قانونيون يحذرون من تنامي ظاهرة «صكوك الإعسار»

دفعت شركات متضررة لتقليص عملياتها تفاديا للإفلاس

ملاك شركات النقل قالوا إن شركاتهم تتعرض لهزات مالية بسبب ارتفاع معدل سرقة مركباتهم المحملة بالبضائع («الشرق الأوسط»)
TT

طالب قانونيون ومتضررون وزارة العدل في السعودية بتقليص إصدار صكوك الإعسار من المحاكم، خصوصا في قضايا الاختلاس والسرقة المثبتة في وقائع التحقيق، والصادر فيها أحكام قضائية بالسجن وإعادة الأموال المسروقة لجهات الادعاء، أفرادا وشركات.

وحذر اقتصادييون من خطر تنامي ظاهرة إصدار صكوك الإعسار للعاملين المتهمين في اختلاس أموال شركاتهم أو سرقة ممتلكاتها، على الاقتصاد السعودي، جراء عمليات التهرب من السداد أو إعادة تلك الأموال تحت ذريعة «الإعسار»، الأمر الذي ينعكس سلبا على الشركات في تعاملاتها المالية داخل الشركة ومع عملائها. وحصلت «الشرق الأوسط» على صكوك إعسار صادرة بحق متهمين من جنسيات آسيوية، أدينوا وفق التحقيقات والأحكام القضائية في سرقة شاحنات وما عليها من حمولة مختلفة الأصناف، تقدر قيمتها بأكثر من 400 ألف ريال للشاحنة الواحدة، وأخرى لعاملين في شركات متخصصة في النقل البري.

وتوضح هذه الصكوك اعتراف المتهمين بتحويل مبالغ مالية كبيرة لدولهم بعد عمليات السرقة لعدد من المؤسسات، وأنهم وفق الواقع الذي هم فيه على الأراضي السعودية، وبحسب عمليات البحث والتقصي لا يملكون تلك المبالغ التي تطالبهم بها الشركات أو المؤسسات المتضررة.

وهنا يقول الشيخ عبد الله العثيم، المفتش القضائي، لـ«الشرق الأوسط»، إن القاضي يعتمد عند إصدار «صك الإعسار» للسجناء في المحاكم السعودية على ثلاثة محاور أساسية، يأتي في مقدمتها التأكد من صدور حكم شرعي على المتهم، وأن لا تكون قضيته جنائية كالسرقة، الاختلاس وغيرهما من القضايا التي لا يثبت فيها حال الإعسار.

وأردف المفتش القضائي: «إن صك الإعسار يستلزم على القاضي التثبت من واقعة السجن على المتهم بسبب الدين، ومن ثم البحث والتنسيق مع كل الجهات المعنية، ومنها مؤسسة النقد، من خلال الرفع لها ومطالبتها بتزويد المحكمة بوضع المتهم المالي في البنوك والمصارف السعودية والعاملة في البلاد، وفي حال ثبوت عدم وجود حسابات للمتهم مع توافر الشهود يصدر صك الإعسار».

ويعمل في المملكة وفقا لآخر الإحصاءات أكثر من ستة ملايين يشكلون نسبة تبلغ نحو 89 في المائة من إجمالي القوى العاملة، ويعمل غالبيتهم في القطاع الخاص، في حين بلغت تحويلات العمالة الوافدة في السعودية السنوية نحو 100 مليار ريال خلال عام 2011، فيما يبلغ، بحسب وزارة التجارة، عدد المؤسسات والشركات القائمة في المملكة قرابة 6.889 ألف مؤسسة وشركة، يعمل بها نحو 700 ألف مواطن.

ويقول عدد من ملاك شركات النقل، طالبوا بعدم ذكر أسمائهم، لـ«الشرق الأوسط»، إن شركاتهم تتعرض لهزات مالية بسبب ارتفاع معدل سرقة مركباتهم المحملة بالبضائع، والتي يتم نقلها من مدينة لأخرى، وتم ضبط تلك العمالة والتحقيق معها واعترافها بسرقة الشاحنة وما عليها، وتحويل المبالغ المالية لدولهم، إلا أنهم حصلوا على صكوك إعسار.

