محاولات لتطبيق نظام الدفع الشهري تخفيفا من ضغط الأقساط على ذوي الدخل المحدود

وفق ضوابط تكفل حق المالك والمستأجر

90% من القضايا التي تتابعها لجنة تراحم لأشخاص يكون عجزهم عن «دفع الإيجار» على قمة أسباب سجنهم («الشرق الأوسط»)
TT

يعاني الشاب عبد الرحمن الأهدل سعودي الجنسية في العقد الثالث من عمره، هذه الأيام كما هي عادته السنوية من بداية كل عام، تأخره في دفع قيمة إيجار الشقة التي يسكنها منذ ثلاث سنوات، الأمر الذي يتسبب في خلق مشادات بشكل مستمر بينه وبين مالك العقار، ويجعله يتهرب من مقابلته فيعمد إلى بقائه في العمل حتى بعد انتهاء دوامه.

ولا يتجاوز راتب الأهدل ثلاثة آلاف ريال، إذ تتحمل الشركة التي يعمل بها 50% من قيمة الإيجار المقسم على دفعتين سنوية قيمة كل منها 12 ألف ريال، ويبقى عالقا بـ12 ألف ريال يحاول تحصيلها من راتبه بعد اقتطاع قرض السيارة التي يملكها من البنك، وسداد المستلزمات الأسرية لا سيما أنه يعيل زوجة وابنة.

ويكمن الحل من وجهة نظر الأهدل في أن يتحول دفع الإيجار إلى دفعات شهرية، وقال لـ«الشرق الأوسط» أستطيع إدارة دخلي المادي في مدة قصيرة بينما أعجز عن ذلك في الفترات الطويلة، مشيرا إلى التزامه بسداد قسط السيارة الشهري البسيط إذا ما تمت مقارنته بإيجار المسكن الذي يأتي صاحب العقار لتسلمه على دفعتين ولا يقبل تجزئته أكثر من ذلك بأي حال من الأحوال.

في حين يرى محمد الجهني مالك عقار وسط مدينة جدة، أن تحصيل الإيجار بشكل شهري غير مجد بالنسبة له، وقال لـ«الشرق الأوسط» تحصيل الديون أمر متعب بالنسبة لنا، خاصة أننا نُعاني من المماطلة والحجج التي يسوقها المستأجرون لتأخير دفع المستحقات المالية كل عام أو حتى كل ستة أشهر، متسائلا ماذا سيكون حالهم لو تم إقرار تحصيل هذه المستحقات بشكل شهري وقال: «أتوقع أننا سنتحمل الكثير من الخسائر كمستثمرين حال تم تبني قرار كهذا».

إلا أنه لا يمانع في الوقت ذاته من تبني وتفعيل قرار كهذا ولكن بعد أن يتم كفالة حقوقهم كمستثمرين وأصحاب عقار، عن طريق جهة حكومية محايدة يمكن استحداثها لتحصيل مستحقات المستثمرين المتأخرة من قبل المستأجرين.

من جهته أكد عبد الله الأحمري رئيس لجنة التثمين العقاري بالغرفة التجارية الصناعية بجدة أن الإيجار الشهري حال تم إقراره، فيه كثير من المرونة للمستأجر، خاصة أنه سيمنع تراكم الدين عليه وتأخير الدفع، لافتا إلى أن المستأجر حينما يُطلب منه إيجار ستة أشهر أو سنة، أيا كانت قيمتها ستكون ثقيلة عليه ولن يتمكن غالبا من دفعها، لأن راتبه في الواقع لا يكفي لهذا الغرض خاصة أصحاب الدخل المتدني والمحدود.

وبين الأحمري لـ«الشرق الأوسط» أن هناك توجه من قبل وزارة الإسكان، يقتضي بأن يتم دفع الإيجار بشكل شهري مع إبقاء العقود سنوية، مرجعا تخوف كثير من المستثمرين وأصحاب العقار من الإيجارات الشهرية التي يعتقدون أنها ستسمح بارتفاع نسبة الشواغر لديهم في حال تم الدفع بشكل شهري، إلا أنه لفت إلى أن التوجه يقتضي بأن يبقى العقد سنويا بينما يتم الدفع بشكل شهري.

وبين رئيس لجنة التثمين العقاري بالغرفة التجارية الصناعية بجدة أن المنظومة الوطنية لوزارة الإسكان والتي من المفترض أن تصدر مع بداية 2013 وفقا لتصريحات مسؤولي الوزارة، تشتمل على الكثير من التنظيمات التي تحكم العلاقة بين المالك والمستأجر سواء كان في تحصيل الإيجار وغيره.

وأكد الأحمري أنهم كعقاريين يتعاملون في السوق السعودية، أو كلجان بالغرف التجارية، دائما ما يبحثون عن آلية تخدم المواطنين بالدرجة الأولى، سواء كانوا مستأجرين أو مُؤَجِرين، والهدف من ذلك أن لا يكون هناك قضايا عالقة أو متراكمة على أثر هذه الأمور والمطالبات في المحاكم الشرعية أو الجهات التنفيذية من أجل تطبيق العقود بين الطرفين.

