18 ألف سفينة عابرة للبحر الأحمر سنويا تشكل تهديدا مباشرا لبيئته النظيفة

أبو غرارة: لا دلالات على دفن نفايات أو مواد مشعة في البحر الأحمر أو خليج عدن

العديد من الجهات الحكومية والخاصة تحرص على أن يظل البحر وشطآنه نظيفة لفائدة الإنسان
TT

نفى الدكتور زياد بن حمزة أبو غرارة الأمين العام للهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن وجود أي دلالات أو تقارير علمية أو رسمية عن دفن أي نفايات أو مواد مشعة في البحر الأحمر أو خليج عدن، ودعا في حواره مع «الشرق الأوسط» الدول لاتخاذ إجراءات حاسمة لحماية البيئة البحرية من أخطار التلوث الناجم عن السفن، خصوصا مع الزيادة المطردة في حركة السفن، إذ يمر في البحر الأحمر حاليا أكثر من 18 ألف سفينة وناقلة في العام الواحد، لافتا في ذات الوقت إلى وجود أكثر من 1200 نوع من الأسماك في البحر الأحمر، تشكل الأنواع التجارية منها نحو 70 إلى 80 نوعا فقط، وهي التي تستهدفها أنشطة الصيد. فإلى نص الحوار.

* أشارت بعض وسائل الإعلام إلى تلوث كبير في البحر الأحمر وحدوث مد أحمر تنتج عنه مواد سامة فما مدى صحة هذه التقارير وما الذي قامت به هيئتكم للحد من هذا التلوث؟

- هناك مبالغة وتعميم فيما نشرته بعض وسائل الإعلام حيث إن البحر الأحمر لا يزال يعد من أنظف بحار العالم وذلك استنادا إلى نتائج الرصد المستمر الذي تنفذه الهيئة من خلال الدول الأعضاء في الإقليم والمسوحات الميدانية المستمرة لتقييم حالة الشعاب المرجانية وأشجار المانغروف على طول الشريط الساحلي إلا أن هناك بعض المواقع على الشريط الساحلي لبعض المدن الساحلية المتأثرة بتصريف مياه صرف صحي بشكل مستمر ومباشر في المنطقة الساحلية مما أدى إلى تلوث تلك المناطق إلا أنه يبقى التلوث محصورا في المناطق الساحلية المتأثرة ولا يمكن تعميم التلوث فيها ليشمل كامل الشريط الساحلي للمدن الساحلية أو على كامل الشريط الساحلي للبحر الأحمر الذي يبلغ طوله نحو خمسة آلاف كيلومتر منها آلاف الكيلومترات التي لا تزال على طبيعتها الأصلية بعيدة عن أي نشاط بشري أو عمراني بينما هناك بضعة كيلومترات فقط المتأثرة بالتلوث نتيجة أعمال تصريف للملوثات.

كما يؤيد عدد من التقارير الصادرة عن منظمات دولية متخصصة في تقييم البيئة العالمية نظافة البحر الأحمر ومنها تقارير الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية (GCRMN) حيث أشارت هذه التقارير إلى أن حالة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر تعتبر بحالة جيدة، كما سبق وأشارت في تقاريرها عن الأعوام 2000 و2002، 2004 و2008 إلى أن البحر الأحمر يعد من أفضل وأنظف بحار العالم، وقد تم تصنيف بيئة البحر الأحمر بأنها من أفضل البيئات البحرية في العالم والتي ما زالت محتفظة بنمو شعابها المرجانية بصورة جيدة.

أما فيما يخص ظاهرة المد الأحمر فلم يتم تسجيل دراسات معتمدة لتلك الظاهرة في البحر الأحمر، وما يوجد في البحر الأحمر هو عبارة عن ازدهار نوع من الطحالب الخضراء المزرقة (Cyanobacteria) والتي تنمو وتزدهر في بداية فصل الربيع من كل عام، وهذه الظاهرة غير مرتبطة بالتلوث إذ أنها توجد منذ مئات السنين وغالبا ما ترجع تسمية البحر الأحمر إلى تلك الظاهرة. أما ظاهرة المد الأحمر فهي عبارة عن ازدهار نوع من الطحالب السوطية السامة (Dinoflagellates) نتيجة وجود بعض الملوثات العضوية، وهذه الظاهرة لا توجد في البحر الأحمر كما أسلفت.

