مؤرخ سعودي يجمع سيرة منطقة نجران عبر التاريخ

آل حمد: عرفها اليونانيون بأنها مهد الإنسانية منذ العصر الحجري

صور لنقوش أثرية في نجران.. وفي الإطار الدكتورحسين عايض آل حمد
TT

جمع باحث سعودي في علم التاريخ والآثار أكثر من 100 مقال وقصيدة عن أبرز ما قيل عن نجران عبر التاريخ خلال 30 عاما من البحث في الكتب والمراجع.

وقال الدكتور حسين عايض آل حمد بأن نجران منطقة تاريخية تعاقبت عليها الحضارات منذ آلاف السنين، وقد أكسبها موقعها الاستراتيجي كواحدة من أهم محطات القوافل، شهره واسعة، فكتب عنها عدد من المستشرقين والفلاسفة أمثال استرابون وبطليموس وابن هشام والطبري والهمداني والمسعودي والأصطخري وياقوت الحموي والبكري والماوردي وينبور وهاليفي وفلبي وليبنز وخان بيك.

وأضاف آل حمد بالقول «من هنا بدأت فكرة جمع تلك المقالات والقصائد في كتاب، والذي يعتبر الأول من نوعه وبدأت عمليات البحث الشاقة في المراجع التاريخية لمعرفة ما قاله المستشرقين عنها».

وبين الدكتور حسين عايض آل حمد، أن «نجران ذات طابع جمالي وعبق تاريخي ظاهر للعيان، وخفي بعضه عن البيان، متواريا عبر الزمان والعمران، فبقدر ما نعرف عن نجران، وبقدر ما نتعرف عليه، يبقى سرها غامضا، إلا على القلة من أهل العلم المطلعين على دقائق التاريخ والعلوم، إنها من الأماكن الخالدة، التي تحوي كنوزا تبدو مستترة بقدر ما هي ظاهرة، وأسرارها تبدو غامضة بقدر ما هي بادية للعيان».

وأشار آل حمد إلى أن ما تحتويه نجران من نقوش ورسوم تكون في مجموعها متحفا طبيعيا وتاريخيا خالدا، يحكى تطورها منذ بدء حياة الإنسان الأول، وعبر العصور التاريخية، إذ تشير الدلائل الأثرية المكتشفة إلى أن منطقة نجران من أقدم الأماكن التي استوطنها الإنسان في الجزيرة العربية، وأنها عرفت أثناء العصر الحجري القديم والأوسط والأعلى والحديث، الذي يعتبر نقطة تحول مهمة في حياة الإنسان.

وبين المؤرخ السعودي أن جل المؤرخين والرحالة كتب عنها، وعن مكانتها الحضارية ابتداء باسترابون وبطليموس وابن هشام والطبري والهمداني والمسعودي والاصطخري وياقوت الحموي والبكري والماوردي وينبور وهاليفي وفلبي وليبنز وخان بيك وغيرهم.

وأوضح الدكتور حسين أن كلا من استرابون وبطليموس أشارا إلى أن نجران عرفت لدى اليونان والرومان بأنها من أقدم الأماكن التي وجد فيها الإنسان الأول في العصر الحجري، كما عرفت كإحدى الحواضر التي تمر بها القوافل التجارية من الشرق وجنوب الجزيرة العربية إلى إمبراطورتي فارس والروم.

وأكد آل حمد أن نجران تستند إلى تاريخها المجيد وتقاليدها العربية الأصيلة وتعتز بهذا الماضي وتتباهى به، فقد استطاعت بصمود أهلها أن تحافظ على استقلالها وأن تستمر في حكم نفسها وأن تتمكن من صد الغزوات التي شنت ضدها سواء من القوى العالمية القديمة كاليونان والرومان أو من القوى المجاورة لها، ولذلك فإنه في ماضيها الحديث كانت الدولة الأولى التي حكمتها هي الدولة السعودية دولة العزة والكرامة والعدل والمساواة التي حققت وحدة هي الأولى في العالم العربي.

