الدعوة لمشروع وطني ينشر التسامح ويجرم العنصرية والطائفية

«ملتقى التسامح» يطالب الأئمة والخطباء بالخروج من المجال الوعظي والتوجه لـ«قضايا الحياة»

TT

طالب المشاركون في اللقاء الحواري «التسامح وضمان الحقوق»، بإيجاد مشروع وطني لنشر ثقافة التسامح وسن الأنظمة المجرمة للعنصرية والتعصب والطائفية والعنف، داعين أئمة وخطباء المساجد إلى الخروج من المجال الوعظي إلى مناقشة القضايا الحياتية التي تهم الأفراد في تحقيق اللحمة الوطنية والإنسانية فيما بينهم.

وأكدوا خلال اللقاء الذي نظمته الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في جدة، بمناسبة اليوم العالمي للتسامح، أهمية مشاركة الجهات الحكومية والمؤسسات التربوية والإعلامية والرئاسة العامة لرعاية الشباب في تبني برامج ونشر ثقافة التسامح بين شرائح المجتمع المختلفة.

ورفض الدكتور سعود كاتب رئيس قسم الإعلام الجديد ونائب المشرف العام على المركز الإعلامي في جامعة الملك عبد العزيز تعريف التسامح بأنه العفو والصفح فقط، إذ يرى أن وجودهما قائم في حال وجود طرف مذنب، معتبرا التسامح خليطا بين العفو والصفح والاحترام وقبول الآخر، وهو ما يتنافى مع التعصب والعنصرية والانتقام واحتقار الذات لأسباب قبلية أو اختلافات مذهبية أو عمرية أو اختلاف نوع الجنس.

وتساءل كاتب عن مدى تسامح المجتمعات فيما بينها؟ ودور الإعلام في نشر ثقافة التسامح ونبذ العنصرية؟ معطيا مثالا على تنامي ظاهرة العنف عند الأطفال التي بلغت نسبتها 45 في المائة، فضلا عن مشاكل العنف التي تواجهها المرأة. ولفت إلى أن تنامي مثل هاتين الظاهرتين «يؤكد قطعا أننا شعب غير متسامح حتى مع أضعف ما خلق الله من البشر وهما الطفل والمرأة». إلى ذلك، كشف تقرير أخير أصدرته وزارة الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة عن استقبالها 345 حالة من حالات الحماية الاجتماعية للعام الماضي 1433هـ، ابتداء من شهر محرم 1433هـ، وحتى نهاية شهر ذو الحجة من عام 1433هـ. وبين التقرير أن الـ345 حالة، كانت ما بين عنف جسدي، ونفسي، وتحرش جنسي، وحماية من القتل أو الحرق، حرمان أمهات من أطفالها، وهروب من المنزل، وانتحار. وبحسب التقرير بلغت حالات النساء اللاتي تعرضن لعنف نفسي واستقبلها المكتب 43 حالة، و119 حالة عنف جسدي لرجال ونساء، و11 حالة تحرش جنسي، و3 حالات هروب من المنزل لنساء، إضافة إلى حالة واحده محاولة انتحار. وأوضح التقرير أن دار الحماية استقبلت 18 حالة ليست لها علاقة مباشرة بها، إحالتها لجهات أخرى، و35 حالة إحالتها لحماية الأطفال، إضافة إلى 28 حالة اعتذرت عن الاستمرار في القضية وحلت وديا.

وبالعودة إلى الدكتور سعود كاتب يرى أن شبكات التواصل الاجتماعي كشفت الوجه الحقيقي للمجتمع السعودي، مشددا على أهمية دور التوعية والمناهج المدرسية والقدوة الحسنة، لافتا إلى أن غياب القوانين الرادعة يجعل الأشخاص يفعلون ما يرونه مثل نشر عبارة فيها عدم التسامح، أو نشر العنصرية والطائفية على شبكات التواصل الاجتماعي أو حتى في الشارع. في المقابل بينت سميرة الغامدي الاختصاصية النفسية رئيسة مجلس حماية الأسرة في جدة، أن «الطفل الذي يتربى في منزل غير متسامح يخرج طفل غير متسامح يمارس العنف، مرجعة ممارسات العنف التي تتم ضد الأطفال والنساء في المجتمع السعودي إلى الجهل بثقافة التسامح، وخلطها بالتنازل عن الحقوق. وطالبت بتعليم الأطفال الحقوق والواجبات، والتسامح من دون التنازل عن الحقوق، من خلال الأسرة والمدرسة، لكي لا يعيش المجتمع متفككا.

بينما أوضح الدكتور عبد الله السلمي رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي في جدة أن منهج التسامح موجود في المجتمعات العربية، وهذا ما أكدته الأحاديث النبوية الشريفة، إلا أن أتباعه مع تغير الزمن ابتعدوا عنه وحادوا عن طريقه، مؤكدا في الوقت ذاته أن التجاذب بين التيارات المختلفة تسبب في إجهاض بعض البرامج التي تعمل على نشر ثقافة التسامح، وتسببت في حرمان المجتمع من عقول واعدة، ممثلا بالتيار التكفيري المتطرف الذي ظهر في فترة من الزمن وتم التصدي له والتخفيف من حدته. واعتبر السلمي أن التيار التغريبي الذي بدأ يظهر بين عقليات شباب الجيل الحالي، أحد التيارات المتطرفة التي نالت من الموروث الثقافي والهوية الوطنية، منوها بدور نادي جدة الثقافي في ترسيخ مفهوم التسامح والحوار، من خلال قيامه بتدشين برامج تشجع على الاعتدال الثقافي، وإتاحة منبر النادي أمام الأطراف المختلفة. وتساءل العقيد طلال الصيدلاني رئيس قسم الدراسات في شرطة جدة عن دور المناهج المدرسية في ترسيخ مفهوم التسامح؟ مشددا على ضرورة تعريف هذا المفهوم للأجيال الصغيرة.

وأضاف الصيدلاني لـ«الشرق الأوسط» أن الدولة وضعت الكثير من القوانين والأنظمة التي تحكم العلاقات الإنسانية، معتبرا الالتزام بها هو السبيل لبث روح التسامح، محذرا في الوقت نفسه من المتاجرة بالتسامح في إشارة إلى ظاهرة المطالبة بمبالغ مالية خيالية مقابل العفو أو التنازل عن حق شخصي في قضية ما، التي انتشرت مؤخرا.

وقال رئيس قسم الدراسات في شرطة جدة: «لقد كفلت الأنظمة العدلية الثلاثة التي صدرت لإعادة تنظيم وترتيب العمل العدلي في السعودية الحقوق، من خلال ما تضمنته من مواد، لكن نقص الثقافة الحقوقية لدى الشخص العادي وعدم معرفة الناس بحقوقهم أسهمت بشكل أو بآخر في الكثير في المخالفات القانونية، وهنا يأتي دور الهيئات والجمعيات المهتمة بهذا الشأن في نشر تلك الثقافة، لنصل بالتالي إلى مجتمع متبصر بحقوقه وواجباته أيضا، ما سيخلق لدينا مجتمع متسامح، يحترم بعضه بعضا، احترام الإنسان للإنسان من دون النظر إلى عقيدته أو فكره أو لونه أو جنسيته».