* ما الأدوار التي تقوم بها الهيئة في هذا الجانب؟

- تولي الهيئة مصادر التلوث البرية ومنها الصرف الصحي أهمية خاصة، حيث نفذت الهيئة عددا من ورش العمل الإقليمية حول تصميم وتشغيل محطات الصرف الصحي في المدن الساحلية وأعدت البروتوكول الخاص بحماية البيئة البحرية من مصادر التلوث البرية ومنها مياه الصرف الصحي والذي وقعت عليه جميع دول الإقليم في عام 2006. كما تم تشكيل فرق عمل وطنية في الدول الأعضاء بهدف حصر مصادر التلوث على البحر الأحمر وتقدير الأحمال من الملوثات والتعرف على الإجراءات الوطنية للتعامل مع الوضع القائم. وقد تم في هذا الإطار عقد سلسلة من ورش العمل الوطنية في دول الإقليم، وكان آخرها تلك التي عقدت في المملكة العربية السعودية وشارك فيها عدد من الجهات المعنية بمصادر التلوث على المستوى الوطني، حيث تبين من خلال الورشة أن هناك عملا جادا لإيقاف جميع مصادر التلوث حيث يجري استكمال شبكة الصرف الصحي وقد تم بالفعل الانتهاء من إنشاء محطة معالجة بسعة عالية وبنظام معالجة متطور شمال مدينة جدة وأن قفل المصادر هي مسألة وقت.

* وماذا عن المناطق المتأثرة بالصرف الصحي على الشريط الساحلي بعد إيقاف مصادر التلوث والحاجة إلى إعادة تأهيلها للعودة بها إلى طبيعتها؟

- يتميز البحر الأحمر بصفات جغرافية وفيزيائية وجيومورفلوجية وكيميائية فريدة تمكنه إذا ما أضيفت إلى صفاته البيولوجية من أن يشكل نظاما بيئيا متميزا ومتمتعا بالكثير من الخصائص التي تساعد في تجدده وقدرته على التعامل مع المؤثرات الخارجية. فهو يمتد جغرافيا بين الكثير من خطوط العرض مما يوجد تنوعا طبيعيا في المناخ بين شمال البحر الأحمر وجنوبه، لكنه يتعرض في مجمله لمعدل إشعاعي شمسي مرتفع على مدار العام. كما أن التيارات السطحية في البحر الأحمر ليست قوية لكنها تشكل حلقات متعاقبة متغيرة الاتجاه تساعد على توزيع المياه السطحية وما فيها من مواد ذائبة أو عالقة على مساحة كبيرة محققة عوامل خلط مرتفعة. وإذا ما أضيف ذلك إلى الخلط العمودي الذي يحصل نتيجة لتغير كثافة عمود الماء ما بين الصيف والشتاء فإن معامل الخلط يتضاعف بشكل لوغرثمي.

كما أن خليج العقبة يختلط اختلاطا كاملا في الشتاء إلى أعماق تزيد عن ألف متر وتدخل مياهه المتجانسة هذه لتشكل الجسم الأساسي من كتلة المياه العميقة في البحر الأحمر. أما من حيث التركيب المورفولوجي فالبحر الأحمر يتمتع بعمق كبير مقارنة بعرضه مما يجعل انحداراته سحيقة ومياهه الساحلية على مقربة من أوسطه مما يساعد على تجددها. ومن حيث الكيمياء فالبحر الأحمر يمتاز بملوحة مرتفعة مقارنة بمعظم البحار والمحيطات الأخرى وبانخفاض تركيز الأملاح الغذائية في مياهه إلى قيم تشبه تلك الموجودة في مياه أعالي المحيطات.

* ماذا عن التأثيرات المستقبلية لتلك المياه؟

- بينت الكثير من الدراسات ونتائج برامج الرصد في دول الأقاليم أن معظم المياه الساحلية في البحر الحمر تحتفظ بصفاتها الأساسية رغم تأثر بعض المناطق بالأنشطة البشرية التي أثبتت الدراسات أن آثارها تبقى محصورة في إطار ضيق. بل إنها يمكن أن تزول خلال فترة قصيرة نسبيا بعد زوال المؤثر. وقد أجريت مثل هذه الدراسات على أماكن تعرضت لإلقاء مياه صرف غير معالجة فيها لعدة سنوات ثم تم إيقافها بعد بناء محطات معالجة مناسبة. وكذلك على أماكن وجدت فيها مزارع سمكية على شكل أقفاص عائمة لعدة سنوات ثم تمت إزالتها.

