«الدعابة المفرطة».. سهام شبابية جارحة خلفتها البطالة لقتل «الكرامة»

استهدفت المرأة السعودية والمشاهير وحتى الكوارث

الفراغ الذي يعاني منه كثير من الشباب السعودي كان سببا وراء انتشار الفكاهة بأساليب جارحة («الشرق الأوسط»)
TT

بات أمرا اعتياديا أن تطغى روح الفكاهة على تداول الحديث حول أي قضية يشهدها المجتمع السعودي بما فيها بعض الكوارث والأزمات التي قد تطرأ من حين لآخر، وهو ما أرجع سببه خبراء اجتماعيون إلى انتشار البطالة بين الشباب.

الدكتور مروان العبدلي الباحث الاجتماعي، يرى أن مثل تلك المخرجات الفكاهية قد تقلب النكتة إلى إهانة تستهدف بعض الشخصيات العامة ذات العلاقة بالقضايا، الأمر الذي يجعل من الدعابة تجريحا حقيقيا، مستشهدا على ذلك بما تعج به مواقع التواصل الاجتماعي التي اعتبرها «معززة» لهذا النوع من الفكاهة، إما بصور أو مقاطع مفبركة.

وقال العبدلي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «قد يعتبر البعض أن ذلك الأمر يعد إجحافا بحق الروح الفكاهية لدى الشعب السعودي، غير أن ما يتم تداوله من خلال برامج ومواقع التواصل الاجتماعي يؤكد الفكرة».

وأفاد بأن الفارق بسيط جدا فيما يتعلق بالتخفيف من حدة حدث مؤلم أو كارثة عن طريق تطعيمها ببعض التعليقات المضحكة، وبين تعمّد التقليل من شأن الشخصيات العامة ونعتها ببعض الصفات، إضافة إلى تقليدها «أحيانا» بشكل جارح، وهو ما يطلق عليه اسم «الدعابة المفرطة».

وأرجع الدكتور مروان العبدلي أسباب ظهور مثل هذا النوع من الدعابات، إلى البطالة التي تلعب دورا كبيرا في اتساع فوهة اختلاق النكات ونشرها، مضيفا: «أصبح هناك تنافس على المراتب الأولى من حيث إحداث بلبلة دعابية، دون الأخذ بعين الاعتبار مدى تأثيرها على الشخص المستهدف أو الحدث المعني».

ولكنه استدرك قائلا: «لا يمكننا إغفال دور الفراغ الناتج عن البطالة، حيث بات يترجم بواسطة تلك البرامج والمواقع الاجتماعية، خصوصا أن أوضاع الشباب في الوقت الحالي أدت إلى ظهور مخرجات غير مرضية تتضمن الدعابة المفرطة الجارحة».

في حين أوضح يوسف العواد، الذي تخرج في الجامعة قبل نحو خمس سنوات ولم ينجح في الحصول على وظيفة، أن الفراغ الذي يعانيه وأقرانه يكاد يكون السبب الوحيد لاندفاعه نحو التسمر أمام شاشات الجوال والكومبيوتر بهدف البحث عن جديد المشاهير وتصنيفهم ضمن أجندته اليومية.

ويقول العواد لـ«الشرق الأوسط»: «أقوم بكتابة تعليقات على هؤلاء المشاهير ونشرها عبر وسائل الاتصال الحديثة بشكل نكتة، كي يتم تبادلها بين العموم بعد أن أنهيها بتوقيعي الخاص».

ولا يرى يوسف العواد أن ما يقوم به «جارح» للشخص المقصود، وإنما يعتبره وسيلة قد تزيد من شعبية المشاهير، مستطردا: «ربما يتلقونها كما يتلقاها العامة بروح فكاهية، خاصة أنني أبتعد عن الدعابات الجارحة التي قد تؤثر سلبا في حياة وعلاقات المستهدف».

بينما تؤكد منى الدهام إحدى الموظفات، أن المرأة السعودية هي أكثر المتجرعين مما وصفته بـ«مر كأس» دعابة الشعب السعودي، في ظل استهدافها بكثير من التعليقات التي تقلل من أهمية مهامها الاجتماعية حتى أصبحت تلقّب برتب عسكرية من قبل الزوج، أو مسميات جارحة من أشقائها.

وقال منى الدهام خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «إن إيصال مثل تلك الرسائل المغلفة بالفكاهة وتحمل في باطنها تجريحا للمرأة السعودية، من شأنه أن يظهرها بصورة بشعة أمام نساء العالم العربي، وذلك عبر تقليد مبتذل أو وصف قادح»، مبينة أن الشباب يجهلون المعنى الحقيقي للنكتة والفكاهة، لا سيما أنهم يعتمدون على إهدار كرامة الفرد من أجل إضحاك الآخرين.