وأشار ملاك تلك الشركات إلى أنهم في المقابل مطالبون من الشركات المالكة لتلك الشحنات بحسب الاتفاقيات بتعويضات مالية تصل إلى ملايين الريالات، وهي مبالغ لا يغطيها التأمين، مشيرين إلى أن هذه المبالغ وتزايدها قد تدفعهم للخروج من السوق وإشهار إفلاسهم.

وتشير الإحصاءات الصادرة من وزارة العدل إلى أن إجمالي عدد قضايا الإعسار المقدمة بطلب رسمي للعام الماضي 1433هـ تجاوزت ألف قضية، منها 677 تلقتها المحكمة العامة في منطقة الرياض، ونحو 198 قضية طلب إعسار في المحكمة العامة بالمدينة المنورة، فيما تلقت المحكمة العامة في منطقة مكة المكرمة 144 طلبا.

وفي هذا الصدد يقول إسماعيل الصيدلاني المستشار القانوني، إن دعاوى الإعسار كانت تسير سابقا وفق أوضاع وإجراءات تخضع للتقدير المحض للقاضي، في ظل نظام تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر القضائية ونظام تركيز مسؤوليات القضاء، إلا أنه وبعد صدور نظام المرافعات الشرعية نص على الإجراءات التي تتم في حال ادعاء الإعسار، وهذه الإجراءات قررتها المادة 230 من نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية.

وأضاف الصيدلاني أن الحاجة كانت ملحة لوضع نظام خاص بالتنفيذ، والذي صدر بموجب المرسوم الملكي رقم م-35 وتاريخ 13-8-1433هـ، لتنظيم إجراءات التنفيذ والحالات التي تصاحبها، ومنها دعاوى الإعسار.

وأشار الصيدلاني إلى أن القاضي يطلب من المدين الإفصاح عما لديه من أموال، وإذا لمس مماطلة أو عدم مصداقية، فله أن يوجه الجهات المسؤولة والمشرفة على تسجيل الأموال أو حفظها، كالبنوك وكتابات العدل وغيرها، بالإفصاح عن أموال طالب الإعسار، كما للقاضي الحق في توجيه من يطالبهم طالب الإعسار بأموال بالإفصاح عن الأموال المستحقة بذمتهم، وهو ما يعرف بـ«مدين المدين». وقال: «للقاضي أن يوجه التابعين لطالب الإعسار وموظفيه والعاملين معه بالإفصاح عن الأموال التي لطالب الإعسار المعروفة لديهم، وجميع من يوجههم القاضي بذلك يقع عليه الالتزام بالإفصاح خلال عشرة أيام من تاريخ وصول توجيه القاضي». وتابع الصيدلاني: «إن الإجراءات التي يتخذها قاضي التنفيذ تشمل استجواب طالب الإعسار عما لديه من أموال، وعن حقيقة حاله، وله أن يستجوبه عن أمواله التي تصرف بها وما قام بتحويله من حسابات، وحقيقة هذه التصرفات، سواء كانت على الأموال النقدية أو العينية المنقولة أو غير المنقولة، فيما يحق للقاضي إذا ظهر له من خلال الاستجواب والتتبع لأموال طالب الإعسار أنه يخفي أموالا، فله بموجب حكم يصدر عنه أن يستظهر حال طالب الإعسار بحبسه مدة لا تتجاوز خمس سنوات».

من جهته يقول الدكتور واصف كابلي عضو اللجنة التجارية في الغرفة التجارية بجدة، إن المشكلة تكمن فيما تمارسه العمالة الوافدة من عمليات اختلاس، أو سرقة لمحتويات الشركات أو مبالغ مالية، فهو، وإن لم يتم السداد، يرحل خارج البلاد، بخلاف المواطن الذي تتم ملاحقته.

وشدد كابلي على أهمية إنشاء غرفة عمليات تابعة للجهات الرسمية، تخزن فيها كافة المعلومات الشخصية عن العاملين في المملكة وتحركاتهم المالية، لتوفر كل المعلومات التي قد يحتاجها القضاء، وخصوصا في قضايا صكوك الإعسار، نظرا إلى افتقاد البيانات الدقيقة للمتهمين في قضايا اختلاس.

وأوضح أن هناك لقاءات مستمرة مع كل الجهات الحكومية فيما يتعلق بتعثر بعض الشركات، مشيرا إلى أنه بصدد طرح صكوك الإعسار على الاجتماع المقبل في الغرفة التجارية لمناقشته وتحديد أبعاده على الشركات المتضررة منه.