أما العضويات الميكروبية فمن الصعب أن تعيش في ظروف الملوحة العالية والإشعاع الشمسي المرتفع الذي يتلقاه البحر الأحمر. لذلك فهي لا يمكن أن تسجل إلا في أماكن محدودة جدا. وهذا ما تبينه بشكل مستمر برامج الرصد المنتظمة في دول الإقليم. لا سيما مصر التي تنشر نتائج برنامج رصد مياه البحر فيها على الموقع الإلكتروني لجهاز شؤون البيئة والأردن التي يمكن الحصول على نتائج برنامج رصد المياه الساحلية فيها من خلال الاتصال بسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. وتوجد كذلك الكثير من الدراسات التي تنفذ بإشراف الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في المملكة العربية السعودية. كما تتوفر أيضا نتائج لبرامج رصد في السودان وجيبوتي.

* وماذا عن دفن نفايات مواد مشعة في البحر الأحمر أو خليج عدن؟

- لا توجد أي دلالات أو تقارير علمية أو رسمية تفيد بروايات دفن نفايات في جنوب البحر الأحمر، والهيئة تتابع التقارير الدولية التي تصدرها الإدارات المختصة في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة مثل المنظمة البحرية الدولية (IMO) والوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) الخاصة بحصر حالات رمي النفايات الخطرة أو النفايات المشعة على مستوى بحار العالم ولم تتضمن هذه التقارير والتي صدرت مؤخرا أي رصد لعمليات رمي أو دفن أي نوع من النفايات في خليج عدن أو البحر الأحمر.

* ما هي أهم التحديات التي تواجه بيئة البحر الأحمر؟

- رغم أن البحر الأحمر لا يزال يحتفظ بقدر كبير من نظافته حيث يعتبر واحدا من أنظف بحار العالم حيث لا يزال هناك آلاف الكيلومترات من السواحل العذراء على الجانبين الشرقي والغربي، إلا أن هناك زيادة ملحوظة في الضغوط على بيئة البحر الأحمر في السنوات الأخيرة، مما يتطلب تعزيز جهود المحافظة والتقليل من هذه الضغوط والتي من أهمها الصيد المفرط أو غير المشروع للموارد البحرية واستنزاف للمخزون السمكي، وإلقاء المخلفات وعلى وجه الخصوص مياه الصرف الصحي غير المعالج أو المعالج جزئيا في البيئة البحرية ومخلفات السفن من مياه عادمة ومياه ملوثة بالزيت ورمي الحيوانات النافقة والبضائع التالفة من على ظهر السفن إلى البحر مباشرة أثناء الإبحار.

كما أن الزيادة المطردة في كثافة حركة السفن التي تحمل مواد كيميائية سامة أو خطرة أو نفطا تزيد من خطر حوادث انسكاب هذه المواد في البيئة البحرية للبحر الأحمر والذي يعد ممرا هاما للملاحة الدولية تشهد فيه حركة السفن زيادة مطردة حيث يمر فيه حاليا أكثر من 18 ألف سفينة وناقلة في العام الواحد، مما يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية بيئته البحرية من أخطار التلوث الناجم عن السفن.. وتعتبر الكائنات الحية الدخيلة التي قد تصل إلى بيئتنا البحرية من خلال تفريغ مياه التوازن من أهم التحديات نظرا للتأثيرات البيئية والاقتصادية الكبيرة التي تحدثها هذه الكائنات، إذا ما علمنا أن أكثر من 700 ألف نوع يعبر محيطات العالم كل عام. حيث يفتقر الإقليم إلى توفر مرافق كافية لاستقبال مياه التوازن من السفن العابرة التي تحتوي على مثل هذه الكائنات.

ويبقى عدم توفر أعداد كافية من الكوادر المتخصصة في مجالات حماية البيئة واحدا من أهم المعوقات في جهود المحافظة على البيئة البحرية وتعزيز نهج التنمية المستدامة في الإقليم. وهناك حاجة ماسة لتعزيز البحث العلمي في البحر الأحمر نظرا لعدم توفر المعلومات الكافية والتي تعتبر الركيزة الأساسية لوضع السياسات والخطط والبرامج البيئية المستندة على أساس علمي ومعرفي.

