الـ«قيس».. حفلات تنكرية «مكاوية» تحييها النساء بضرب الدفوف في الشوارع

عادة اندثرت منذ ربع قرن بسبب ازدياد الكثافة السكانية

TT

قيس بن الملوح، لم يحقق نجوميته على مستوى الأدب الجاهلي أو عالم العشق فقط، وإنما تحول إلى عادة «حجازية» قديمة، توارثتها الأجيال على مدار نحو 100 عام خلال موسم الحج، وذلك في احتفالات أشبه ما تكون بـ«الحفلات التنكرية» التي كنا نعتقد أنها «بدعة» من دول الغرب.

الـ«قيس»، احتفالية اشتهرت بها منطقة الحجاز، وبالأخص مكة المكرمة، تتمثل في خروج النساء على مدار أربعة أيام إلى شوارع أزقتهن بعد أن خلت من الرجال، كونهم يخرجون جميعا إما لأداء فريضة الحج أو العمل في المشاعر المقدسة. ويقول العم علي أحمد، أحد أعيان مكة المكرمة، لـ«الشرق الأوسط»: «كانت النساء يخرجن في التاسع من ذي الحجة إلى الحرم المكي لأداء فريضتي العصر والمغرب ومن ثم يعدن إلى منازلهن محملات بالمكسرات التي تسمى بـ(النقل)، إلى جانب الأكلات المتعارف عليها في الحج والمتضمنة المعمول والغريبة، فضلا عن شرائهن للألعاب وتقديمها لأبنائهن الصغار».

وأرجع العم علي سبب ارتباط المعمول والغريبة بعيد الأضحى المبارك إلى أنه في السابق كانت جميع المحال التجارية تغلق أبوابها طيلة أيام الحج، وهو ما يدفع بالعائلات إلى خبز المعمول بالتمر والغريبة بالدقيق والسكر والاحتفاظ بها، كونها لا تفقد قيمتها الغذائية مع الوقت.

ويضيف: «بعد أن تصل النساء إلى منازلهن يصلين العشاء، ويخرجن للشارع بالدفوف لتبدأ احتفالات الـ(قيس). وحتى إن كان هناك رجال في الحي، فإنهم يلزمون منازلهم ولا يحاولون الخروج مطلقا كي لا يكونوا عرضة للضرب منهن»، مبينا أن أيام الاحتفال من يوم الوقوف بعرفات وحتى يوم الثاني عشر الذي يسمى «الخليف». ولفت إلى أن احتفالات الـ«قيس» تستمر من بعد صلاة العشاء حتى الفجر، وتتمثل في ارتداء النساء ملابس تنكرية وتأدية رقصات مختلفة على الدفوف، في حين يتم تجسيد شخصية الـ«قيس» من خلال ارتداء زي الرجل السعودي «الثوب والغترة»، وترديد الأهازيج الخاصة به والمتضمنة «يا قيس يا قيس، يا لحية التيس، الناس حجوا، وإنت هنا ليش».

واستطرد العم علي قائلا: «يتم تجسيد شخصية فتاة تقف بجانب الـ(قيس) وهي معشوقته ليلى، حيث إن هذا الاحتفال يتناول بظرافة سبب عدم ذهاب قيس إلى الحج على خلفية رغبته في البقاء مع حبيبته»، موضحا أن النساء أيضا يرتدين مجسم خيل قيس، إضافة إلى الغزالة الخشبية الدالة على البنت الحجازية الجميلة والرقص فيها ضمن لوحات فكاهية.

نساء مكة المكرمة في السابق كن يحين احتفاليات الـ«قيس» في الأزقة بالتناوب، وهو ما كان يخلق في ما بينهن زيارات متبادلة تزيد من أواصر العلاقات الإنسانية، غير أن تلك العادة انقرضت مع زيادة الكثافة السكانية واستحالة خلو المدينة خلال أيام الحج، وذلك في السنوات الـ23 الأخيرة.

وهنا، يعلق العم علي أحمد بالقول: «كانت الحياة بسيطة جدا في السابق، حيث إن الرجال كانوا ينتظرون موسم الحج لمزاولة الكثير من المهن التي تعود عليهم بالرزق، من ضمنها بيع المأكولات والسقيا من ماء وقهوة وشاي للحجاج في المشاعر المقدسة».

وأفاد بأنه كان في فترة شبابه يعمل على تبريد الماء في الجرار، وبعد ذلك باستخدام الثلج، وبيعها للحجاج بمشعر منى، مضيفا: «كنت أخرج إلى المشاعر المقدسة من خامس أيام ذي الحجة ولا أعود إلا في الـ13 من الشهر نفسه».

وفي ما يتعلق بدور النساء في استقبال الحجيج بعد ملازمتهن لمنازلهن اعتبارا من اليوم الـ13 من أيام الحج، أبان العم علي أنهن لا يخرجن مطلقا، خصوصا أنه في السابق لم يكن هناك من يتعجل في رمي الجمرات وإنما يستكملون كل الأيام الثلاثة، وهو ما يتيح لهن فرصة احتفالاتهن بمنتهى الأريحية خلال هذه الأيام. ولكنه استدرك قائلا: «عند عودة الحجاج إلى مكة المكرمة، يستقبلهم المتسولون من نساء ورجال وأطفال، مرددين عليهم (يا حاج قبول، يا حاج إن شاء الله تزور)، وهي كناية عن طلب الصدقة منهم». من جهتها، ذكرت عبير خلوفة، إحدى الساكنات بمكة المكرمة، أنها ما زالت تتذكر احتفالات الـ«قيس» التي كانت والدتها تحرص على إقامتها كل عام، وتقول خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «آخر احتفالية كانت قبل ما يقارب 20 عاما من الآن، حيث أكن لم أتجاوز وقتها الخامسة من عمري».

ولفتت عبير إلى أن احتفالات الـ«قيس» كانت تشهد تقديم المكسرات والمعمول والغريبة، إلى جانب طهي الأرز وأنواع مختلفة من الإيدامات المحتوية على اللحم، باعتبار أن عيد الأضحى المبارك مرتبط بشكل مباشر بالأضاحي.