يوم الوقفة.. استدعاء روحانية رمضان ومزجها بشعيرة الحج

عرفة.. اليوم الموصوف بـ«عين أيام الدنيا»

تعج الشوارع بالناس قبيل أذان مغرب يوم عرفة ضمن مشهد يشبه اليوميات الرمضانية («الشرق الأوسط»)
TT

روحانيات رمضانية ممزوجة بعظمة شعيرة الحج تطغى على يوم عرفة الذي يحيي فيه معظم المسلمين سنة الصيام، حيث تتشابه موائد الإفطار فيه بتلك التي يعدّونها طيلة شهر رمضان المبارك، إلى جانب حرصهم على الاجتماعات العائلية والإفطار سويّا دون أن ينسوا من دعائهم ملايين قدموا من كل فج عميق لتأدية مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام.

مشاهد كثيرة اعتاد الناس على رؤيتها خلال شهر رمضان، تتجلى بوضوح في هذا اليوم، سواء كانت داخل المنازل أو خارجها من حيث التحضير لموائد الإفطار واستقبال الأهل والأقارب، غير أن ما يزيد من عظمة يوم عرفة هو متابعة وقوف الحجاج فيه وحتى نفرتهم إلى مزدلفة، لتختلط حينها مشاعر الفرحة بإفطارهم كصائمين وانتهاء الحجيج من ذلك اليوم بسلام.

وتؤكد السيدة أم تالا، أنها تحرص في كل عام على الاستيقاظ من العاشرة صباحا للاستمتاع بمشاهدة الحجيج في مشعر عرفات طيلة اليوم، دون إغفال الصلاة والاستغفار، لافتة إلى أنها تهتم كثيرا بسماع صوت تلبية حجاج بيت الله الحرام.

وتقول أم تالا في حديث لـ«الشرق الأوسط» «حتى أبنائي يشعرون بالتشابه الكبير بين صيام عرفة وأيام رمضان المباركة، خصوصا أننا نخرج من شهر الصوم بشيء من الحزن كوننا نفتقد روحانية ذلك الشهر الفضيل، الأمر الذي يجعلنا نعيش يوم عرفة بالروحانية نفسها مع عظمة أكبر تتجلى في سماع أصوات الحجيج ترتفع بالتلبية».

وتشير إلى أن الغريب في كل عام هو أنها تتمنى دوما اللحاق بركب الحجاج في السنة المقبلة، لتذرف دموعها عند رؤية فرحة الحجيج مرسومة على وجوههم بعد أن تيسّرت لهم تأدية تلك الفريضة، مبيّنة أن ذلك إحساس رائع كونه يجمع بين الصيام والحج في وقت واحد.

وتضيف «أجمل اللحظات في صيام يوم عرفة هو وقت الإفطار باعتبارها تواكب لحظة نفرة الحجيج من عرفات، وهو ما يجعلني لا أتمالك نفسي من البكاء حينها خصوصا أن فرحة الحجاج تبدو واضحة، إضافة إلى اختلاط الدعاء بما أريده لنفسي وعائلتي وما أرغب فيه لهذه الحشود». وفيما يتعلق بعادة إفطار يوم عرفة، تفيد أم تالا بأن المائدة لا تختلف مطلقا عن موائد رمضان بما تحويه من مأكولات، فضلا عن الاجتماع في منزل والدها ومن ثم العودة إلى منزلها والنوم مبكّرا استعدادا لصلاة العيد. في حين يرى محمد العمّاري أن يوم عرفة يشبه إلى حد كبير آخر أيام رمضان المبارك، باعتباره يجمع بين الصيام خلال النهار والتجهيز لأول أيام عيد الأضحى في المساء، موضحا أن مشاهد امتلاء الشوارع بالناس الراغبين في شراء حاجيات الإفطار شبيهة جدا بيومياتهم الرمضانية.

وقال العمّاري لـ«الشرق الأوسط» إن «إفطار يوم عرفة بالنسبة لعائلتي يختلف عن أيام رمضان في كونه عادة ما يكون خارج المنزل، إذ نجتمع جميعا في مكان بعيد عن منازلنا لتناول الطعام، وهو ما جرت عليه العادة حتى بالنسبة لبقية جيراننا في الحي الذي نسكنه»، مشيرا إلى أن بعض الجيران يقومون بتبادل أطباق الطعام فيما بينهم أيضا قبل الإفطار.

وذكر أن الجميل في صيام يوم عرفة هو الشعور بالحج أيضا من خلال متابعة وقوف الحجاج والاستماع إلى خطبة الحج، ولكنه استدرك قائلا «لا أستطيع متابعة كامل وقفة الحجيج، ولا سيما أنني أخرج لقضاء احتياجات عائلتي وإنهاء ترتيبات الإفطار في الخارج».

وبعيدا عن أي شيء، تستشعر سارة خواجة عظمة صوم يوم عرفة من تعظيم الدين الإسلامي لهذا اليوم بصرف النظر عن تشابهه مع رمضان، ولا سيما أنه يعد من الأيام المعلومات التي قال عنها الله عز وجل في كتابه الكريم «ويذكروا اسم الله في أيام معلومات».

وتقول سارة خواجة في حديث لـ«الشرق الأوسط» «هو يوم أقسم الله عز وجل به لعظمته، ولا يوجد عمل أزكى عنده تعالى ولا أعظم أجرا من خير يتم عمله في يوم عرفة ولا حتى الجهاد في سبيل الله»، مبيّنة أن ذلك يحتم عليها صيامه كل عام.

وأفادت بأن يوم عرفة هو اليوم الذي أكمل الله عز وجل فيه الملّة وأتمّ به النعمة، إضافة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، مضيفة «حينما سئل عليه الصلاة والسلام عن صيام يوم عرفة قال إنه يكفّر السنة الماضية والسنة القابلة».

وأبانت بأن النبي صلى الله عليه وسلم عظّم الدعاء فيه، عدا عن أنه يكثر فيه العتق من النار ويباهي الله فيه بأهل عرفات أهل السماء، مستطردة «وصفه أهل العلم بأنه عين أيام الدنيا مثلما تعتبر ليلة القدر عين ليالي الدنيا».