* أشرتم في لقاءات سابقة إلى ضرورة بذل المزيد من الجهد لترسيخ نهج التنمية المستدامة في الإقليم؟ فما هو المقصود بالتنمية المستدامة للبيئة البحرية؟ وكيف يمكن للدول تحقيق ذلك؟

- مفهوم التنمية المستدامة يعني تبني التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر من دون الإضرار أو التضحية بقدرة الأجيال القادمة في تلبية احتياجاتها وبمعنى آخر الاستفادة من الموارد البحرية دون الاستغلال المفرط لها أو الإخلال بالنظام البيئي للبيئة البحرية، بحيث يكون هناك توازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وسلامة النظام الإيكولوجي، والذي من شأنه عدم توريث الأجيال القادمة موارد بحرية مستنفدة أو بيئة بحرية ملوثة، وهذا هو المنهج الذي تسعى جميع دول الإقليم لتعزيزه.

أما كيفية تحقيق ذلك فيمكن من خلال تبني استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة تشارك في إعدادها جميع القطاعات التنموية ذات الصلة، وتشتمل الاستراتيجية على برامج وأنشطة تحقق قدرا من التكامل والانسجام بين القطاعات بعيدة عن التعارض والازدواجية وفي نفس الوقت تكفل استدامة الموارد البحرية وسلامتها.

* نسمع بين الفينة والأخرى عن يوم البحر الأحمر وخليج عدن، ما هي أهدافكم من هذا الاحتفال؟

- جاء احتفال الهيئة بيوم البحر الأحمر وخليج عدن، إيمانا منها بضرورة العمل من أجل تحقيق التنمية المستدامة التي تقوم على مبدأ الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية في الإقليم، فكما هو معلوم فإن البحر الأحمر وخليج عدن يعتبر موقعا استراتيجيا يربط بين بحار ومحيطات وقارات العالم. كما يتميز بنظم بيئية فريدة من نوعها لما تحويه من تنوع بيولوجي وأنواع نادرة من الحياة البحرية والشعاب المرجانية لا توجد في غيره من بحار العالم، إضافة إلى الثروات الجيولوجية والإرث الحضاري والثقافي.

ومن خلال فعاليات هذا الاحتفال تحرص الهيئة على التعريف بأهمية هذه الموارد ورفع الوعي المجتمعي بمدى أهميتها ولفت الانتباه إلى خطورة الضغوط التي تتعرض لها، والهيئة إذ تحتفل بهذا اليوم في السادس والعشرين من شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام فإنها تتطلع إلى مشاركة كافة شرائح المجتمع معها في الجهود التوعوية التي تقوم بها لحماية البيئة ورفع الوعي البيئي بمدى أهمية الحفاظ على مواردنا الطبيعية، خصوصا أن مسؤولية الحفاظ على البيئة وصيانتها لا يمكن أن تقتصر على الجهات الرسمية وحدها بل هي مسؤولية تضامنية يتشارك فيها الجميع.

* إلى أي مدى ترون أن الهيئة قد نجحت في تركيز المبادئ البيئية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن؟

- سعت الهيئة منذ بداياتها إلى تعزيز الجانب التشريعي والمؤسسي لجهود المحافظة على البيئة البحرية وعمدت إلى بناء قاعدة صلبة من الدراسات والأبحاث للموارد البحرية وتحديد أولويات التحديات على المستوى الإقليمي. وتم بناء على ذلك وضع خطط الحماية والبرامج التنفيذية للتعامل مع هذه الأولويات. وتعكف الهيئة حاليا على التنفيذ الفعلي لهذه الخطط والبرامج. فعملت الهيئة على بناء وتعزيز القدرات والكوادر المتخصصة في مختلف التخصصات التي تتطلبها مراحل التنفيذ. وتم تنفيذ عدد من مشاريع على أرض الواقع في الدول والكثير من المسوحات الميدانية على الأحياء البحرية والموارد الطبيعية لبيئة البحر الأحمر وخليج عدن. كما نفذت الهيئة برنامج مستدام للرصد وأصدرت أول تقرير حول الوضع البيئة في الإقليم.

وقد كان نتاج هذه الجهود الاهتمام والتفاعل المتزايد من الدول الأعضاء تجاه أنشطة الهيئة، والزيادة المطردة في الأنشطة والبرامج الخاصة بحماية البيئة البحرية التي تبنتها دول الإقليم على المستوى الوطني، والارتقاء الذي لمسناه في الجوانب التشريعية والمؤسسية لجهود الحماية في كافة دول الإقليم.