وكان انضمام نجران نتيجة للصلات العميقة بين أهلها والدولة السعودية الأولى والثانية القائمة على المحافظة على العهد والميثاق، فامتزج الحب بالإخلاص والولاء لهذه الأسرة السعودية الكريمة، التي كانت ولا تزال مصدرا لفخر الأمة وتوحيدها والعمل على استقرارها وازدهارها.

وبدأ آل حمد في بحثه بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عن نجران، فقد روى عبد الله بن عباس أنه قال «القرى المحفوظة أربع مكة والمدينة وإيليا ونجران، وما من ليلة إلا وينزل على نجران سبعون ألف ملك يسلمون على أصحاب الأخدود ولا يرجعون إليها بعد هذا أبدا» فلو لم يكن لها إلا هذا لكفاها شرفا ومكانة.

ولكون نجران من أقدم الأماكن التي شهدت استقرارا بشريا منذ الإنسان الأول فقد لعبت دورا مهما عبر التاريخ من الناحية الاقتصادية والسياسية والدينية في التطور الحضاري تقام بها الأسواق وتفض فيها النزاعات والخصومات.

قال عنها ابن المجاور في تاريخ المستبصر «كانت سوق نجران من أقدم الأسواق وأكبرها» بل عدها البعض المعول عليها في البيع والشراء.

قال الشاعر الجاهلي إن كنتم قد غبتم وحضرنا ونزلنا أرضا بها الأسواق واضعا في سراة نجران رحلي ناعما غير أنني مشتاق وقال عنها ابن هشام في السيرة: لقد كانت نجران مستقلة بشؤونها يديرها ساداتها وأشرافها ذات نظام إداري وسياسي وروحي خاص بها.

وقال عنها ابن خلدون وأبو جعفر بن حبيب في «المحبر»: وكان حاكم نجران الذي تحاكم إليه أبناء جد العرب نزار بن معد بعد موت أبيهم هو الأفعى بن الحصين الجرهمي إذ كان قد أوصاهم إذا تنازعوا في إرثه بعد موته أن يذهبوا إلى كاهن وحاكم نجران ليحكم بينهم.

وقال عنها البيهقي: نجران كانت بلادا ذات أسواق مشهورة تقع شرق صنعاء وشمالها وتوالي الحجاز وفيها مدينتان.

وقال ابن خردذابه في كتابه «المسالك والممالك»: نجران من مخاليف مكة.

وقال عنها محمد العقيلي: نجران عرفها اليونان والرومان قبل الميلاد كسوق تجارية على طريق التوابل والعقيق والأصباغ من الهند والعربية السعيدة إلى الشام واليونان وتعود بعروض فارس ومنسوجات الشام ومنتجات اليونان وكان النجرانيون يتمتعون بجانب من الرفاهية والحضارة والترف المدني عند ذاك.

وقد كانت نجران من أبرز الأماكن الحضارية في العصر الجاهلي وقبل الإسلام فقد كانت مقصدا للكثير من الشعراء الذين عند وفودهم إليها يصفون مظاهرها الحضارية والثقافية ومباهجها الفاتنة.

ومن هؤلاء الشاعر الأعشى النجدي الذي قال عنها مخاطبا ناقته:

وكعبة نجران حتم عليك حتى تناخي بأبوابها نزور يزيد وعبد المسيح وقيسا هم خير أربابها وقال عنها يصف مكانة ساداتها مقارنا بهم ملوك زمانهم وأنهم كانوا في المقدمة منهم وقد طفت للمال آفاقه عمان وحمص وأورشليم أتيت النجاشي في أرضه وأرض النبيط وأرض العجم فنجران فالسرو من حمير فأي مرام له لم أرم وفي حاضرها الزاهر قال عنها الشاعر أحمد البدري أحد شعراء مصر البارزين عند زيارته لها: هل زرت نجران حيا الله نجرانا وجادها الغيث هطالا وهتانا ترى بها الحسن يبدو أينما وقعت عيناك والزهر نماما وفتانا وقال عنها الشاعر زاهر الألمعي مشيرا إلى عمقها التاريخي والحضاري والاجتماعي وحاضرها الزاهر الجميل ومناقب أهلها:

هب النسيم فهيا حي نجرانا وحي فيها المعالي حي شجعانا حي الربوع وعرج في مدارجها واهتف بعز لها قد دام أزمانا