وأضاف: في حال كانت هناك آلية مرنة تهدف إلى أن يتمكن المستأجر من دفع قيمة الشاغر من الشهر الذي سكنه، مع مراعاة أن يوضح هذا الأمر بالعقد، كأن يسدد بواسطة سداد في البنوك التي يتعامل معها المستأجر أو المُؤجر، حتى يكون هناك ما يثبت وصول المبلغ أو القيمة الإيجارية لمالك العقار، فهذا الأمر فيه راحة للطرفين ولن يكون هناك مشاكل بينهما.

وفي الوقت ذاته طالب الأحمري بإيجاد نسبة محددة من قبل وزارة الإسكان أو الجهة المعنِية بحيث لا تسمح للمالك أن يقوم برفع قيمة الإيجار وفقا لمزجيته كما هو معمول به الآن، إذ لا يوجد أي نظام أو قانون يمنعه من ذلك، وقال «عادة ما يقوم صاحب العقار برفع قيمة المسكن دون وجه حق بشكل سنوي تقريبا ويضع النسبة التي يريد، والمستأجر يضطر إلى الاستجابة لطلبه لأنه ليس أمامه خيار آخر».

وأضاف: المباني مع مرور الوقت تحتاج إلى صيانة وترميم ولكن للأسف صاحب المبنى لا يقوم بتلك الأمور، ورغم ذلك يقوم برفع قيمة الإيجار على المستأجر، دون أن يسأل نفسه: مقابل ماذا يتم رفع الإيجار وهو لم يقدم لهم خدمات.

واستطرد الأحمري: أتمنى أن يكون ضمن اللائحة المرتقبة للأنظمة العقارية، قرارات أو شروط تتعلق أيضا بنسبة مُعَينة تفرض على المالك بحيث تمنعه من الزيادة غير المبررة والتي يفرضها على المستأجر.

وبين أن وزارة الإسكان أمامها الآن منظومة كبيرة ومهمات شائكة، خاصة أنه قد مضى على القرارات المتعلقة بالأنظمة العقارية عشرات السنين، الأمر الذي يؤكد حتمية تحديثها، وقال الأحمري «هناك قرارات لمجلس الوزراء مضى عليها أكثر من أربعين عاما، ولم تُحدث رغم تحديث العلاقة بين المالك للمستأجر».

كما طالب رئيس لجنة التثمين العقاري من الجهات التنفيذية عدم التسرع بتنفيذ أي طلب من قبل الملاك الذين يحاولوا إخراج المستأجرين من مساكنهم من أجل تأجيرها بمبالغ أكبر، إلا في حال امتنع المستأجر عن دفع القيمة الإيجارية أو تأخر فيها، ففي هذه الحالة من حقه أن يتقدم بشكواه ويطالبه بالخروج.

وأشار الأحمري إلى أن هناك الكثير من القضايا المتعلقة بالعقود والمطالبات، ومنها ما تم إنهائه ووضع حلول له، كما أن الكثير منها لا يزال عالقا في المحاكم، سواء ما يتعلق بالمطالبة بالإيجارات أو الإخلاء وفسخ العقود.

الأمر الذي أكده الدكتور سُهيل صوان المدير التنفيذي للجنة تراحم بمحافظة جدة خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» وبين أنهم في لجنة تراحم يستقبلون بشكل شبه يومي قضايا لأشخاص عاجزين عن السداد السنوي، ومنهم من هو مضطر لأن يخلي المنزل أو يبحث على شقة أرخص.

وبين صوان أن وجود قانون يُلزم صاحب العقار على تسلم الإيجار شهريا يعتبر حل مناسب، لافتا إلى أن أغلب القضايا التي يتابعونها في لجنة تراحم هي قضايا أيضا لأسر سجناء جميعها متعلقة بالإيجار السنوي أو النصف سنوي، مؤكدا أنه حال تم تقسيم هذه الدفعات على 12 شهرا ستحل هذه القضايا خاصة لدى أصحاب الدخل المحدود.

وأضف «ولكن عندما يكون الإيجار سنوي تكون قيمته كبيرة ومن الصعب أن يتوفر لدى المستأجر المبلغ المالي المستحق، الأمر الذي يسبب مشاكل لهذه الأسر، منها تجنب مواجهة صاحب العقار أو أن يضطروا إلى أن يقترضوا مبالغ من معارفهم أو ويطلبوا مساعدات من الناس أو الجمعيات الخيرية، ورغم ذلك أيضا يظلون عاجزين عن السداد عندما يحين موعد الدفعة الثانية لأنهم لم يسددوا الدفعة الأولى للأشخاص الذين اقترضوا منهم سابقا».

ولفت إلى أن ذلك الأمر يجعل المستأجرين العاجزين عن دفع قيمة الإيجار يلجأون إلى التحايل على أصحاب المسكن، فيقومون بالإخلاء ويستأجرون شقة أخرى ويكررون تلك الحيل دون أن يدفعوا، مبينا أنه عندما يصعب صاحب الملك الأمور على المستأجر يدفعه للتحايل، ولكن عندما يسهل الأمور فيكون بذلك يسعى إلى حل مساعدتهم وبالتالي يسلكون طريق الجريمة.

وقال «أعتقد أن التوجه نحو دفع الإيجار بشكل شهري بات أمرا ضروريا»، لا سيما أن 90% من القضايا التي نتابعها في لجنة تراحم هي لأشخاص موقوفين أو مسجونين لأسباب متعددة ويكون الإيجار على قمة هذه الأسباب.