* هل هنالك قلق على المخزون السمكي في البحر الأحمر؟

- يوجد بالبحر الأحمر أكثر من 1200 نوع من الأسماك، وبالطبع هذه الأنواع ليست كلها تجارية، حيث تشكل الأنواع التجارية نحو 70 - 80 نوعا فقط وهي التي تستهدفها أنشطة الصيد، وبالتالي فنحن نتحدث في الأصح عن مخزونات لأنواع مختلفة حيث إن مخزون كل نوع يختلف عن الآخر من حيث طبيعته البيولوجية والإيكولوجية وتأثره بأنشطة الصيد.

وفي دراسة دولية حديثة (2009) شاركت فيها الهيئة تم تقييم الوضع البيئي في كل البحار الإقليمية في العالم، وأوضحت هذه الدراسة بأن نحو 30 - 40% من مخزونات أنواع الأسماك بالبحر الأحمر تعاني من الاستغلال المفرط أو الصيد الجائر، وقد يكون هذا الوضع أقل سوءا بالمقارنة مع البحار الإقليمية الأخرى في العالم، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت ضغوطا متزايدة على المخزون السمكي في الإقليم نتيجة لتزايد حركة الصيد وتزايد أعمال التوسع العمراني والأنشطة الاقتصادية والسياحية التي أقيمت على المناطق الساحلية في عدد من دول الإقليم، وأيضا الضغوط على أشجار المانغروف (الشورى) وتحويلها إلى مزارع للأسماك والروبيان، مما يتطلب بذل المزيد من الجهد لتحسين قدرات إدارة المصايد في الإقليم للتحكم في أنشطة الصيد والتخلص من كل مظاهر الاستغلال المفرط أو غير القانوني أو التأثير السلبي لأنشطة الصيد والضغوط البيئية الأخرى على المخزون السمكي.

* ماذا عملت الهيئة لمجابهة التأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية على الإقليم؟

- وضعت الهيئة استراتيجية إقليمية للتأقلم مع تأثيرات التغير المناخي وبدأت في تنفيذ البرنامج الخاص بتطبيق هذه الاستراتيجية منذ عامين، حيث تهدف بشكل رئيسي إلى بناء القدرات الفنية الخاصة بتقييم ورصد التأثيرات على البيئات الساحلية والبحرية، وتطوير وتنفيذ خطط وطنية للتكيف في المناطق الساحلية وبرامج خاصة بتنفيذها في دول الهيئة، وتأسيس نظام إقليمي للإنذار المبكر، وتقوية فعالية النظم البيئية من خلال تطبيق نهج التكيف المستند على النظام البيئي (EBA). وفي إطار تنفيذ هذا البرنامج قامت الهيئة بالكثير من الأنشطة شملت تنظيم عدد من الدورات التدريبية الإقليمية المتخصصة في مجالات تقييم حساسية البيئات الساحلية والبحرية لتأثيرات التغير المناخي ووسائل التأقلم معها. كما تم البدء بتنفيذ مشروعات نموذجية في بعض الدول (السودان، اليمن، جيبوتي) تشمل إجراء دراسات تفصيلية حول تقييم التأثيرات المحتملة للتغير المناخي وتأسيس خطط وبرامج وطنية للتأقلم واستقطاب دعم لتمويلها، ويجري حاليا التنسيق مع اللجنة الحكومية الدولية للمحيطات لتأسيس نظام إقليمي للإنذار المبكر فيما يتعلق بتأثيرات التغير المناخي على المناطق الساحلية في البحر الأحمر وخليج عدن.

* وماذا عن دور الهيئة في الاستعداد لحدوث تلوث بحري واسع النطاق لا قدر الله؟

- يعتبر هذا واحدا من أكثر المواضيع حساسية في مجال عمل الهيئة، ونظرا لأهميته الكبيرة فقد قامت الهيئة قبل عدة سنوات بإنشاء مركز متخصص لتنسيق الجهود بين الدول الأعضاء في هذا المجال، وهو «مركز المساعدات المتبادلة للطوارئ البحرية» (إيمارسغا EMARSGA). وتستضيف جمهورية مصر العربية هذا المركز بمدينة الغردقة – وهو يعمل حاليا بشكل مستقل عن «الهيئة» حيث له برامجه وأنشطته الخاصة، ومنذ افتتاحه يقوم المركز بدوره في تسهيل التعاون بين الدول الأعضاء لتمكينها من القيام بسرعة وفعالية بالتصدي لحالات التلوث النفطي أو الكيميائي، ودعم القدرات والتدريب المستمر على أحدث التقنيات في مجال مكافحة حوادث التلوث. إضافة إلى مساعدة دول الإقليم في إعداد خطط طوارئ لمواجهة حالات التلوث البحري حيث تقوم الهيئة حاليا بدعم الجهود الوطنية لإنشاء مراكز للطوارئ البحرية في كل من جمهورية السودان وجمهورية جيبوتي.

