الملك عبد العزيز، يوضح باسلامة أنه لما دخلت كسوة الكعبة المعظمة التي كانت تأتي من مصر في دور سياسي، بعد أن كانت من أعمال البر والإحسان وكان ينفق عليها من أوقاف خاصة بها، وأصبح مجيئها متعلقا بالسياسة، وخرجت عن كونها من أعمال البر التي يقصد بها وجه الله تعالى، إلى عمل يقصد به أمور سياسية، صدرت إرادة جلالة ملك المملكة العربية السعودية الإمام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل السعود، وذلك في مستهل شهر المحرم الحرام سنة 1346هـ لوزير المالية الشيخ عبد الله السليمان الحمدان بإنشاء دار خاصة لعمل كسوة الكعبة المعظمة، فقام وزير المالية الشيخ عبد الله السليمان بإنشاء تلك الدار (محارة أجياد) أمام دار وزارة المالية العمومية، فكانت مساحة الأرض التي أنشيت عليها تلك الدار نحو 1500 متر مربع، وأخذ العمال يعملون بغاية «السرعة»، فتمت عمارتها في نحو ستة أشهر من عام 1346هـ على دور واحد، وعلى حسب المقتضى لعمل الكسوة بغاية الإبداع والحسن، فكانت هذه الدار أول دار أسست خصيصا لحياكة كسوة الكعبة المعظمة بمكة المكرمة في عصر جلالة الملك عبد العزيز منذ كسيت الكعبة من العصر الجاهلي والإسلام إلى العصر الحاضر.

وقد أولى السعودون بعد الملك المؤسس عناة واهتماما بكسوة الكعبة ضمن اهتمامهم بأمور الحرمن الشرفن، وآل هذا الاهتمام إلى إنشاء مصنع خاص لكسوة الكعبة المشرفة جد حالا اهتماما ورعاة من قبل خادم الحرمن الشرفن الملك عبد الله بن عبد العزز. وقبل 17 عام،ا صدر أمر ملكي بنقل الإشراف على مصنع كسوة الكعبة من وزارة الحج إلى الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشرف، وساهم هذا الإجراء في تسهل أعمال المصنع وتوفر احتاجاته وتطور بعض خطوط الإنتاج، وشرف على المصنع حالا محمد بن عبد الكرم القوفلي. وتبلغ تكلفة كسوة الكعبة أكثر من 20 ملون وتستهلك نحو 670 كلوغراما من الحرر الخام الذي تتم صباغته داخل المصنع باللون الأسود، وبلغ عدد طاقات القماش المستخدمة فها 47 طاقة، وتم تأمن الحرر اللازم للكسوة من أعلى المستوات ومن كبرى الشركات المختصة، وتستغرق عملة تجهز الكسوة بالتزامن مع العمل الدوي والمكانكي في حدود عشرة أشهر، لكنها تتم في وقت مناسب وكاف قبل تسلمها. وتتغر كسوة الكعبة الخارجة كل عام، وتتكون من مواد خام منها الحرر والقطن وأسلاك الذهب والفضة، وتم تحول هذه المواد إلى منتج متكامل وملموس، في حن أن هناك كسوة داخلة للكعبة عكف المصنع على صنعها ونسجها، وتصنع من الحرر المصبوغ باللون الأخضر ومنقوش علها آات قرآنة تشابه النقش الموجود على الكسوة الخارجة، والكسوة الداخلة للكعبة المصنوعة من الحرر لا تتغر إلا عندما تدعو الحاجة إلى ذلك بعكس الكسوة الخارجة. وبلغ ارتفاع الثوب 14 مترا، ووجد في الثلث الأعلى منه الحزام الذي بلغ عرضة 95 سم وبطول 47 مترا والمكون من 16 قطعة محاطة بشكل مربع من زخارف إسلامة، كما توجد تحت الحزام آات قرآنة؛ كل منها مكتوب داخل إطار منفصل، ووجد في الفواصل التي بنها شكل قندل مكتوب عله «ا حي ا قوم، ا رحمن ا رحم، الحمد رب العالمين»، والحزام مطرز بتطرز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب وحط بالكعبة المشرفة بكاملها، وتشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة وطلق علها البرقع، وهي معمولة من الحرر بارتفاع 6 أمتار ونصف وبعرض 3 أمتار ونصف، مكتوب علها آات قرآنة ومزخرفة بزخارف إسلامة مطرزة تطرزا بارزا مغطى بأسلاك الفضة المطلة من الذهب. وتتكون الكسوة من خمس قطع تغطي كل قطعة وجها من أوجه الكعبة المشرفة، والقطعة الخامسة هي الستارة التي توضع على باب الكعبة وتم توصل هذه القطع بعضها مع بعض. وبخصوص سدانة الكعبة، ذكر باسلامة أن سدانة الكعبة المعظمة، أو سدانة بيت الله الحرام، مرت منذ تاريخها الطويل بمراحل وأحداث مهمة، وكانت بيد إسماعيل عليه السلام، ثم بعد وفاته صارت لولده ثابت بن إسماعيل إلى أن اغتصبها من ولده أخواله جرهم، ومكثت السدانة في جرهم عدة قرون إلى أن اغتصبها منهم خزاعة، ومكثت في خزاعة عدة قرون إلى أن آل أمر مكة والكعبة المشرفة إلى قصي بن كلاب بن مرة القرشي، وهو الجد الخامس للنبي صلى الله عليه وسلم، فاسترجعها من خزاعة بعد حرب دامية، ثم صارت من بعده في ولده الأكبر عبد الدار، ثم صارت في بني عبد الدار جاهلية وإسلاما، إلى أن آل أمر السدانة إلى شيبة بن عثمان بن طلحة، واسمه عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، ثم صار أمر السدانة في أولاد بني شيبة بن عثمان إلى العصر الحاضر، يتوارثونها كابرا عن كابر.

ويمكن القول: إن سدانة الكعبة تعني النظر في كل ما يتعلق بأمورها، ويتولى الشيبيون الذين ينتهي نسبهم إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة سدانة الكعبة في العصر الحاضر، وتحمل العائلة مفتاح الكعبة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم عندما أعطاه النبي لجدهم وقال لهم: «خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم». ولا يزال وجودهم من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي أخبر أمته بها، ولا يجرؤ أحد أن يدخل الكعبة إلا بإذنهم.