التدقيق في وثائق تؤكد تجاهل مؤشرات الإنذار قبل وقوع الكارثة

«مكافحة الفساد» تداهم مقر شركة الغاز وترصد اختفاء العقد غير القانوني مع «السديس»

صور لشهداء من أفراد الدفاع المدني السعودي على إحدى الإطفائيات («الشرق الأوسط»)
TT

داهمت هيئة مكافحة الفساد مقر شركة الغاز والتصنيع الأهلية على شارع الضباب في الرياض صباح أمس، وباشرت التفتيش في ملفات الشركة التي عمدت إدارتها إلى إخفاء العقد المبرم مع شركة السديس لأسباب تتعلق بوجود عيوب قانونية في العقد، مما يشير إلى احتمال التورط في ممارسة الفساد الإداري.

وأكدت مصادر «الشرق الأوسط» بدء التدقيق في وجود مؤشرات تحذر من وقوع كارثة قبل حادثة الخميس الماضي، وأن إدارة الشركة تجاهلت هذه المؤشرات، ولم تتعامل معها بجدية، فضلا عن أن التقارير المستخلصة من ملفات تم تفتيشها داخل مقر الشركة أثبتت أن العقد المبرم بين «الغاز» و«السديس» لا يحمل توقيع أي من طرفي الاتفاق، مما جعل إدارة «الغاز» تتذرع بأن العقد موجود في مقر الطرف الثاني.

وأفصحت المصادر عن أن مدير عام شركة الغاز والتصنيع الأهلية غافل أعضاء فريق هيئة مكافحة الفساد ليوقع على العقد خلسة، ثم بعث به إلى الطرف الثاني، طالبا التعجيل بالتوقيع على نسختي الاتفاق وإعادة إحداهما إلى مقر «الغاز»، لكن المخول بالتوقيع عن الطرف الثاني اعتذر بالانشغال في مراسم عزاء، متعهدا بالتوقيع صباح اليوم.

وأمام هذا الموقف المحرج اضطرت إدارة «الغاز» إلى القول إن «العقد تم التوقيع عليه من قبل الطرفين قبل نحو شهر من الآن، لكنه موجود في خزائن الطرف الثاني، وسنحصل على نسخة تثبت سلامة الاتفاق إذا أمكنكم الانتظار إلى اليوم التالي».

وبحسب المصادر، أوضحت التقارير أن العقد الذي يحتوي على عيوب قانونية، يثبت في الوقت نفسه تقاعس إدارة «الغاز» في حفظ حقوق المساهمين نتيجة عدم وجود بنود يمكن الاستفادة منها في تحميل شركة «السديس» أي نسبة من تبعات حوادث نقل وقود الغاز.

واطلعت هيئة مكافحة الفساد على ملفات من داخل شركة «الغاز والتصنيع الأهلية» تفيد بأن الشركة تجاهلت مؤشرات الإنذار قبل وقوع الانفجار الخميس الماضي، مما يشير إلى أن التقاعس والإهمال أبرز مسببات كارثة الرياض.

وأفادت المصادر أن تحليل بعض الوثائق التي اطلعت عليها الهيئة يحمل شركة الغاز النسبة الكبرى من تبعات الكارثة على اعتبار أنها «تقاعست في معالجة الخلل الواضح في إدارة قطاع النقل الذي يتولى المسؤولية عنه موظف يعمل على مرتبة مساعد مدير عام مشكوك في كفاءته المهنية».

وذهبت إلى أن المسؤول الأول عن إدارة قطاع النقل في شركة الغاز سبق طي قيده من إدارة أصغر فروع الشركة بداعي تورطه في تجاوزات مالية وشخصية، قبل أن يعود للعمل في الشركة بعد معركة قضائية فرضت وجوده في الشركة من جديد.

وشددت المصادر على أن ملفات الشركة أثبتت حصول مجلس الإدارة على معلومات واضحة وصريحة لا تقبل الشك ولا الجدل بأن قطاع النقل يعاني من مشاكل كبرى، موضحة أن من بين هذه المشاكل «عدم أخذ السائقين وقت كاف للنوم، التسرب، الشعور بالإجحاف، وتكرار الشكوى والتذمر، الإرهاق الشديد نتيجة العمل المضاعف».

وذهبت المصادر إلى أن المشاكل الناتجة عن سوء إدارة قطاع النقل تشمل أيضا مآخذ على ناقلات الغاز، التي يمكن تحويلها إلى قنابل جاهزة لنسف منطقة سكنية كاملة نتيجة إسناد مهمة النقل إلى سائقين غير مدربين، وأن أغليهم لا تملك الشركة عن ماضي سيرتهم المهنية والشخصية أقل المعلومات الواجب توفرها».

وزادت المصادر أن الهيئة تثبتت أيضا من أن ناقلات الغاز تجوب البلاد بقيادة سائقين لا يحملون رخصة تأهيل، وأن الشركة لا تستطيع مراقبة خطوط سيرهم نتيجة التقاعس في اعتماد نظام تتبع المركبات عبر الأقمار، أسوة بالمعتمد من قبل شركة «أرامكو السعودية» في مراقبة ناقلات الوقود التي لا تحيد عن خطوط السير وبرنامج مسار كل ناقلة، المعتمد لها قبل التحرك إلى وجهتها النهائية.

وفيما أعلن الدفاع المدني وقوع حادث انفجار جديد أمس، أدى إلى انهيار جزئي لأحد مساكن حي الصحافة شمالي الرياض بسبب تسرب وقود الغاز، أثبتت الوثائق المستخلصة من ملفات شركة الغاز أن سنة 2012 سجلت أكبر نسبة حوادث في تاريخ الشركة التي قرر رئيس مجلس إدارتها عبد الله العلي النعيم التخلي عن منصبه في الثاني من الشهر المقبل.