كما نجحت الهيئة ودول الإقليم في تبني بروتوكول إقليمي لنقل الأجهزة والمعدات والمواد عبر الحدود في حالات الطوارئ البحرية والذي وقعت عليه الدول الأعضاء في العام الماضي.

* ما هي تطلعاتكم من دول الإقليم للمحافظة على البحر الأحمر؟

- تبدي دول الإقليم تفاعلا ممتازا مع الهيئة وتساند الجهود التي تبذلها الهيئة، ونحن نتطلع إلى بذل المزيد من الجهد للمحافظة على بيئة البحر الأحمر الذي لا يزال يعتبر من أجمل وأنظف بحار العالم، إلا أنه في نفس الوقت تتزايد الضغوط عليه مما يتطلب تكاتف الجهود والعمل الجاد للتقليل من هذه الضغوط، ومن بين الإجراءات التي يمكن تبنيها: تفعيل منع أساليب الصيد المفرط أو غير المشروع مثل استخدام بنادق الصيد تحت الماء نظرا لما يحدثه من تدمير للشعاب والأحياء البحرية، والعمل على إيقاف تصريف مياه الصرف الصحي والصرف الصناعي غير المعالجة في البيئة البحرية وتبني برامج مستدامة للاستفادة منها وإعادة استخدامها في الأغراض المناسبة. كذلك حماية الأنواع التي تعاني من الصيد الجائر مثل اسماك القرش وخيار البحر والتي تشهد استنزاف كبير مما قد يترتب عليه اختلال في النظام الإيكولوجي للبيئة البحرية في الإقليم. كما ينبغي التوسع في إعلان المحميات البحرية وتفعيل إدارتها كمناطق محمية، إضافة إلى تطبيق نهج التقييم البيئي للمشاريع والأنشطة السياحية والتنموية التي تقام في المناطق الساحلية، والتطبيق الفعلي نهج رقابة دولة الميناء في الموانئ وفق المعايير الدولية لحماية حركة الملاحة البحرية وصحة البيئة والإنسان.

* ما مدى تفاعل دول الإقليم والمنظمات الدولية مع جهود الهيئة؟

- يعكس التعاون القائم والتنسيق المستمر بين الدول، مدى ترابط هذه الدول ووحدة هدفها وشعورها بالمسؤولية المشتركة تجاه البيئة البحرية والأهمية الاقتصادية والاجتماعية والحضارية للبحر الأحمر. وأبدت جميع دول الإقليم دعمها ومساندتها لجهود الهيئة إيمانا بدورها المحوري في المحافظة على بيئتنا البحرية وتعزيز مفهوم التنمية المستدامة على المستوى الإقليمي. أما دولة المقر المملكة العربية السعودية فتعتبر الداعم والراعي الأكبر لجهود الهيئة منذ إنشائها ولها السبق في التوقيع والمصادقة على الاتفاقيات والبروتوكولات المقترحة من الهيئة للمحافظة على بيئتنا البحرية إضافة إلى ما تقدمه من التسهيلات والذي كان وراء النجاح الكبير الذي تحقق والمكانة التي باتت تحتلها الهيئة بين مثيلاتها. كما أن الدعم الذي تقدمة جمهورية مصر العربية لمركز المساعدات المتبادلة في الطوارئ البحرية والذي تستضيفه في مدينة الغردقة مكن المركز من أداء مهامه الإقليمية في تنسيق جهود المكافحة والتصدي للطوارئ البحرية بكفاءة وفاعلية.

كما تحظى الهيئة بدعم وثقة الكثير من المنظمات والهيئات الدولية منها المنظمة البحرية الدولية (IMO) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) والبنك الدولي (WB) وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO) والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (ISESCO) واللجنة الدولية للمحيطات (IOC) ويجري حاليا تنفيذ الكثير من الأنشطة المشتركة معهم وفق مذكرات تفاهم للتعاون الفني.